ارشيف من :آراء وتحليلات
ليبيا: كيف كانت وكيف أصبحت؟

عقيل الشيخ حسين
لم يترك القذافي مجالاً لأحد كي يدافع عنه. فقد غدر بالإمام موسى الصدر بطريقة منافية لأبسط الأعراف والقيم العربية، ولأغراض هي في نهاية المطاف الإساءة إلى القضية الفلسطينية ودفع لبنان نحو الخراب. واعتمد سياسات بهلوانية ومشبوهة خلال المرحلة التي كان يزعم فيها محاربة الاستعمار. وصرف مبالغ ضخمة على شراء أسلحة لم نسمع مثلاً بأنه استخدم شيئاً منها في قصف بارجة أو حاملة طائرات أطلسية خلال الغزو الحالي لليبيا.
وابتداءً من العام 2003، رمى القذافي بكل ثقله في أحضان الغرب، ورضخ للعديد من الإملاءات الغربية المتعلقة بتدمير اسلحة ليبية وإلغاء البرنامج النووي الليبي، ولم يمانع في دفع عشرات المليارات من الدولارات كإتاوات تملقاً للغربيين وسعياً للحصول على رضاهم. لكنه، وبعد الكثير من المصافحات والمعانقات والزيارات والاستقبالات، لم يحصد من أصدقائه الجدد غير العاصفة.
لذا، فإن تصوير ما يجري على الأرض الليبية على أنه مواجهة بين القذافي والأطلسي، أو بينه وبين الشعب الليبي، هو واحدة من المغالطات الكبرى والافتعالات التآمرية التي أصبحت فيما يبدو آخر ما في جعبة الأطلسي من وسائل يضعها في خدمة أغراض الهيمنة، بعد افتضاح أكاذيب الأنظمة الغربية التي تستخدم شعارات التدخل الإنساني ونشر الحضارة والإشعاع والدفاع عن حقوق الإنسان لتغطية المشاريع الاستعمارية.
فما يجري على الأرض الليبية اليوم لا يهدف، في الوقت الذي يواصل الغرب دعمه لأنظمة تمارس أبشع أشكال الدكتاتورية والطغيان والفساد والقهر بحق شعوبها، إلى حماية الشعب الليبي وتحريره من حكم الطاغية وأبنائه. بل تحديداً إلى استنزاف ليبيا وتجزئتها وإلحاقها بركب البلدان الفقيرة والعاجزة في العالم الثالث.
وإذا كان من الصحيح أن نظام القذافي كان فاسداً من أساسه، فإن ذلك لا يعني أن الشعب الليبي كان يهدر كرامته على أبواب البلدان الغنية، الشقيقة وغير الشقيقة، طلباً للقمة العيش. فإذا كان هنالك ما يكفي من أسباب اجتماعية ومعيشية أسهمت في تفجير الثورتين التونسية والمصرية مثلاً، فإن ذلك لا ينطبق بشكل من الأشكال على الثورة الليبية.
صحيح أن القذافي وأبناءه كانوا، شأن جميع المترفين في عالمنا العربي خصوصاً، يضعون أيديهم على قسم كبير من أموال الشعب الليبي ويسرفون في إنفاقها بالأشكال المعروفة. لكن الأوضاع الاجتماعية والمعيشية كانت، في ظل القذافي، بين الأفضل على المستوى العالمي: مجانية الاستشفاء والتعليم، تسهيلات متميزة في مجال الإسكان، حصول جميع العاطلين عن العمل على الحد الأدنى للأجور، انخفاض أسعار المواد الأساسية كالأغذية والوقود، في وقت ترتفع فيه باستمرار أسعار هذه المواد في جميع بلدان العالم، ويرتفع عنها الدعم الحكومي مفسحاً في المجال أمام انتفاضات الجوع التي تفجرت وتتفجر في أكثر من بلد من بلدان العالم.
كما كانت ليبيا، حتى لحظة بدء الاحتجاجات، إحدى الدول النادرة في العالم التي لم تثقل اقتصادها بأية ديون، خلافاً للأغلبية الساحقة من البلدان التي ابتليت بالمديونات ومزقتها مخالب الإصلاحات البنيوية المبتكرة في كواليس الصندوق والبنك الدولي. على العكس من ذلك، كانت ليبيا في عداد البلدان الدائنة وتمتلك استثمارات مالية ضخمة في بلدان الغرب وفي العديد من البلدان الإفريقية.
باختصار، كان الليبيون يتمتعون بمستوى من الرفاه الاقتصادي لا يحلم به أفراد الطبقات الوسطى في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، أو حتى في بلدان الخليج العائمة على بحار النفط والتي يلاحظ ارتفاع منسوب الفقر بين سكانها.
إن استفادة الشعب الليبي من قسم من ثرواته واستثمار النظام في الصحة والتعليم والإسكان وغير ذلك، كان في طليعة الأسباب التي أثارت حنق جبابرة المال العالمي الذين سرحوا ومرحوا طيلة العقود الماضية وتمكنوا، في ظل عقائد الرأسمالية المتوحشة، من سرقة خيرات البشرية وتجويع السواد الأعظم من الشعوب.
من هنا، قد لا يكون من المستغرب أن نعلم بأن الإعداد للحرب على ليبيا قد تم بشكل رئيسي قبل سنوات من بدء الاحتجاجات في الشارع، تنفيذاً لإرادة صندوق النقد الدولي، وهو الصندوق المسؤول عن الويلات الاقتصادية التي حلت بمعظم ببلدان العالم الثالث. والسبب بسيط: لم تكن ليبيا زبوناً طوعياً للصندوق فوجب تحويلها إلى زبون بالإكراه.
وإذا كنا قد سمعنا الكثير عن القصف الأطلسي لدفاعات القذافي، فإن القصف الأكبر قد توجه إلى البنى التحتية والإدارات الحكومية والبنك المركزي والأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات، وكل ذلك بهدف تسمين فاتورة إعادة الإعمار. وفي الوقت الذي يشهد بداية وضع اليد الغربية على النفط الليبي، وفي حين يمتلك الشعب الليبي مئات المليارات من الأموال المجمدة في مصارف الغرب وبعض البلدان الخليجية، نلاحظ سباقاً محموماً بين المؤسسات المالية العالمية على تقديم عروض لإقراض ليبيا أموالاً لإعادة الإعمار، أي بكلام آخر لتعويم صناديق الشركات الغربية المفلسة.
لقد قتل وجرح وشرد مئات الألوف من أبناء الشعب الليبي. ودمرت مدن ليبية بأكملها، وسيكون على ليبيا، فيما لو عادت إلى الاستقرار، وفيما لو سمح لها الحلف الأطلسي وامتداداته الإقليمية والمحلية بإعادة بناء نفسها... سيكون عليها أن تواجه الكثير من السنين العجاف مع الشك الكبير بإمكانية الوصول إلى السنين السمان في ظل ما يحتبس من تخبطات في فضاء ليبيا المصلوبة على خشبة القذافي والأطلسي، وعسى ألا يكون المجلس الانتقالي وحكومته العتيدة في جملة المضطلعين بدق المسامير في الخشبة!
وابتداءً من العام 2003، رمى القذافي بكل ثقله في أحضان الغرب، ورضخ للعديد من الإملاءات الغربية المتعلقة بتدمير اسلحة ليبية وإلغاء البرنامج النووي الليبي، ولم يمانع في دفع عشرات المليارات من الدولارات كإتاوات تملقاً للغربيين وسعياً للحصول على رضاهم. لكنه، وبعد الكثير من المصافحات والمعانقات والزيارات والاستقبالات، لم يحصد من أصدقائه الجدد غير العاصفة.
لذا، فإن تصوير ما يجري على الأرض الليبية على أنه مواجهة بين القذافي والأطلسي، أو بينه وبين الشعب الليبي، هو واحدة من المغالطات الكبرى والافتعالات التآمرية التي أصبحت فيما يبدو آخر ما في جعبة الأطلسي من وسائل يضعها في خدمة أغراض الهيمنة، بعد افتضاح أكاذيب الأنظمة الغربية التي تستخدم شعارات التدخل الإنساني ونشر الحضارة والإشعاع والدفاع عن حقوق الإنسان لتغطية المشاريع الاستعمارية.
فما يجري على الأرض الليبية اليوم لا يهدف، في الوقت الذي يواصل الغرب دعمه لأنظمة تمارس أبشع أشكال الدكتاتورية والطغيان والفساد والقهر بحق شعوبها، إلى حماية الشعب الليبي وتحريره من حكم الطاغية وأبنائه. بل تحديداً إلى استنزاف ليبيا وتجزئتها وإلحاقها بركب البلدان الفقيرة والعاجزة في العالم الثالث.
وإذا كان من الصحيح أن نظام القذافي كان فاسداً من أساسه، فإن ذلك لا يعني أن الشعب الليبي كان يهدر كرامته على أبواب البلدان الغنية، الشقيقة وغير الشقيقة، طلباً للقمة العيش. فإذا كان هنالك ما يكفي من أسباب اجتماعية ومعيشية أسهمت في تفجير الثورتين التونسية والمصرية مثلاً، فإن ذلك لا ينطبق بشكل من الأشكال على الثورة الليبية.
صحيح أن القذافي وأبناءه كانوا، شأن جميع المترفين في عالمنا العربي خصوصاً، يضعون أيديهم على قسم كبير من أموال الشعب الليبي ويسرفون في إنفاقها بالأشكال المعروفة. لكن الأوضاع الاجتماعية والمعيشية كانت، في ظل القذافي، بين الأفضل على المستوى العالمي: مجانية الاستشفاء والتعليم، تسهيلات متميزة في مجال الإسكان، حصول جميع العاطلين عن العمل على الحد الأدنى للأجور، انخفاض أسعار المواد الأساسية كالأغذية والوقود، في وقت ترتفع فيه باستمرار أسعار هذه المواد في جميع بلدان العالم، ويرتفع عنها الدعم الحكومي مفسحاً في المجال أمام انتفاضات الجوع التي تفجرت وتتفجر في أكثر من بلد من بلدان العالم.
كما كانت ليبيا، حتى لحظة بدء الاحتجاجات، إحدى الدول النادرة في العالم التي لم تثقل اقتصادها بأية ديون، خلافاً للأغلبية الساحقة من البلدان التي ابتليت بالمديونات ومزقتها مخالب الإصلاحات البنيوية المبتكرة في كواليس الصندوق والبنك الدولي. على العكس من ذلك، كانت ليبيا في عداد البلدان الدائنة وتمتلك استثمارات مالية ضخمة في بلدان الغرب وفي العديد من البلدان الإفريقية.
باختصار، كان الليبيون يتمتعون بمستوى من الرفاه الاقتصادي لا يحلم به أفراد الطبقات الوسطى في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، أو حتى في بلدان الخليج العائمة على بحار النفط والتي يلاحظ ارتفاع منسوب الفقر بين سكانها.
إن استفادة الشعب الليبي من قسم من ثرواته واستثمار النظام في الصحة والتعليم والإسكان وغير ذلك، كان في طليعة الأسباب التي أثارت حنق جبابرة المال العالمي الذين سرحوا ومرحوا طيلة العقود الماضية وتمكنوا، في ظل عقائد الرأسمالية المتوحشة، من سرقة خيرات البشرية وتجويع السواد الأعظم من الشعوب.
من هنا، قد لا يكون من المستغرب أن نعلم بأن الإعداد للحرب على ليبيا قد تم بشكل رئيسي قبل سنوات من بدء الاحتجاجات في الشارع، تنفيذاً لإرادة صندوق النقد الدولي، وهو الصندوق المسؤول عن الويلات الاقتصادية التي حلت بمعظم ببلدان العالم الثالث. والسبب بسيط: لم تكن ليبيا زبوناً طوعياً للصندوق فوجب تحويلها إلى زبون بالإكراه.
وإذا كنا قد سمعنا الكثير عن القصف الأطلسي لدفاعات القذافي، فإن القصف الأكبر قد توجه إلى البنى التحتية والإدارات الحكومية والبنك المركزي والأحياء السكنية والمدارس والمستشفيات، وكل ذلك بهدف تسمين فاتورة إعادة الإعمار. وفي الوقت الذي يشهد بداية وضع اليد الغربية على النفط الليبي، وفي حين يمتلك الشعب الليبي مئات المليارات من الأموال المجمدة في مصارف الغرب وبعض البلدان الخليجية، نلاحظ سباقاً محموماً بين المؤسسات المالية العالمية على تقديم عروض لإقراض ليبيا أموالاً لإعادة الإعمار، أي بكلام آخر لتعويم صناديق الشركات الغربية المفلسة.
لقد قتل وجرح وشرد مئات الألوف من أبناء الشعب الليبي. ودمرت مدن ليبية بأكملها، وسيكون على ليبيا، فيما لو عادت إلى الاستقرار، وفيما لو سمح لها الحلف الأطلسي وامتداداته الإقليمية والمحلية بإعادة بناء نفسها... سيكون عليها أن تواجه الكثير من السنين العجاف مع الشك الكبير بإمكانية الوصول إلى السنين السمان في ظل ما يحتبس من تخبطات في فضاء ليبيا المصلوبة على خشبة القذافي والأطلسي، وعسى ألا يكون المجلس الانتقالي وحكومته العتيدة في جملة المضطلعين بدق المسامير في الخشبة!