ارشيف من :آراء وتحليلات

فصل جديد من فصول المهزلة :حتى السفير الفرنسي في الأمم المتحدة يهدد بضرب إيران!

فصل جديد من فصول المهزلة :حتى السفير الفرنسي في الأمم المتحدة يهدد بضرب إيران!
عقيل الشيخ حسين

تمتلك فرنسا حاملة طائرات واحدة لا غير. وقد شاركت من بعيد في الحرب على ليبيا، لكن الخوف من أن يصيبها أحد صواريخ القذافي التي ـ لأسباب مريبة ـ لم تدخل المعركة، كان وراء إعادتها إلى قاعدتها بهدف إخضاعها لفحوصات وعلاجات بعدما أصابها العطب لمجرد خروجها إلى البحر "المتوسط".

ومع هذا، فإن فرنسا ساركوزي التي لا يتردد العديد من المراقبين في القول بأنها تعاني من حالة سكر شديد نجمت عما تعتبره انتصارات باهرة على نظامي معمر القذافي (الذي انتهى به الأمر منذ سنوات إلى أن يصبح صديقاً حميماً لفرنسا ولساركوزي)، ولوران غباغبو (آخر أصدقائها التاريخيين في إفريقيا)... فرنسا هذه تتنطح اليوم لركوب المحيطات... لتوجيه ضربة عسكرية استباقية لإيران.

تهديدات القادة الغربيين والإسرائيليين، ومنهم نيكولا ساركوزي، بضرب إيران كانت قد أصبحت مثيرة للملل لشدة ما تكررت وأعيد تكرارها خلال السنوات الأخيرة. لكنها بهتت مؤخراً وانطفأت بشكل كامل لأسباب عديدة. منها منعة إيران وجديتها في التصدي لمشاريع الهيمنة.

ومنها سلاسل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها بلدان التحالف الغربي، مضافة إلى الهزائم العسكرية والسياسية التي منيت بها في أفغانستان والعراق ولبنان وغزة.

ومنها أخيراً المفاجأة غير المنتظرة التي حولت المنطقة العربية، من المحيط إلى الخليج، إلى مرجل يغلي بثورات وحركات احتجاجية يعلم العارفون أنها، رغم المراوحات ومحاولات الاختطاف والتمييع، مؤشر على بدء التحرك الذي سيعقبه خروج المارد العربي من القمقم الذي طال فيه حبسه. ومؤشر على رجوعه إلى احتلال موقعه الطبيعي في حركة التاريخ السائر قدماً نحو الحرية الحقيقية والعدل الفعلي فوق أنقاض الاستعمار الذي يحاول تجديد نفسه عبر مخاتلة الشعوب بالعبارات والشعارات البراقة المعروفة عن الحرية والديموقراطية والحقوق.

غير أن هذه التهديدات عادت إلى الظهور على لسان سفير فرنسا في الأمم المتحدة، جيرار آرو، خلال منتدى للنقاش عقد في نيويورك على هامش الدورة الحالية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، على ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.

فقد تحدث آرو، وهو ديبلوماسي فرنسي معروف بقربه من ساركوزي وبعلاقاته الوثيقة مع "إسرائيل"، عن احتمال تعرض إيران لضربة عسكرية استباقية فيما لو واصلت العمل على برنامجها النووي، مؤكداً بأن العملية ستكون معقدة جداً وستنجم عنها عواقب كارثية في المنطقة.

وربما بسبب دوره في إعادة فرنسا إلى حظيرة الحلف الأطلسي، بعد أن كان الجنرال ديغول قد أخرجها منها، حاز آرو لقب "منقذ الديبلوماسية الفرنسية"... إنقاذٌ حوّلها إلى مجرد صدى لسياسات الصهاينة والمحافظين الجدد، مع كل ما يستتبعه ذلك من توريط فرنسا في المستنقعات التي يتخبط فيها الأميركيون والإسرائيليون.

والواضح، مع كونه لم يحدد الجهة التي ستتولى ضرب إيران، أنه لا ينقل بكلامه رسالة من الأميركيين والإسرائيليين، لأن هؤلاء دأبوا على توجيه هذه الرسالة بأنفسهم وبشكل مباشر. وهذا يسمح بالافتراض بأن فرنسا ستكون مشاركاً أساسياً في تلك المهمة، إذا لم نقل بأنها ستضطلع بها وحدها في سياق ما يشجعها عليه ما تعتبره انتصارات باهرة.

وأياً يكن الأمر، فإن الديبلوماسي الذي كان غامضاً في كلامه عن "العملية المعقدة جداً"، كان أكثر غموضاً في كلامه عن العواقب الكارثية التي ستسببها الضربة الموعودة للمنطقة. وأياً يكن قصده، وسواء علم أم لم يعلم، فإن الكيان الصهيوني هو الذي سيناله القسط الأكبر من العواقب الكارثية لسبب بسيط هو عدم قدرته، بالمقارنة مع غيره، على امتصاص الضربات.

وبالطبع لا يمكن تصور نشوب حرب بهذا الحجم من دون أن تصل نيرانها إلى مضيق هرمز والنفط الخليجي والقواعد العسكرية والأطلسية المنتشرة في المنطقة... وخارج المنطقة، وصولاً إلى شواطئ أوروبا وأميركا.

فالمعروف أن قوات البحرية الإيرانية باتت موجودة في مياه المحيط الهندي والبحر المتوسط، وهي ستتواجد قريباً في المحيط الأطلسي وخليج المكسيك، وفق تصريحات لبعض كبار القادة العسكريين الإيرانيين.

والأهم من ذلك أن التورط في شن حرب على إيران، مع النتائج المعروفة مسبقاً لمثل هذا التحرش، سيفتح الباب واسعاً أمام انبثاق معطيات في المنطقة في طليعتها خروج إيران أكثر قوة، وتعزيز الصحوة الإسلامية وتنقيتها من أفكار الأدعياء وممارساتهم، ومن ثم تصحيح مسار الثورات العربية.

منذ ثلاثين عاماً، أدرك الغرب والقوى الإقليمية المرتبطة به ما تشكله الثورة الإسلامية في إيران من خطر على الفساد الذي يلف النظامين الإقليمي والدولي. فكانت الحرب التي فرضت على إيران من قبل النظام العراقي البائد. لكن السحر انقلب على الساحر مع النتائج التي أفضت إليها الحرب الأميركية على العراق.

يومها كانت الثورة الإسلامية طرية العود. أما اليوم، فإن الثورة قد بلغت أشدّها، وليس بمقدور هذيانات جيرار آرو وأمثاله أن ترد السيل عن عبابه.

2011-09-30