ارشيف من :آراء وتحليلات
ما بين جولة الراعي جنوباً، وهجوم جعجع عليها وانعقاد القمة الروحية: أي مشهد سياسي يرتسم؟

مصطفى الحاج علي
ثلاثة تطورات رسمت المشهد الداخلي مؤخراً بتوازناته المستجدة وبآفاقه المحتملة بل والمرجحة: التطور الأول حاكته ريشة البطريرك الراعي في جولته الجنوبية، مكملة بذلك الاطلالة الجديدة لهذا الموقع الديني الرفيع والحساس والمؤثر في بيئته الخاصة والعامة معاً. والتطور الثاني والمتزامن مع التطور الأول برزت قسماته من خلال مشهدية احتفال القوات حضوراً ومشاركة وكلمات، والتطور الثالث، تمثل بالعودة المهمة للقاءات الروحية العالية من خلال القمة التي انعقدت في دار الافتاء، والتي أفرزت نتائج مهمة على صعيد الشكل والمضمون.
هذه التطورات الثلاثة أفضت الى خلاصة سياسية آخذة في التجذر قوامها التالي:
أولاً: هناك رؤيتان تتقاسمان اليوم النظرة الى الأخطار المصيرية التي تتهدد الوجود المسيحي في المشرق عموماً ولبنان تحديداً.
الأولى التي للجنرال عون وتياره حق السبق فيها، والتي رسا عليها الفاتيكان ومعه البطريركية برأسها الحالي، والتي جاءت خلاصة مراجعة وتقويم لأوضاع المسيحيين في المشرق ولبنان، كما جاءت خلاصة متابعة دقيقة للمشاريع الغربية عموماً والاميركية تحديداً، وما تحمله في طياتها من اخطار على كامل المنطقة بكل مكوناتها، ومن ضمنهم المسيحيون بصفتهم أقلية، خلاصة هذه الرؤية تنهض على مجموعة استنتاجات فعلية، هي:
أ ـ أن الاعتبار الأول للغرب عموماً وللولايات المتحدة هو لحماية الكيان الاسرائيلي، ولوضع اليد على ثروات المنطقة لا سيما النفطية منها.
ب ـ لم يعد هناك من مكان للمسيحيين، كما لم يعد هناك من دور أو وظيفة لهم، في المخططات الجديدة، ما دام بالامكان ايلاء هذا الدور لقوى أخرى لها أكثرية طاغية، وأبرز تعبيرات حذف دور وموقع المسيحيين من حسابات الغرب يتمثل في لبنان، حيث تم تجيير الدور التاريخي لما يعرف بالمارونية السياسية، الى ما بات يعرف اليوم بالحريرية السياسية.
ولا شك أن استشعار المسيحيين للخطر في لبنان هو أكثر من أي مكان آخر، لا لأنه لا توجد أخطار كبرى تحيق بالمسيحيين في أماكن أخرى، وإنما لكون لبنان هو البلد الوحيد في العالم العربي الذي كان المسيحيون يحظون فيه بكيان سياسي متقدم، وما زالوا، وإن بتراجع نسبي.
من هنا، فالدفاع عن الموقع والدور في لبنان يرتقي الى مصاف الدفاع عن خط الحماية الأول لحفظ الوجود المسيحي لا كحالة اجتماعية وطائفية فحسب، وإنما كحالة سياسية لها دورها وموقعها.
وهذا بدوره ما يجعل حساسية البطريركية والقوى الحريصة مثلاً على وجود ومصالح المسيحيين في لبنان إزاء ما يخطط له الغرب بالغة بل فائقة الدقة والحراجة، وهو ما يدفعها بالتالي الى البحث عن سبل حماية جديدة لها.
ج ـ ان المشروع والمخطط الغربي عموماً والاميركي ـ الصهيوني تحديداً هو مشروع فتن وحروب أهلية ودينية داخلية، تندرج في سياق تفتيت المنطقة الى دويلات طائفية متحاربة خصوصاً بين المسلمين، وهذا المشروع لا مكان فيه للأقليات المسيحية، بل هو مشروع من شأنه أن يؤدي أن تدفع الأقليات غير الاسلامية عموماً فاتورته، كما جرى في العراق وفي أماكن أخرى.
د ـ ان الخطر الصهيوني على المسيحيين لا يقل عن غيرهم، ويكفي النظر الى حجم ما تبقى من مسيحيين في الأماكن المقدسة وهو حجم لا يتجاوز 2،5% من الوجود المسيحي الفعلي، كما إن عملية تهويد الأراضي والأماكن المقدسة لا تشمل مقدسات المسلمين فقط، وإنما المسيحيين أيضاً، والبعض من المسيحيين يتساءل هنا، اذا ذهبت القدس وبيت لحم والناصرة، فماذا يبقى من المسيحية؟
هذه الرؤية تفرض موضوعياً نوعاً من إعادة تموضع عبّر عنها البطريرك بشعاره المركزي: الشركة والمحبة، الشركة بما هي مشاركة مع الآخرين، والمحبة بما هي أواصر تقارب وتراحم ومودة، الا أن الأهم هنا سياسياً، هو إرادة وصل البطريركية بباقي مكوّنات لبنان الطائفية من موقع مشاركة مصدر الخطر الواحد الذي يتهدد كل اللبنانيين، ولذا لم يُضِر الراعي ان يشهد للمقاومة ولا لشهدائها من ضمن شهادته لكل الشهداء، كما شهادته لصبر الجنوبيين وتضحياتهم.
الأبلغ في شهادة الراعي بالنسبة لفريق الرابع عشر من آذار ومسيحيية تحديداً، هو أن هذه النقلة تعني عملياً فعل تخطئة لهم، ونوعاً من الإزاحة للشرعية الدينية التي كانت تحظاها مواقفهم مع البطريرك السابق، اضافة الى احداث نقلة نوعية في خريطة التوازنات داخل الساحة المسيحية أولاً، والساحة الوطنية عموماً.
أما رؤية جعجع ومسيحيي 14 آذار فما زالت تنهض على التالي:
أ ـ صحيح أن المشروع الغربي ـ الصهيوني هو مشروع تفتيت وحروب دينية وطائفية في المنطقة، إلا أن هذا يجب أن لا يشكل للمسيحيين مدعاة خوف، بل فرصة خصوصاً في لبنان، اذ من شأن الانقسام والصراع بين المسلمين لا سيما الشيعة والسنة ان يضعف الاثنين لمصلحة هذا التوجه، كما من شأنه أن يشكل فرصة لإعادة استنبات مشاريع التقسيم والفيدرالية أو الكونفيدرالية في لبنان.
وهذا يتطلب الانخراط في المشروع العربي بدلاً من مغادرته، لأن البقاء يعني بقاء الدور والوظيفة، وبالتالي، بقاء السند.
ب ـ ان مصلحة المسيحيين كأقلية من الناحية الاستراتيجية هي استمرار تحالفهم الموضوعي مع الصهاينة لا الانخراط في مواقع مواجهة معهم، باعتبارهم أقلية في المنطقة، وباعتبارهم رأس حربة المشروع الاميركي ـ الصهيوني فيها.
ج ـ ان تموضع المسيحيين ضمن المشروع الغربي وشبكة مصالحه يعني حتماً تموضعهم ضمن منظومة الدول الملحقة والدائرة في الفلك الاميركي، ما يوفر مانعاً لأي تصادم مع شعوب هذه الدول.
وبناءً عليه، من الطبيعي أن ينخرط هذا الفريق في معركة لا هوادة فيها ضد سلاح المقاومة وحزب الله، وان يضيف الى لائحة خصومه البطريرك، ويشن عليه هجوماً حاداً، وان ينخرط هذا الفريق أيضاً مع رأس حربة مشروع التوتير الطائفي والمذهبي في لبنان، أي الحريرية السياسية.
فالتحالف موضوعي هنا لأن العدو واحد، والرؤية واحدة ولو الى حين. في هذا الاطار، حاول جعجع توظيف قداس جونية في أكثر من اتجاه:
ـ القول، ان مسيحيي 14 آذار هم على تحالفهم مع المشروع الاميركي في لبنان ممثلاً بالحريرية السياسية، التي حضرت بكل رموزها لتؤكد احتضانها الكامل بدورها لجعجع وأترابه.
ـ استغلال المناسبة للقول بأنه اذا كان الراعي هو بطريركٌ اليوم، فهو بطريرك لبعض المسيحيين وليس كلهم، اذ إن لهم بطريريكهم الخاص وهو البطريرك السابق صفير، بالرغم من أن مشاركة الأخير ما كانت لتتم لولا موافقة الراعي الذي انتدبه ممثلاً له في رسالة منه جامعة.
ـ استغلال المناسبة لكبح تأثيرات مواقف الراعي سواء داخل الساحة المسيحية عموماً لا سيما التي تتأثر بمواقف البطريرك عادة، أم داخل القوات نفسها استناداً الى كونها مؤدلجة دينياً أكثر من سواها، وفي هذا الاطار، ثمة من لاحظ بأن الحضور لم يكن بالمستوى المتوقع شعبياً.
ثانياً: في هذا السياق العام، جاء انعقاد القمة الروحية في دار الافتاء ليعكس التالي:
أ ـ رسالة بالغة الدلالة في توقيتها مضمونها ان الرد الطبيعي والوحيد على مشاريع الفتنة والتوتير الطائفي والمذهبي ومشاريع الحروب المذهبية والتقسيم في المنطقة، لا يكون الا من خلال وحدة القوى والممثليات الدينية المكونة سواء للبنان، أم للمنطقة، وهذه الرسالة بقدر ما هي برسم الخارج هي أيضاً برسم اطراف معروفين في الداخل.
ب ـ التأكيد على ما يوحد اللبنانيين جميعاً من توافقات عامة جرى التعبير عنها باتفاق الطائف، أم من خلال الحوارات المتنوعة، ومن ثم تجاوز كل ما هو موضع خلاف وتنازع داخلي.
ج ـ لم يكن قليلاً الوقفة اللافتة للمجتمعين في موضوع المقاومة وضروراتها، بما يؤكد سعة المظلة الروحية التي تظللها، في مقابل كل الجهود الهادفة الى اشاعة الانقسام من حولها، وهذا الموقف هو برسم ـ أيضاً ـ أصحاب هذه الجهود.
من الواضح، أننا إزاء مشهد سياسي مختلف، يجد فيه أتباع منظومة الاستسلام في المنطقة، وأدوات المشروع الاميركي فيه، أنفسهم محاصرين كل يوم أكثر من الآخر، ما يجعلهم أمام خيارين اثنين: إما أن يراجعوا حساباتهم، ويعودوا الى وعيهم ومواقعهم الوطنية، وإما سيحكمون على أنفسهم بالخسارة أكثر، ولا سيما أن كل رهاناتهم باءت بالفشل، ولم يبق لديهم ما يراهنون عليه، سوى انتظار ما لن يأتي أبداً.
ثلاثة تطورات رسمت المشهد الداخلي مؤخراً بتوازناته المستجدة وبآفاقه المحتملة بل والمرجحة: التطور الأول حاكته ريشة البطريرك الراعي في جولته الجنوبية، مكملة بذلك الاطلالة الجديدة لهذا الموقع الديني الرفيع والحساس والمؤثر في بيئته الخاصة والعامة معاً. والتطور الثاني والمتزامن مع التطور الأول برزت قسماته من خلال مشهدية احتفال القوات حضوراً ومشاركة وكلمات، والتطور الثالث، تمثل بالعودة المهمة للقاءات الروحية العالية من خلال القمة التي انعقدت في دار الافتاء، والتي أفرزت نتائج مهمة على صعيد الشكل والمضمون.
هذه التطورات الثلاثة أفضت الى خلاصة سياسية آخذة في التجذر قوامها التالي:
أولاً: هناك رؤيتان تتقاسمان اليوم النظرة الى الأخطار المصيرية التي تتهدد الوجود المسيحي في المشرق عموماً ولبنان تحديداً.
الأولى التي للجنرال عون وتياره حق السبق فيها، والتي رسا عليها الفاتيكان ومعه البطريركية برأسها الحالي، والتي جاءت خلاصة مراجعة وتقويم لأوضاع المسيحيين في المشرق ولبنان، كما جاءت خلاصة متابعة دقيقة للمشاريع الغربية عموماً والاميركية تحديداً، وما تحمله في طياتها من اخطار على كامل المنطقة بكل مكوناتها، ومن ضمنهم المسيحيون بصفتهم أقلية، خلاصة هذه الرؤية تنهض على مجموعة استنتاجات فعلية، هي:
أ ـ أن الاعتبار الأول للغرب عموماً وللولايات المتحدة هو لحماية الكيان الاسرائيلي، ولوضع اليد على ثروات المنطقة لا سيما النفطية منها.
ب ـ لم يعد هناك من مكان للمسيحيين، كما لم يعد هناك من دور أو وظيفة لهم، في المخططات الجديدة، ما دام بالامكان ايلاء هذا الدور لقوى أخرى لها أكثرية طاغية، وأبرز تعبيرات حذف دور وموقع المسيحيين من حسابات الغرب يتمثل في لبنان، حيث تم تجيير الدور التاريخي لما يعرف بالمارونية السياسية، الى ما بات يعرف اليوم بالحريرية السياسية.
ولا شك أن استشعار المسيحيين للخطر في لبنان هو أكثر من أي مكان آخر، لا لأنه لا توجد أخطار كبرى تحيق بالمسيحيين في أماكن أخرى، وإنما لكون لبنان هو البلد الوحيد في العالم العربي الذي كان المسيحيون يحظون فيه بكيان سياسي متقدم، وما زالوا، وإن بتراجع نسبي.
من هنا، فالدفاع عن الموقع والدور في لبنان يرتقي الى مصاف الدفاع عن خط الحماية الأول لحفظ الوجود المسيحي لا كحالة اجتماعية وطائفية فحسب، وإنما كحالة سياسية لها دورها وموقعها.
وهذا بدوره ما يجعل حساسية البطريركية والقوى الحريصة مثلاً على وجود ومصالح المسيحيين في لبنان إزاء ما يخطط له الغرب بالغة بل فائقة الدقة والحراجة، وهو ما يدفعها بالتالي الى البحث عن سبل حماية جديدة لها.
ج ـ ان المشروع والمخطط الغربي عموماً والاميركي ـ الصهيوني تحديداً هو مشروع فتن وحروب أهلية ودينية داخلية، تندرج في سياق تفتيت المنطقة الى دويلات طائفية متحاربة خصوصاً بين المسلمين، وهذا المشروع لا مكان فيه للأقليات المسيحية، بل هو مشروع من شأنه أن يؤدي أن تدفع الأقليات غير الاسلامية عموماً فاتورته، كما جرى في العراق وفي أماكن أخرى.
د ـ ان الخطر الصهيوني على المسيحيين لا يقل عن غيرهم، ويكفي النظر الى حجم ما تبقى من مسيحيين في الأماكن المقدسة وهو حجم لا يتجاوز 2،5% من الوجود المسيحي الفعلي، كما إن عملية تهويد الأراضي والأماكن المقدسة لا تشمل مقدسات المسلمين فقط، وإنما المسيحيين أيضاً، والبعض من المسيحيين يتساءل هنا، اذا ذهبت القدس وبيت لحم والناصرة، فماذا يبقى من المسيحية؟
هذه الرؤية تفرض موضوعياً نوعاً من إعادة تموضع عبّر عنها البطريرك بشعاره المركزي: الشركة والمحبة، الشركة بما هي مشاركة مع الآخرين، والمحبة بما هي أواصر تقارب وتراحم ومودة، الا أن الأهم هنا سياسياً، هو إرادة وصل البطريركية بباقي مكوّنات لبنان الطائفية من موقع مشاركة مصدر الخطر الواحد الذي يتهدد كل اللبنانيين، ولذا لم يُضِر الراعي ان يشهد للمقاومة ولا لشهدائها من ضمن شهادته لكل الشهداء، كما شهادته لصبر الجنوبيين وتضحياتهم.
الأبلغ في شهادة الراعي بالنسبة لفريق الرابع عشر من آذار ومسيحيية تحديداً، هو أن هذه النقلة تعني عملياً فعل تخطئة لهم، ونوعاً من الإزاحة للشرعية الدينية التي كانت تحظاها مواقفهم مع البطريرك السابق، اضافة الى احداث نقلة نوعية في خريطة التوازنات داخل الساحة المسيحية أولاً، والساحة الوطنية عموماً.
أما رؤية جعجع ومسيحيي 14 آذار فما زالت تنهض على التالي:
أ ـ صحيح أن المشروع الغربي ـ الصهيوني هو مشروع تفتيت وحروب دينية وطائفية في المنطقة، إلا أن هذا يجب أن لا يشكل للمسيحيين مدعاة خوف، بل فرصة خصوصاً في لبنان، اذ من شأن الانقسام والصراع بين المسلمين لا سيما الشيعة والسنة ان يضعف الاثنين لمصلحة هذا التوجه، كما من شأنه أن يشكل فرصة لإعادة استنبات مشاريع التقسيم والفيدرالية أو الكونفيدرالية في لبنان.
وهذا يتطلب الانخراط في المشروع العربي بدلاً من مغادرته، لأن البقاء يعني بقاء الدور والوظيفة، وبالتالي، بقاء السند.
ب ـ ان مصلحة المسيحيين كأقلية من الناحية الاستراتيجية هي استمرار تحالفهم الموضوعي مع الصهاينة لا الانخراط في مواقع مواجهة معهم، باعتبارهم أقلية في المنطقة، وباعتبارهم رأس حربة المشروع الاميركي ـ الصهيوني فيها.
ج ـ ان تموضع المسيحيين ضمن المشروع الغربي وشبكة مصالحه يعني حتماً تموضعهم ضمن منظومة الدول الملحقة والدائرة في الفلك الاميركي، ما يوفر مانعاً لأي تصادم مع شعوب هذه الدول.
وبناءً عليه، من الطبيعي أن ينخرط هذا الفريق في معركة لا هوادة فيها ضد سلاح المقاومة وحزب الله، وان يضيف الى لائحة خصومه البطريرك، ويشن عليه هجوماً حاداً، وان ينخرط هذا الفريق أيضاً مع رأس حربة مشروع التوتير الطائفي والمذهبي في لبنان، أي الحريرية السياسية.
فالتحالف موضوعي هنا لأن العدو واحد، والرؤية واحدة ولو الى حين. في هذا الاطار، حاول جعجع توظيف قداس جونية في أكثر من اتجاه:
ـ القول، ان مسيحيي 14 آذار هم على تحالفهم مع المشروع الاميركي في لبنان ممثلاً بالحريرية السياسية، التي حضرت بكل رموزها لتؤكد احتضانها الكامل بدورها لجعجع وأترابه.
ـ استغلال المناسبة للقول بأنه اذا كان الراعي هو بطريركٌ اليوم، فهو بطريرك لبعض المسيحيين وليس كلهم، اذ إن لهم بطريريكهم الخاص وهو البطريرك السابق صفير، بالرغم من أن مشاركة الأخير ما كانت لتتم لولا موافقة الراعي الذي انتدبه ممثلاً له في رسالة منه جامعة.
ـ استغلال المناسبة لكبح تأثيرات مواقف الراعي سواء داخل الساحة المسيحية عموماً لا سيما التي تتأثر بمواقف البطريرك عادة، أم داخل القوات نفسها استناداً الى كونها مؤدلجة دينياً أكثر من سواها، وفي هذا الاطار، ثمة من لاحظ بأن الحضور لم يكن بالمستوى المتوقع شعبياً.
ثانياً: في هذا السياق العام، جاء انعقاد القمة الروحية في دار الافتاء ليعكس التالي:
أ ـ رسالة بالغة الدلالة في توقيتها مضمونها ان الرد الطبيعي والوحيد على مشاريع الفتنة والتوتير الطائفي والمذهبي ومشاريع الحروب المذهبية والتقسيم في المنطقة، لا يكون الا من خلال وحدة القوى والممثليات الدينية المكونة سواء للبنان، أم للمنطقة، وهذه الرسالة بقدر ما هي برسم الخارج هي أيضاً برسم اطراف معروفين في الداخل.
ب ـ التأكيد على ما يوحد اللبنانيين جميعاً من توافقات عامة جرى التعبير عنها باتفاق الطائف، أم من خلال الحوارات المتنوعة، ومن ثم تجاوز كل ما هو موضع خلاف وتنازع داخلي.
ج ـ لم يكن قليلاً الوقفة اللافتة للمجتمعين في موضوع المقاومة وضروراتها، بما يؤكد سعة المظلة الروحية التي تظللها، في مقابل كل الجهود الهادفة الى اشاعة الانقسام من حولها، وهذا الموقف هو برسم ـ أيضاً ـ أصحاب هذه الجهود.
من الواضح، أننا إزاء مشهد سياسي مختلف، يجد فيه أتباع منظومة الاستسلام في المنطقة، وأدوات المشروع الاميركي فيه، أنفسهم محاصرين كل يوم أكثر من الآخر، ما يجعلهم أمام خيارين اثنين: إما أن يراجعوا حساباتهم، ويعودوا الى وعيهم ومواقعهم الوطنية، وإما سيحكمون على أنفسهم بالخسارة أكثر، ولا سيما أن كل رهاناتهم باءت بالفشل، ولم يبق لديهم ما يراهنون عليه، سوى انتظار ما لن يأتي أبداً.