ارشيف من :آراء وتحليلات
هل من مبادرة سعودية لإنهاء الأزمة في سوريا؟
حسين حمية
كان آخر كلام سعودي علني عن الاضطرابات في سوريا، ما قاله الأمير سعود الفيصل في نيويورك في 28 أيلول، وفيه ماشى الغرب بإدانة "العمليات العسكرية الموجهة ضد الشعب الأعزل" والدعوة للإصلاحات، غير أنه لفت إلى ضرورة الحرص على "الأمن والاستقرار في ربوع الوطن العربي والحفاظ على وحدة أوطانه واستقلالها".
قبل أقل من شهرين وفي لحظة اندفاعة دولية جامحة على سوريا، أذيع خطاب نسب للملك عبدالله، دعا فيه إلى وقف إراقة الدماء في سوريا وأعلن سحب سفيره من دمشق للتشاور، لافتاً القيادة السورية إلى أنها أمام خيارين "إما أن تختار الحكمة أو تنجرف للفوضى والضياع".
لقد تم استثمار الخطاب المنسوب للملك من قبل المتربصين بدمشق، وجرى تفسيره، على المستوى السياسي والإعلامي، على أنه تحول كبير في موقف المملكة من القيادة السورية، وسيؤدي إلى تكثيف الضغط الشعبي على الرئيس بشار الأسد وانخراط فئات شعبية جديدة في أعمال الاحتجاج، كما يمهد لرفع الغطاء العربي عن النظام السوري وتشريع أبواب دمشق أمام التدخلات الدولية بما فيها إمكانية الاستعانة بالناتو واستنساخ السيناريو الليبي في دمشق.
ما بعد الخطاب المنسوب للملك، لم يأت موافقاً لهذه التفسيرات، وكانت آخر المظاهر العملية للموقف السعودي هو سحب السفير للتشاور، في حين لم تقدم الرياض على اية خطوة يستشف منها تصعيداً باتجاه دمشق، في حين برز العكس، عندما لم تستجب المملكة لاتخاذ إجراءات ضد الرئيس بشار الأسد من خلال الجامعة العربية.
وهنا من المفيد الإشارة إلى أن عدم وضوح موقف المملكة السعودية من الأحداث في سوريا، مرتبط بالتعقيدات التي تشوب اليوم آلية اتخاذ القرار في الرياض، وهي تعقيدات ناجمة عن التنافس المحموم بين أجنحة العائلة المالكة على خليفة الملك، خصوصاً أن الأخير إضافة إلى سنه المتقدمة يعاني من أوضاع صحية حرجة، في وقت يخضع وريثه المباشر الامير سلطان للعلاج في الولايات المتحدة وهو في حالة ميؤوس منها، وكذلك الأمر بالنسبة للوريث الذي يليه الأمير نايف حيث يعاني من مرض عضال.
الحالة الصحية للملك وللورثة الملكيين عكست نفسها على القرار السعودي، هذا القرار الذي يتراوح بين صيغتي اللاقرار أو القرار ونقيضه، فهناك أكثر من قرار اتخذه الملك، لكن الأمير نايف قام بتعطيلها أو عرقلتها بطرق مواربة، كما هناك إجراءات كثيرة حاول الأمير نايف تنفيذها، عاد الملك وتصدى لها وأوقفها، في حين هناك الكثير من القضايا السياسية لم تتخذ المملكة منها موقفاً حاسماً للأسباب المذكورة.
ليس خفيا، أن هناك تبايناً بين الرياض وواشنطن حيال الحراك الشعبي في المنطقة العربية، وسبب هذا التباين هو التضاد في المصالح بين الطرفين، ففي وقت تحتاج واشنطن إلى استخدام مطالب الشعوب العربية بالإصلاح لإعادة انتاج هيمنتها على المنطقة، تتحسس السعودية من هذه الحاجة الأمريكية خشية أن تطالها موجة الاصلاحات، وهي إصلاحات ستفضي لا محالة إلى تهديد وحدة العائلة المالكة والتلاعب بالتوازنات بين أجنحتها، في وقت تعيش هذه الأجنحة ذروة توترها من التنافس على خليفة الملك عبدالله.
موقف المملكة مما يجري في سوريا، يدخل في سياق هذه التعقيدات، وهذا ما أغرى كلا من تركيا وقطر لترشيح نفسيهما للحلول مكان السعودية في تسويق السياسات الأمريكية والغربية في المنطقة وبالأخص تجاه سوريا، وهذا الإغراء انشدّ إليه كل من الوزيرين داوود أوغلو وحمد بن جاسم، فالجيش التركي رفض الدخول في هذه المغامرة وأبقى على تعاونه مع الجيش السوري، في حين ينتظر أمير قطر حمد بن خليفة أول فرصة للتنصل من سياسات رئيس وزرائه حيال دمشق، وقد تكون التغييرات الإدارية الأخيرة في تلفزيون الجزيرة أحد التعبيرات لاستدعاء هذه الفرصة.
بين الانتظار وبين دور مغامر في الأحداث السورية، انحازت الرياض إلى الخيار الأول، لكن هذا الانتظار لم يكن منطلقاً من فراغ، فهو من جهة وليد تسوية بين أجنحة العائلة المالكة، ومن جهة أخرى حصيلة حسابات سياسية، ساعدت في إبرازه، جهات وازنة في قرار المملكة، كانت تنظر بسخرية إلى استسهال البعض إسقاط النظام السوري، إن بالاحتجاجات الشعبية أو باستخدام العصابات المسلحة أو بالتهويل بالتدخلات العسكرية أو بالعزلة السياسية أو الحصار الاقتصادي.
غير أن الانتظار، لا يترجم حالياً على أنه شلل عن الفعل، فالأمير عبد العزيز بن عبد الله لم تتوقف زياراته لسوريا، وكانت له زيارة منذ أيام إلى دمشق، قابل خلالها الرئيس بشار الأسد، وفي هذه اللحظة التي وصل فيها المتربصون بسوريا إلى حائط مسدود، يجزم أحد السياسيين الذين يترددون إلى دمشق، أن السعودية اليوم وبرضى أميركي بصدد إعلان مبادرة حل من أجل وضع حد للأزمة في سوريا.
كان آخر كلام سعودي علني عن الاضطرابات في سوريا، ما قاله الأمير سعود الفيصل في نيويورك في 28 أيلول، وفيه ماشى الغرب بإدانة "العمليات العسكرية الموجهة ضد الشعب الأعزل" والدعوة للإصلاحات، غير أنه لفت إلى ضرورة الحرص على "الأمن والاستقرار في ربوع الوطن العربي والحفاظ على وحدة أوطانه واستقلالها".
قبل أقل من شهرين وفي لحظة اندفاعة دولية جامحة على سوريا، أذيع خطاب نسب للملك عبدالله، دعا فيه إلى وقف إراقة الدماء في سوريا وأعلن سحب سفيره من دمشق للتشاور، لافتاً القيادة السورية إلى أنها أمام خيارين "إما أن تختار الحكمة أو تنجرف للفوضى والضياع".
لقد تم استثمار الخطاب المنسوب للملك من قبل المتربصين بدمشق، وجرى تفسيره، على المستوى السياسي والإعلامي، على أنه تحول كبير في موقف المملكة من القيادة السورية، وسيؤدي إلى تكثيف الضغط الشعبي على الرئيس بشار الأسد وانخراط فئات شعبية جديدة في أعمال الاحتجاج، كما يمهد لرفع الغطاء العربي عن النظام السوري وتشريع أبواب دمشق أمام التدخلات الدولية بما فيها إمكانية الاستعانة بالناتو واستنساخ السيناريو الليبي في دمشق.
ما بعد الخطاب المنسوب للملك، لم يأت موافقاً لهذه التفسيرات، وكانت آخر المظاهر العملية للموقف السعودي هو سحب السفير للتشاور، في حين لم تقدم الرياض على اية خطوة يستشف منها تصعيداً باتجاه دمشق، في حين برز العكس، عندما لم تستجب المملكة لاتخاذ إجراءات ضد الرئيس بشار الأسد من خلال الجامعة العربية.
وهنا من المفيد الإشارة إلى أن عدم وضوح موقف المملكة السعودية من الأحداث في سوريا، مرتبط بالتعقيدات التي تشوب اليوم آلية اتخاذ القرار في الرياض، وهي تعقيدات ناجمة عن التنافس المحموم بين أجنحة العائلة المالكة على خليفة الملك، خصوصاً أن الأخير إضافة إلى سنه المتقدمة يعاني من أوضاع صحية حرجة، في وقت يخضع وريثه المباشر الامير سلطان للعلاج في الولايات المتحدة وهو في حالة ميؤوس منها، وكذلك الأمر بالنسبة للوريث الذي يليه الأمير نايف حيث يعاني من مرض عضال.
الحالة الصحية للملك وللورثة الملكيين عكست نفسها على القرار السعودي، هذا القرار الذي يتراوح بين صيغتي اللاقرار أو القرار ونقيضه، فهناك أكثر من قرار اتخذه الملك، لكن الأمير نايف قام بتعطيلها أو عرقلتها بطرق مواربة، كما هناك إجراءات كثيرة حاول الأمير نايف تنفيذها، عاد الملك وتصدى لها وأوقفها، في حين هناك الكثير من القضايا السياسية لم تتخذ المملكة منها موقفاً حاسماً للأسباب المذكورة.
ليس خفيا، أن هناك تبايناً بين الرياض وواشنطن حيال الحراك الشعبي في المنطقة العربية، وسبب هذا التباين هو التضاد في المصالح بين الطرفين، ففي وقت تحتاج واشنطن إلى استخدام مطالب الشعوب العربية بالإصلاح لإعادة انتاج هيمنتها على المنطقة، تتحسس السعودية من هذه الحاجة الأمريكية خشية أن تطالها موجة الاصلاحات، وهي إصلاحات ستفضي لا محالة إلى تهديد وحدة العائلة المالكة والتلاعب بالتوازنات بين أجنحتها، في وقت تعيش هذه الأجنحة ذروة توترها من التنافس على خليفة الملك عبدالله.
موقف المملكة مما يجري في سوريا، يدخل في سياق هذه التعقيدات، وهذا ما أغرى كلا من تركيا وقطر لترشيح نفسيهما للحلول مكان السعودية في تسويق السياسات الأمريكية والغربية في المنطقة وبالأخص تجاه سوريا، وهذا الإغراء انشدّ إليه كل من الوزيرين داوود أوغلو وحمد بن جاسم، فالجيش التركي رفض الدخول في هذه المغامرة وأبقى على تعاونه مع الجيش السوري، في حين ينتظر أمير قطر حمد بن خليفة أول فرصة للتنصل من سياسات رئيس وزرائه حيال دمشق، وقد تكون التغييرات الإدارية الأخيرة في تلفزيون الجزيرة أحد التعبيرات لاستدعاء هذه الفرصة.
بين الانتظار وبين دور مغامر في الأحداث السورية، انحازت الرياض إلى الخيار الأول، لكن هذا الانتظار لم يكن منطلقاً من فراغ، فهو من جهة وليد تسوية بين أجنحة العائلة المالكة، ومن جهة أخرى حصيلة حسابات سياسية، ساعدت في إبرازه، جهات وازنة في قرار المملكة، كانت تنظر بسخرية إلى استسهال البعض إسقاط النظام السوري، إن بالاحتجاجات الشعبية أو باستخدام العصابات المسلحة أو بالتهويل بالتدخلات العسكرية أو بالعزلة السياسية أو الحصار الاقتصادي.
غير أن الانتظار، لا يترجم حالياً على أنه شلل عن الفعل، فالأمير عبد العزيز بن عبد الله لم تتوقف زياراته لسوريا، وكانت له زيارة منذ أيام إلى دمشق، قابل خلالها الرئيس بشار الأسد، وفي هذه اللحظة التي وصل فيها المتربصون بسوريا إلى حائط مسدود، يجزم أحد السياسيين الذين يترددون إلى دمشق، أن السعودية اليوم وبرضى أميركي بصدد إعلان مبادرة حل من أجل وضع حد للأزمة في سوريا.