ارشيف من :آراء وتحليلات

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة
صوفيا ـ جورج حداد*

لم يعد الأميركيون العاديون يطيقون الاستمرار في الصمت، وقد خرجت مؤخرا مظاهرات المحتجين على تفاقم الأزمة الاقتصادية تحت شعار "احتلوا وول ستريت" ـ شارع المال والبورصة في نيويورك، ويعتبر رمز الرأسمالية الاميركية والعالمية ـ وقامت شرطة نيويورك باعتقال حوالى 700 من المتظاهرين في المدينة ضد النظام المالي في الولايات المتحدة. وقد جرت تظاهرات واجتماعات جماهيرية مماثلة في العديد من المدن الاميركية الاخرى. وكان ذلك اكبر احتجاج جماهيري حتى الآن تقوم به حركة "احتلوا وول ستريت"، التي بدأت منذ اسبوعين تنظم المظاهرات ضد سيادة الشركات الكبرى واللامساواة الاجتماعية في الولايات المتحدة.

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

وفي نيويورك عبرت مظاهرة الاحتجاج فوق جسر بروكلين. وقد تجاوز قسم من المتظاهرين معبر المشاة الأمر الذي ادى الى عرقلة السير لبضع ساعات على أشهر جسر في نيويورك. وتدخلت الشرطة وشرعت في اعتقال المتظاهرين. ونقلت وكالة رويترز عن شهود عيان ان الجسر الأشهر في نيويورك كان يعج ببحر من رجال الشرطة الذين كانوا يطوقون المتظاهرين مستخدمين شبكات برتقالية اللون.

وأعلن عدة ناطقين باسم الشرطة انه تمت دعوة المتظاهرين مرات عديدة لاخلاء طريق السيارات، والالتزام بمعبر المشاة، ولكن الكثيرين لم يخضعوا للنداءات، فبدأت الاعتقالات. وقال شاهد عيان ان المتظاهرين حاولوا تجنب الشبكات والفرار ولكن الشرطة طوقتهم وبدأت الاعتقالات ووصلت الحافلات التي بدأت بنقل المعتقلين. وفيما بعد اطلق سراح غالبية المعتقلين بعد ان صدرت بحقهم استدعاءات قضائية بتهمة الاخلال بالنظام العام، كما وجهت الى بعضهم تهمة الاعتداء على رجال الشرطة.

وكان المتظاهرون قد عبروا عن الاحتجاج على البطالة المتزايدة، والمظالم الاجتماعية، والوضع المهيمن للشركات الكبرى. وطالبوا بزيادة الضرائب على الاغنياء. "هذا هو الفساد. هذا هو الشر. ان الثروة تسيطر على العقول. وهذه الثروة ليست حقيقية". هذه هي بعض الشعارات التي كان يهتف بها المحتجون. وحركة الاحتجاج، التي بدأت منذ اسبوعين كتعبير صغير عن الاستياء في نيويورك، قد تحولت الآن الى حركة وطنية واسعة ضد جشع الشركات الكبرى. وخرج ألوف المتظاهرين الى الشوارع في العديد من المدن الاميركية. وتقول وكالة الصحافة الفرنسية ان ما لا يقل عن 3000 شخص شاركوا في مظاهرة الاحتجاج ضد النظام في مدينة بوسطن، في ولاية ماساشوزيتس. وسارت المظاهرة امام مكاتب "بنك اوف اميركا". وتم اعتقال 24 شخصا هناك. وجرت مظاهرات مماثلة في شيكاغو وسان فرنسيسكو. وأقام نشطاء حركة "احتلوا وول ستريت" مخيما في حديقة زوكوتي في وسط مانهاتن وتعهدوا بالبقاء طوال الشتاء هناك تعبيرا عن الاحتجاج ضد مجمل الوضعية السياسية والاقتصادية. وحتى الآن لا يوجد قائد معروف ولا برنامج واضح لهذه الحركة العفوية، ولكن رسائلها تستقطب المزيد من المؤيدين وتجد صداها في جميع ارجاء اميركا. وينام المتظاهرون على فرشات منفوخة بالهواء. ويستخدمون دوش مطعم مكدونالدز الموجود قرب المخيم المرتجل. ويقوم المحتجون بشكل دوري بمسيرات امام البورصة في شارع "وول ستريت". وهم يهتفون " اجمعوا الضرائب من الاغنياء" و"قدموا الاموال للضمان الصحي، وليس لاغنياء الشركات الكبرى" و"لا للجشع العام للبنوك". وفي احدى هذه المسيرات اعتقلت الشرطة ثمانين شخصا.

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

ويقول بعض ممثلي الحركة الاحتجاجية في الموقع الخاص بها على الانترنت "نحن رجالا ونساءً، من جميع الاجناس وجميع الاديان. نحن نمثل الاكثرية. نحن نمثل 99% من السكان. ونحن لا نريد ان نسكت بعد الان".

واوردت جميع وكالات الانباء ان حركة "احتلوا وول ستريت" تنظم حملتها الاحتجاجية منذ اسبوعين ضد هيمنة الشركات الكبرى، والفساد، واللامساواة الاجتماعية، والعلاقات الظالمة مع الاقليات، بما في ذلك الاقليات الاسلامية، واخيرا لا اخرا ضد البطالة المرتفعة التي زادت على نسبة 9%. ويقول بعض المعلقين ان هذه الحركة الاحتجاجية انما تتم بتأثير حركة الاحتجاج الشعبية في البلدان العربية. ونظرا لعدم وجود قيادات محددة لها، فإنه من الممكن ان تحصل على المساندة والدعم تنظيميا وماليا من النقابات.

وفي محاولة شعبوية جديدة للحصول على اعجاب الناخبين، سوف يقترح الرئيس باراك اوباما ما يسمى "ضريبة بوفيت" التي ستوضع على الاشخاص ذوي الدخل السنوي الذي يتجاوز 1 مليون دولار، كما نشرت وكالة رويترز. وسيكون هذا الاقتراح جزءا من المشروع الذي سيتقدم به قريبا اوباما، والذي يتضمن اتخاذ اجراءات لاجل تقليص عجز الميزانية بمقدار 3 تريليونات دولار خلال السنوات العشر القادمة.

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

وقد سميت "ضريبة بوفيت" على اسم الملياردير وورن بوفيت، وهي تعمل كبديل ادنى للضريبة على الاشخاص الذين يربحون اكثر من 1 مليون دولار سنويا، بهدف التأكد من انهم يدفعون ضرائب بمقدار ما يدفع الاشخاص ذوو الدخل المتوسط، حسبما اوضح مدير الاتصالات في البيت الابيض دان بفايفر.

وتلاحظ وكالة رويترز ان مثل هذا الاقتراح يمكن ان يلاقي التأييد من قبل ناخبي الحزب الديمقراطي قبل انتخابات 2012، ولكنه بالكاد يمكن ان يؤدي الى زيادة مداخيل الخزينة.

وكان الملياردير وورن بوفيت قد كتب منذ فترة وجيزة ان الثغرات الموجودة في قانون الضرائب تسمح غالبا للاغنياء من امثاله ان يدفعوا ضرائب اقل مما يدفعه الموظفون لديه.

ويتوقع ان يتضمن مشروع اوباما اقتراح اجراءات من شأنها زيادة المداخيل الضريبية، وتقليص النفقات الحكومية. وتتضمن الاجراءات القيام باصلاحات في الضمان الصحي وفي البرامج الصحية الخاصة بالمسنين وبالاميركيين الفقراء.

ويذكر انه في الاشهر الاخيرة انخفض معدل الثقة بأوباما بسبب المشكلات الاقتصادية، ولهذا فهو يعتمد الان على المشروع الجديد، من اجل الرد على انتقادات الجمهوريين.
أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

ولكن الكونغرس يمكن ان يرفض اقتراحات اوباما. لان الجمهوريين، الذين يسيطرون على مجلس النواب، اعلنوا انهم لن يوافقوا على رفع الضرائب. واصرار اوباما على رفع الضرائب، الامر الذي ليس له حظوظ كبيرة للموافقة عليه من قبل الكونغرس، يمكن ان يساعد الرئيس على اتهام المشترعين بأنهم لم يوافقوا على مشاريعه. ومثل هذا الموقف يمكن ان يجد تفهما له، لانه في الوقت الحاضر فإن الثقة بالكونغرس هي منخفضة بشكل قياسي.

ولكن في الوقت نفسه فإن اوباما مضطر لان يستعرض قدراته القيادية في فترة مرحلة حرجة لأميركا، بعد ان عمدت وكالة التصنيف "ستاندرت اند باورز" الى انزال اميركا من المرتبة الاولى في السمعة، كما ان اصحاب التوظيفات يتابعون بانتباه: هل واشنطن هي في وضع يسمح لها بتخفيض العجز الضخم لميزانيتها والزيادة الهائلة لدينها العام.

وقد تشكلت في الكونغرس لجنة عليا مؤلفة من ستة ديمقراطيين وستة جمهوريين، مهمتها ايجاد السبل لتخفيض 1.2 تريليون دولار على الاقل في عجز الميزانية حتى نهاية هذه السنة، حتى يمكن تجنب القيام بفرض قيود اوتوماتيكية مؤلمة. وتمتلك اللجنة التفويض لاجراء تخفيضات بمقدار 1.5 تريليون دولار.

أميركا تترنح وأوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية الأزمة

وستكون هذه التخفيضات بمثابة استكمال لتخفيض العجز بمقدار 917 مليار دولار التي اتفق عليها في شهر آب من السنة الجارية، بهدف رفع سقف الدين العام لاميركا. ولكن اوباما يريد تخفيضات اضافية ايضا.

وعدا ذلك فإن الرئيس اقترح مؤخراً على اللجنة ان تبحث مشروعا لتشجيع التوظيف والنمو. وقد دعا مرارا رجال الكونغرس لسد "الثغرات" الضرائبية امام "المليونيرية والمليارديرية"، مميزا بحدة بين سياسته وسياسة الجمهوريين قبل الانتخابات في السنة القادمة.

وما يسمى "ضريبة بوفيت" من شأنها ان تحفّز القاعدة الانتخابية لاوباما، عن طريق تركيز الاهتمام على التشريع الضرائبي، في الوقت الذي يبدو فيه مستوى فرض الضرائب على الاغنياء اقل بكثير من الضرائب المفروضة على الاميركيين الاقل غنى، اذ ان القسم الاكبر من مداخيل الاغنياء يتأتى من التوظيفات، التي تفرض عليها ضريبة بنسبة 15 %، في حين ان الضرائب على المداخيل تتراوح بين 10% و35%.
ـــــــــ
* كاتب لبناني مستقل

2011-10-06