ارشيف من :آراء وتحليلات

مشروع تركيا الإستراتيجي يفشل في سوريا.. وأردوغان ينتهك القانون الدولي بالتدخل في شؤونها

مشروع تركيا الإستراتيجي يفشل في سوريا.. وأردوغان ينتهك القانون الدولي بالتدخل في شؤونها
علي مطر

لطالما اعُتبرت تركيا من الدول المقربة من سوريا، ولطالما كان الغزل التركي تجاه الدولة السورية متواصلاً فيما مضى، خاصةً بعد عام 1998 حيث بدأت العلاقة تتنامى بعد توقيع اتفاقية ثقافية بين البلدين، لتستمر العلاقات بالتطور إلى حين الإحتلال الأميركي للعراق في آذار/ مارس 2003 وتحديداً مع وصول رجب طيب مشروع تركيا الإستراتيجي يفشل في سوريا.. وأردوغان ينتهك القانون الدولي بالتدخل في شؤونهاأردوغان إلى رئاسة الحكومة التركية. حيث بدأت مرحلة جديدة من العلاقات تقوم على التعاون الإستراتيجي إقتصادياً وسياسياً بين البلدين. كانت الحكومة التركية تدرك أن مفتاح حل القضية الكردية والتوصل إلى حل بشأن حزب العمال الكردستاني ينطلق من سوريا، وهي كانت تخشى أن يؤدي تفاعل الأزمة الكردية إلى الإضرار بمصالحها القومية.

فبين تركيا وسوريا حدودٌ طويلة وحساسة جداً تصل إلى ما يقارب الـ900 كلم وعليه، تشكّل سوريا "عمقاً استراتيجياً" لا يُستهان به بالنسبة لتركيا، يتوزع على جانبيه الأكراد. وبالتالي لو حصل التقارب الكردي على الطرفين إلى حد التكامل في كل شيء، أو إذا حصل أي تقدم في حل القضية الكردية في سوريا، فلا شك أن في ذلك تأثيرا مباشرا على القضية الكردية في تركيا.

لهذه الأسباب يعمل أردوغان وحكومته كل ما بوسعهم لمنع حصول ذلك، حتى لو استدعى الأمر التدخل عسكرياً ضد الأكراد.

ولكن السؤال الذي تطرح أثارته الريبة يكمن في سبب تغير الموقف التركي إزاء الدولة السورية، حيث باتت تركيا تتدخل بكل شؤون سوريا الداخلية وبكل تفصيل سوري. وهي تعمل على تقوية الأحداث السورية والعمل ضد النظام السوري لإسقاطه، وذلك لا يخفى على أحد، لأن تركيا تعمل بشكل ظاهر وعلى الملأ ضد النظام السوري، وتحرض عليه. وهي تستضيف المؤتمرات المعارضة لذلك النظام، بما يشكل تدخلاً سافراً لا تقبله القواعد القانونية الدولية. كما نرى تصريحات القادة الأتراك، وعلى رأسهم رئيس الحكومة أردوغان، الذي يملك اليد الطولى في التحريض على النظام السوري.

 إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، هو من صلب مقاصد الأمم المتحدة

ففي خطاب له ادعى أردوغان أن "سوريا ستكون المحطة التالية في ثورات الربيع العربي"، معربا عن أمله في أن "يتم فتح الطريق إلى التحول في سوريا من خلال الاصلاحات". وفي خطاب آخر قال رئيس الوزراء التركي من نيويورك إن بلاده علقت المحادثات مع سورية وإنها قد تفرض عقوبات على دمشق. وزعم أن الرئيس السورى بشار الأسد لم يتخذ الإجراءات اللازمة لوقف القتل ضد الشعب السورى المسالم، بل ويحاول إسكات المطالب الشعبية السلمية من خلال ممارسة الضغوط عليهم". أما الرئيس التركي عبدالله غول، فقد كان أكثر وضوحاً من أردوغان بقوله، إن "تركيا مستعدة لكلّ السيناريوهات إزاء الوضع في سوريا، سواء كانت مدنيةً أو عسكرية".

بالإضافة إلى ذلك، فقد انتقد وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو فشل مجلس الامن الدولي في إصدار قرار يدين قمع المتظاهرين في سوريا، معتبراً الإنقسام حيال هذه المسألة ليس من صالح المجتمع الدولي. وهذا ما يعتبر غيضا من فيض التصريحات والخطوات التي تبين التدخل التركي بسوريا، ناهيك عن استضافة مؤتمرات المعارضة بالإضافة إلى تشكيل ما يسمى "بالمجلس الوطني السوري". كما وتتداول أوساط مطلعة في العاصمة السورية دمشق خبر "خطة أميركية لتدخل عسكري محدود للجيش التركي على الحدود بين تركيا وسورية، وبالتحديد في محافظة إدلب ومناطقها الحدودية".

وهذا ما يعتبر محرماً وممنوعاً في القانون الدولي والمواثيق الدولية والأعراف الدولية، وهو ما يحرمه ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المواثيق العديدة التي نشير إليها، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة عام 1948 في مادته الثانية الفقرة السابعة منه والتي نصت على انه " ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع" وكذلك المنظمات الإقليمية كميثاق جامعة الدول العربية الذي جاء في المادة الثامنة منه أن "تحترم كل دولة من الدول المشاركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدولة وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها".


تعرف السيادة بأنها عدم خضوع الدولة لأي سلطة أجنبية، وأن تمارس صلاحياتها الدولية بصورة مطلقة وشاملة.

وأكدت اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول حيث نصت على أنه" ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى". وتوصية الجمعية العامة رقم 2131 بتاريخ 21/12/1965 المعنونة بإعلان عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحماية استقلالها وسيادتها قد أكدت على تحريم كل أشكال التدخل، والامتناع عن السماح أو مساعدة أو تمويل كافة النشاطات المسلحة والإرهابية لتغيير الحكم في دولة أخرى، والمؤكد عليها عبر القرار الصادر عن الجمعية العامة أيضاً 1981، وهذا ما يثبت إلزاميته في القانون الدولي.

وجاء في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول الصادر بمقتضى التوصية 2625 بتاريخ 24 تشرين الاول/ أكتوبر 1970 الصادر عن الجمعية العامة، أنه "ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. ونتيجة لذلك اعتبار ليس فقط التدخل العسكري، بل أيضا كل أنواع التدخل أو التهديد الموجه ضد مكوناتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية مخالفا للقانون الدولي".

ونشير إلى اتفاقيات هلسنكي 1975 التي أكدت في سلة موادها الأولى على مبدأ عدم التدخل. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي أكدت على هذا المبدأ وجرمت الدول المعتدية على نظيرتها، والتي نذكر منها كلاً من الحالات التالية:

1ـ الحالة بين الدانمارك والنروج.

 الفقيه القانوني "Hollander Graven" "القانون الدولي هو مجموعة من القواعد القانونية المعترف بها في العلاقات الدولية والتي يكون الغرض منها حماية النظام الاجتماعي الدولي، ومعاقبة من يقوم بأفعال تتضمن اعتداء عليه".

2ـ الحالة في ممر كورفو بين بريطانيا وألبانيا.                                              

3ـ الحالة بين الولايات المتحدة الأميركية ونيكارغوا.

إن تركيا تضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط. فهي لا تقيم أي وزن للقانون الدولي، ولا لميثاق الأمم المتحدة، وأردوغان لم ينظر للبحرين الذي كان بإمكانه أن يثبت أنه فعلاً مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، عبر رفع صوته ضد النظام البحريني الذي يقوم بأفعال الإبادة والقتل والقمع ضد شعب البحرين.                                          

لكن الفشل التركي في كسب المعركة في إسقاط النظام السوري، حال بالقادة الأتراك، إلى تصعيد الموقف وجعل تركيا تهرب إلى الأمام لتختبئ من الفشل الإستراتيجي الذريع الذي لحق بسياستها الخارجية.

وعليه فإن تركيا بسياستها الغامضة استعاضت عن وقفة قومية حقيقية في الوطن العربي، بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة في سوريا، وهذا ما أفقدها صورتها الوطنية والقومية في مواقفها تجاه الأخيرة.
2011-10-07