ارشيف من :آراء وتحليلات

طرابلس الغرب وبغداد الشرق!

طرابلس الغرب وبغداد الشرق!
بغداد ـ عادل الجبوري
على الرغم من أنها كانت سريعة وخاطفة، إلا أنها انطوت على دلالات ومؤشرات مهمة للغاية... تلك هي زيارة عضو المجلس الوطني الانتقالي الليبي محمود جبريل إلى العاصمة العراقية بغداد قبل أيام قلائل.

ما بين انتصار الثورة الليبية بانهيار نظام القذافي وزيارة جبريل لبغداد خمسة أسابيع فقط. وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة ربما لم يزر جبريل أو أي من قيادات المجلس الوطني الانتقالي الليبي سوى الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً نيويورك، للمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.

ما حصل في ليبيا قبل أشهر أو أسابيع قليلة، حصل في العراق قبل أكثر من ثمانية أعوام برغم اختلاف الظروف والأحوال في بعض الجوانب، بيد أن أوجه التشابه أكثر من أوجه الاختلاف، ولعل هذا ما دفع القيادات الليبية الجديدة للتطلع نحو بغداد أكثر من أية عاصمة أخرى. وكان رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل قد أعلن بعد انهيار نظام القذافي مباشرة، انه ينوي زيارة بغداد للوقوف على التجربة العراقية الديمقراطية عن كثب والاستفادة منها، من زاوية تشخيص نقاط القوة والضعف، لاستثمار الاولى وتلافي الثانية.

لا يمكن لأحد ان يدّعي ان التجربة العراقية تجربة نموذجية ومثالية، بل إن فيها قدراً غير قليل من الخلل والضعف والارتباك المرتبط بجملة عوامل داخلية وخارجية. ومن أبرز العوامل الداخلية، التركة الثقيلة التي خلفها نظام حزب البعث السابق الذي حكم البلاد بالحديد والنار طيلة ثلاثة عقود ونصف من الزمن، وإن لم يكن العراق قد عاد الى الوراء خلالها، فإنه لم يتقدّم الى الأمام.

ومن أبرز العوامل الخارجية هيمنة القوى الخارجية على مقدَّراته، وبالدرجة الأساس الولايات المتحدة الاميركية. وهذه الهيمنة لم تبدأ بعد سقوط نظام حزب البعث في التاسع من نيسان/ ابريل 2003، وانما تعود الى عهود سابقة، بيد أنها بعد ذلك التاريخ اتخذت أشكالاً ومظاهر أخرى أكثر وضوحاً وأشد عنجهية وصلافة، وكان لكثير من المتغيرات والتحولات في الساحة العالمية خلال العقدين الماضيين أثر كبير في ذلك.

ولكن الامر المهم للغاية في التجربة العراقية، انها كسرت بعضاً من الحواجز النفسية في العالم العربي، وفتحت الأبواب ومهدت السبل للتأسيس لأرضيات ومناخات الرفض النخبوي والجماهيري للأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية العربية. وما يقوله بعض السياسيين والمثقفين والمفكرين العرب والعراقيين من أن بذور الربيع العربي نثرت في الأرض العراقية قبل عدة أعوام لتمتد جذورها بعد أن نمت وترعرعت الى أراض عربية اخرى، قول صحيح ويلامس الواقع الى حد كبير، من دون أن يعني ذلك التغاضي أو التغافل عن الإشكاليات والسلبيات القائمة التي لا يمكن للتجربة ان تستقيم وتنجح اذا لم يتم التوصل الى معالجات وحلول عملية وواقعية لها.

تختلف ظروف وتفاصيل المشهد الليبي العام عن المشهد العراقي في عدة جوانب، من بينها التركيبة العرقية والاثنية والقومية والدينية، والخارطة السياسية، وحتى المنظومة الثقافية الى حد ما، ولكن هناك اوجه تشابه تجعل من المقاربات فيما بين الاثنين أمراً مهماً ومفيداً، وخصوصاً لأصحاب التجربة الجديدة، وهذا ما أكده رموز وقيادات الثورة الليبية بوضوح.

لم يختلف معمر القذافي عن صدام حسين الا بجوانب قليلة جداً، ولعل المنهج السياسي لإدارة الدولة والمجتمع في بغداد وطرابلس كان واحداً. واللافت ان القذافي استحوذ على السلطة في ليبيا بعد أكثر من عام بقليل من استحواذ صدام ورفاقه البعثيين على السلطة في العراق. وبعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وجد القذافي ان نظام بغداد هو الأقرب اليه من باقي الانظمة العربية.

لذلك فإنه من الطبيعي والمنطقي ان تكون آثار ونتائج وتبعات كلا المنهجين متشابهة ـ ان لم تكن متطابقة ـ والمؤشرات الأولية تذهب الى أن المشهد الليبي سوف يشهد احداثاً ووقائع كتلك التي حفل بها المشهد العراقي طيلة الأعوام الثمانية المنصرمة. ويبدو ان أصحاب الشأن السياسي في طرابلس استشرفوا آفاق مستقبل بلادهم والتحديات والمصاعب التي ستواجهها على الصعيد السياسي والامني والاجتماعي والاقتصادي.

التنافس السياسي على السلطة، وإعادة بناء المؤسسات الامنية والعسكرية وتطهيرها من عناصر النظام السابق، وإعادة تأهيل البنى التحتية، وإنعاش الاقتصاد ومواجهة "الاجندات" الخارجية وكيفية التصدي لها، وترسيخ السلم والتعايش الاهلي، وغيرها، كلها مسائل مهمة وحيوية، ولا يمكن لأية سلطة سياسية أن تتجاهلها او تتنصل منها، ومثلما واجهها ـ وما زال يواجهها ـ العراقيون، فإن الامر لن يختلف عن الليبيين، وإن اختلف فبحدود قليلة جداً.

استحقاقات وتبعات ما بعد الديكتاتورية والاستبداد لا تختلف كثيراً من هذا البلد الى ذاك، لا سيما اذا كانت هناك قواسم مشتركة في إطار التاريخ والثقافة والحضارة والبنى الاجتماعية. وطرابلس الغرب ليست بعيدة كثيرا عن بغداد الشرق!.


2011-10-09