ارشيف من :آراء وتحليلات

واشنطن وتلفيقة اغتيال السفير السعودي: "عليَّ وعلى أصدقائي يا رب".

 واشنطن وتلفيقة اغتيال السفير السعودي: "عليَّ وعلى أصدقائي يا رب".
عقيل الشيخ حسين

اغتيال وزير أو سفير هنا، أو رئيس أو ملك هناك، لا يغير شيئاً في الموازين بين القوى المتصارعة، اللهم إلا في حالات نادرة، كأن يكون المستهدف فارساً من النوع الذي يقوم بألف فارس، كما كان يقال عندما كانت أسلحة الحروب قسياً ورماحاً وسيوفاً؛ أو يكون قائداً فذاً بعبقرية أو حكمة أو دهاء لا يحوزه غيره من أبناء أمته.

ولقد شهدنا في التاريخ القديم والحديث اغتيالات لقادة كبار لم ينتطح فيهما عنزان، كما كانت تقول العرب. كاغتيال أنور السادات الذي لم يغير شيئاً في سياسات مصر ما بعد عبد الناصر غير الإيغال قدماً في تعزيز العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفي البطش بالشعب المصري ومقدراته.

أو كاغتيال جون كنيدي الذي طمست بشأنه التحقيقات ولم يصرف الأميركيين عن أدنى اهتماماتهم اليومية رغم كل ما يفوح به اغتياله من روائح المؤامرة. أو كاغتيال قادة سياسيين او عسكريين كبار في بدايات العصر الإسلامي ممن لا تزال مآثرهم وبطولاتهم تتردد على الألسنة حتى اليوم من دون أن يكلف أحد نفسه عناء البحث عن ظروف اغتيالهم التي تمر عليها كتب التاريخ على عجل، أو تشير إلى بعض وقائعها على سبيل الفكاهة.

ولكن يحدث للكثير من الاغتيالات، ومنها ما يحفل به تاريخ العصر الإسلامي الأول، أن تكون فاتحة لفتن وحروب تبدأ ولا تنتهي. كما في حالة اغتيال يوليوس قيصر أو ولي عهد النمسا الذي فجر اغتياله الحرب العالمية الأولى، أو كاغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي دخل معه لبنان، في نفق بالغ الظلام، والذي تطايرت تداعياته لتمس كامل المنطقة ولتكون مبرراً لأشكال من التدويل أدناها المحكمة الدولية.

هذه المقدمة طويلة بعض الشيء لكنها ضرورية لمقاربة ما يمكن اعتباره، على كثرة الإثارات، أهم إثارة يشهدها تاريخ اليومين الماضيين. عناوين الصحف ونشرات الأخبار المتلفزة وغير المتلفزة تحدثت عن تصاعد حدة المواجهة بين واشنطن وطهران، بسبب مخطط إيراني يهدد السلم والأمن والاستقرار في العالم. وهذا المخطط استدعى تصريحات وخطباً تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور من عدد كبير من زعماء العالم ومسؤوليه.

من الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونائبه جو بايدن، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ومندوبته في الأمم المتحدة سوزان رايس، وكبار مسؤولي البنتاغون، ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إيلينا روس لتينن، إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، والأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية وسفير السعودية في واشنطن سابقاً، مروراً بكاثرين آشتون الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والكثير غيرها من المسؤولين الأوروبيين...

كل أولئك أدانوا واستنكروا وأبرقوا وأرعدوا على إيران، ومنهم من قال، كساكن البيت الأبيض، بأن "جميع الخيارات" مطروحة في التعاطي مع الأزمة الجديدة الناشئة مع إيران. واتصال هاتفي أجراه أوباما حول الموضوع مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، واتصالات يجريها الأميركيون مع "الأصدقاء والحلفاء في شتى أنحاء العالم"، ومشاورات مكثفة في مجلس الأمن.

ما الذي حدث فعلاً؟ يجد السامع أو القارئ مشقة حقيقية في معرفة ما حدث وسط هذا الجو الذي تعصف فيه تصريحات الاستنكار والتنديد والتهديد. ثم يتبين أن ما حدث ليس اغتيالاً للسفير السعودي في واشنطن، وليس حتى محاولة اغتيال فاشلة. كل ما هنالك هو "مخطط" لاغتياله تديره وترعاه إيران بعلم من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية ومن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري. مع الإشارة الى أن رئيس الجمهورية أحمدي نجاد ووزير الاستخبارات لم يكونا على علم بالمخطط.

أما "شبكة" الاغتيال فمكونة من شخص إيراني يحمل الجنسية الأميركية (كذا). وهذا الشخص كلف من قبل أحد أعضاء فيلق القدس بتنفيذ المهمة، فما كان منه إلا أن اتصل برجل عصابات مكسيكي لقاء دفعة أولى من مئة ألف دولار. لكن صادف أن المكسيكي، رجل العصابات/ المخبر، كان من العفة على درجة عالية بحيث زهد بهذه الدفعة الأولى من الدولارات التي يسيل لها لعاب الكثير والكثير من الأميركيين في ظل ثقافة حفنة الدولارات الهوليودية الشهيرة!.

باختصار شديد، يمكن القول، طالما ذكرنا هوليود، أن واضع هذا السيناريو لم يتقاض أكثر من حفنة دولارات على عمله الإبداعي الركيك جداً: بعض خيوط المخطط تستند إلى التحليل لا إلى أدلة محددة، على ما اعترف به المحققون الأميركيون.

ومنتهى القول إن ما بين إيران والولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها وأذنابها هو أكبر بكثير من المهاترات أو حتى من مجرد السعي إلى اغتيال سفير أو رئيس أو ملك. وهنالك الكثير والكثير من نقاط الاحتكاك المتشنج بين المعسكرين أقلها ـ في ظل الإندحار الأميركي المعمم على جميع الجبهات، وفي ظل ترنح العروش الكبيرة والصغيرة بفعل المواجهات التي فتحتها الثورات العربية ـ أن الأوضاع في اليمن والبحرين والإحساء وغيرها تتطور في غير الاتجاه الذي يريده المعسكر الأميركي.

وإذا كان الأميركيون العاجزون عن لملمة جراحاتهم العسكرية والاقتصادية يحاولون عبر هذا السيناريو وغيره تسعير الأجواء في منطقة الخليج لدفع الخليجيين إلى مواجهة مع إيران الحريصة على بناء أفضل العلاقات مع جيرانها، فإنهم يعلمون أكثر من غيرهم بأن اليأس هو ما يجعلهم يعتمدون سياسة "عليَّ وعلى أصدقائي يا رب!".
2011-10-15