ارشيف من :آراء وتحليلات

طبول حروب لن تقع: الحرب الاسرائيلية الثالثة مكلفة وحرب الخليج الرابعة مدمرة

طبول حروب لن تقع: الحرب الاسرائيلية الثالثة مكلفة وحرب الخليج الرابعة مدمرة

سركيس أبوزيد

الحروب الاسرائيلية على لبنان مسلسل متعدد الحلقات في أزمنة مختلفة، لكنها متشابهة المضمون معروفة الغايات، ولكن لا أحد يعلم متى يحين موعد الحلقة الأخيرة، وكيف ستنتهي هذه السلسلة الدموية من الحروب المتكررة على لبنان، ومن سيكون كاتب النهاية، ولمن ستكون الغلبة، وعلى حساب من.

والخوف كل الخوف في الوقت الحاضر من تكرار الحلقة السابقة ألا وهي حرب تموز 2006 ولكن هذه المرة سيكون السيناريو أشد فتكاً وأكثر عنفاً ومسرحها سيكون مختلفاً عن المرات السابقة، لا بل سيكون أوسع نطاقاً من جنوب لبنان وشمال "اسرائيل"، كما سيمتد ليطال المنطقة بأكملها ويتحول ليصبح حرباً اقليمية تتغير معها معالم المنطقة ككل.

ومقومات هذا المسلسل متوفرة وبكثرة هذه الايام، فـ"إسرائيل" وحزب الله يستعدان لأداء أدوارهما وبشكل مكثف، اذ يعمد كل فريق الى استعادة قوته العسكرية واللوجستية استعداداً للحلقة القادمة، فحزب الله مثلاً أعاد تنظيم صفوفه في السنوات الخمس الأخيرة، كما إنه حصل على صواريخ طويلة المدى مزودة بأنظمة التوجيه التي تمكنه من استهداف مواقع عسكرية محددة ومواقع البنية التحتية في "اسرائيل"، وكذلك قد انجز الحزب مزيداً من التقدم في مجال الاستخبارات والاتصالات التي تلعب دوراً متزايداً في قدرته على شن حرب ضد اسرائيل".

وفي المقابل تقوم "اسرائيل" باستعادة قوتها العسكرية، لذلك قامت بتدريب قواتها على عمليات برية واسعة النطاق، وقد أجرت في الآونة الاخيرة العديد من المناورات اختباراً لقوتها العسكرية والدفاعية استعداداً لاية حرب جديدة، لذلك قام الجيش الإسرائيلي بتطوير عدد من التقنيات الحديثة التي من المتوقع أن تستخدم في أي نزاع جديد مع حزب الله، وتشمل نظام دفاع صاروخياً متعدد المستويات لاعتراض وتدمير صواريخ حزب الله قصيرة المدى والصواريخ البالستية الايرانية.

وقد حاولت "اسرائيل" ارباك حزب الله داخلياً وخارجياً من خلال عدة محاولات، أولها محاولة ايجاد الخلافات الداخلية بينه وبين فرقاء آخرين في الوطن لا يشاركونه الاراء والافكار، بل يختلفون معه في العديد من القضايا المبدئية بدءاً بقضية السلاح والدفاع عن لبنان وصولاً الى المحكمة الدولية، لكنها لم تفلح في هذه المساعي ما جعلها تفكر في سحقه عسكرياً عبر الحرب الميدانية. وقد وجدت اخيراً سبباً مقنعاً للخلاف مع حزب الله يتمثل في خلافها مع الدولة اللبنانية على الحدود البحرية وحقول الغاز المكتشفة حديثاً، اذ تحاول السيطرة عليها لاستغلالها سياسياً واقتصادياً بحجة عدم وصولها الى حزب الله كي لا يستفيد منها عسكرياً ويستعمل أموالها في حربه ضدها مستفزة بذلك قادة الحزب الذين اعربوا مؤخراً عن استعدادهم لردع "اسرائيل" ولو بالقوة اذا حاولت التعدي على السيادة اللبنانية والسيطرة على الحقول النفطية، وهم لن يتوانوا عن استعمال القوة لاستعادة السيادة اللبنانية.

وهنا يُطرح السؤال: من سيبادر الى اشعال فتيل الحرب "اسرائيل" أم "حزب الله"؟

من الملاحظ في الوقت الراهن ان "اسرائيل" باتت عاجزة عن مواجهة أزماتها الداخلية من كساد اقتصادي وبطالة وكذلك المظاهرات التي بدأت تظهر لأول مرة بهذا الحجم في الكيان الصهيوني، وهي أيضاً تواجه فشلاً في مساراتها الديبلوماسية في الخارج، وهي قد تبادر الى اشعال حرب في الخارج لتحويل أنظار شعبها والعالم معاً الى أفق سياسي ودبلوماسي آخر، تستطيع من خلاله تحقيق آفاق سياسية ومحددات دبلوماسية جديدة، مع ايجاد مخرج نوعي جديد في الشرق الأوسط يتيح لها وضعاً أفضل، لجهة القيام بتطبيق جدول أعمالها السياسي.

وعلى المقلب الآخر تبرز معطيات جديدة تبعد احتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة وخصوصاً بين حزب الله و"اسرائيل" لعدم توافر الظروف الملائمة والامكانيات اللازمة لمثل هذه الحرب المزعومة. وأول هذه المعطيات الأصوات التي تتعالى في الداخل الاسرائيلي معلنة أن أي محاولة لاشعال حرب جديدة مع حزب الله ستكون حماقة كبرى ومخاطرة بتعريض حياة المواطنين الاسرائيليين للخطر، ناهيك عن استنزاف مقدرات الدولة وتضييعها في الاعمال العسكرية بدل استخدامها لتحسين الاوضاع الداخلية.

ثاني هذه المعطيات/ المستجدات على الساحة السورية التي أضحت تهدد "اسرائيل" بشكل مباشر وذلك خوفاً من حصول حزب الله على الاسلحة المتطورة من النظام السوري في حال أحس بخطر سقوطه واستخدمها ضدها انطلاقاً من جبهة الجولان في محاولة للسيطرة على الأوضاع واستعادة الامساك بزمام الامور من جديد، ما سيقلب المعادلة في المنطقة وستخرج "اسرائيل" منهكة في النهاية.

أما بالنسبة الى حزب الله فهناك معوقات كثيرة تحول بينه وبين اشعال الحرب انطلاقاً من الداخل، اذ تكثر الجهات المعارضة له والتي تسعى الى تجريده من سلاحه بادعائها أن مهمة حزب الله قد انتهت في العام 2000 بعد دحر الجيش الاسرائيلي عن الاراضي اللبنانية، وأن مهمة الدفاع عن الدولة اللبنانية يجب أن يتولاها حصراً الجيش اللبناني لانه الوحيد الذي يحق له أن يحمل سلاحاً ويدافع عن الوطن. وهذه الجهات ما زالت تتهم حزب الله بالتسبب بحرب تموز 2006 التي أدت حسب زعمهم الى تدمير لبنان وتهجير البعض من ابنائه وقتل البعض الاخر.

ومروراً بالمحكمة الدولية وما استدعت من تداعيات سواء في الداخل أو الخارج بعد صدور القرار الاتهامي الذي اعتبر أن حزب الله هو المسؤول عن عملية اغتيال الحريري، ما يهدد باشتعال فتيل الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في لبنان. وهذا خطير جداً على الدولة اللبنانية الموحدة والقوية، وما قد ينتج عنه من تفكك هذه الدولة وظهور دويلات طائفية ضعيفة تريح "اسرائيل" داخلياً وخارجياً.

وصولاً الى الاضطرابات الحاصلة على الاراضي السورية، ما يقلق حزب الله حول التحديات التي يواجهها النظام، وخصوصاً أن أي تغيير في السلطة الحاكمة الحالية سيؤثر سلباً على مكانته وهيمنته ونفوذه في المنطقة وسيغلق البوابة الدمشقية بوجه ايران الداعم الاساسي له ما يجعل الحزب في حالة ترقب لما ستؤول اليه الاوضاع في سوريا ليحدد على أثرها خطواته وتحركاته القادمة على الجبهتين الداخلية والخارجية.

وفي خضم هذه المعطيات وغيرها، يبقى الامل كبيراً في استعادة اللبنانيين لوعيهم واستفاقتهم من غيبوبتهم المزمنة والتفافهم حول مقاومتهم ودولتهم، وذلك من خلال وحدتهم فيما بينهم للنهوض بهذا الوطن وايضاً للدفاع عن شعبه وأرضه اذا ما حاولت "اسرائيل" القيام بأي عدوان جديد يستهدف لبنان.

وسواء أكانت "اسرائيل" هي المُشعل لفتيل الحرب لأي سبب من الأسباب أم كان حزب الله هو المبادر للمقاومة فالنتيجة واحدة وهي: نعلم بداية الحرب لكننا لا نعرف اتساعها ومدتها وحجمها، لذلك يتفادى الجميع وقوعها لإبعاد شبح الحرب ونتائجها المدمرة.

ومع ذلك، طبول الحرب تضج في المنطقة وتبشر بحرب اسرائلية ثالثة في لبنان انتقاماً لحرب تموز، او حرب خليج رابعة تشنها أميركا ضد ايران، ام أنها مجرد طبول صوتية تمهد لانسحاب اميركي صاخب من العراق تحت ضجة تليق بخروج العظام المنهزمين.

2011-10-19