ارشيف من :آراء وتحليلات

الاقتصاد الروسي ينهض من الأزمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتماعي

الاقتصاد الروسي ينهض من الأزمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتماعي
صوفيا ـ جورج حداد

جرت في الأيام الاخيرة مظاهرات احتجاج جماهيرية ضد السياسة المالية في 82 بلدا رأسماليا في "المتروبولات" والاطراف التابعة. وقد سارت تظاهرات ضمت الآلاف في شوارع 850 مدينة في أوروبا، الولايات المتحدة الاميركية، كندا، اوستراليا واليابان، لادانة المظالم الاقتصادية واللامساواة الاجتماعية.

ولفتت وسائل الاعلام الروسية النظر إلى ان هذه الحركة الاحتجاجية الواسعة لاقت تأييدا في روسيا، إلا انها لم تجد أنصاراً لها للقيام بتظاهرات احتجاجية مماثلة في روسيا ذاتها. وعلق رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين على ذلك بالقول "إن السبب في عدم قيام المظاهرات في روسيا ايضا هو ان الحكومة الروسية تتخذ تدابير متساوقة من أجل الدفاع عن المواطنين في روسيا عن طريق رفع معدل المداخيل والمكتسبات الاجتماعية". ويضيف بوتين: "إن القائمين بهذه الاحتجاجات في الدول الغربية ليسوا مجموعات صغيرة لا اهمية لها، بل هم يمثلون مئات الالاف من الناس الذين يتقدمون بمطالب لا تستطيع حكوماتهم تحقيقها عمليا".

الاقتصاد الروسي ينهض من الأزمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتماعي

وفي اجتماع عقده في موسكو المجلس الاستشاري للتوظيفات الأجنبية، صرح بوتين بأنه ينبغي على القادة الروس ان يرفعوا مستوى المعيشة ومستوى الامن الاجتماعي للمواطنين المتوسطي الدخل، والا فسيحدث الاصطدام بالمشاكل ذاتها التي تقع فيها البلدان الاخرى، ما سيعبر عنه بخيبة الامل من الحكومة واندلاع الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية. وقال: "ينبغي ان يشعر المواطنون الروس، بميزانياتهم العائلية، وبمحفظتهم، وبضمان صحتهم وبتعليم اولادهم، أن الامور تتحسن". واضاف "انه اذا لم يتم ذلك فإن عدوى الاحتجاجات والمظاهرات ستمتد الى روسيا كما في الغرب". وعلق بالقول: "ان الاقتصاد الروسي يتجه نحو النهوض من الأزمة، ولكنه يبقى مرتبطا بشدة بتصدير الخامات".

وأضاف بوتين امام الاجتماع العام الـ25 للمجلس الاستشاري للمستثمرين الاجانب الذي انعقد في موسكو "انه خلال الثلاثة الاشهر الحالية سيتم تعويض الانخفاض الذي حدث في الازمة المالية والاقتصادية، وسيبلغ المعدل السنوي لنمو الناتج الوطني القائم نسبة 4%. "اننا نأمل انه في نهاية السنة فإن نمو الناتج الوطني القائم سيبلغ 4% او اكثر"، مؤكداً بشكل خاص على النمو المتسارع لقطاع غير الخامات في الاقتصاد الروسي وقال: "ان نمو الانتاج الصناعي في الاشهر الثمانية الاولى من السنة الحالية بلغ 5،4%، اما نمو قطاعات صناعة التحويل فبلغ 7،6%". وحسب رأي بوتين فإن هذا يبرهن ان بنية الاقتصاد الروسي تتبدل في الاتجاه المناسب، ملاحظاً النهوض في الاقتصاد الزراعي بنسبة 14% سنة 2011، في حين كان هناك هبوط بنسبة 10% سنة 2010. وايضا حسب قول رئيس الوزراء بوتين، فإن الدين العام لا يزال مستقرا على حاله، وهو يبلغ نسبة 10% من الناتج الوطني القائم. وفي مقابل ذلك فإن الطلب الاستهلاكي آخذ في الازدياد، وفي خلال الاشهر الثمانية الاولى من السنة قفز هذا الطلب بنسبة 5،8%.
الاقتصاد الروسي ينهض من الأزمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتماعي
وفي مقابلة تلفزيونية جرت منذ بضعة ايام تحدث بوتين بخطوط عريضة عن موضوع الانتخابات القادمة. واكد ان الناخبين الروس لديهم حق الاختيار دائما. واشار الى انه يمكن ان تطرأ تبدلات في الهيئات القيادية في حزب " روسيا الموحدة" الذي يتزعمه.

وفي هذا الوقت اعلن ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية ان الحركة الاحتجاجية الاميركية المسماة "احتلوا وول ستريت" تطرح مسائل تستحق الاهتمام. ولكن المناقشات التي ولـّدتها الاحتجاجات ينبغي ان تؤدي الى نمو اقتصادي عالمي، حسب قول الناطق باسم الوزارة ليو فايمين.

ومعلوم ان حركة "احتلوا وول ستريت" انطلقت قبل شهر في بارك مانهاتن كاحتجاج على ما سماه المتظاهرون الجشع الاحتكاري المنفلت. وقد انتقلت الحركة الى مدن اخرى في اميركا واوروبا وشارك فيها مئات الالاف في تظاهرات احتجاجية جرت في نهاية الاسبوع.

وعبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون عن تفهمه لتوسع حركة "احتلوا وول ستريت" الاحتجاجية، بصفتها تعبيرا عن الاستياء الذي تتسبب به الازمات الاقتصادية. وقال بان كي مون: ان وزراء المالية للدول العشرين الكبيرة G-20 ينبغي ان يستمعوا الى الناس وان يصوغوا برامج واقعية من شأنها حل المشاكل القائمة. وصرح هيرمان فان رومبوي رئيس المفوضية الاوروبية (شبه وزارة الاتحاد الاوروبي) ان اجرءات التقشف الاقتصادي المزمع اتخاذها ينبغي ان تأخذ بالاعتبار بقدر الامكان مسألة النمو والمحافظة على فرص العمل. واضاف رومبوي ان اجراءات التقشف ينبغي وبشكل لا تناسبي الا تمس الفئات الفقيرة من السكان. واكد ان عبء التقشف ينبغي ان يكون موزعا بشكل عادل. اما الرئيس التنفيذي للمفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو فقد اعلن انه يتفهم تماما الاستياء والغضب لدى الفئات الشابة من السكان. وقد اقترح وضع ضريبة على الصفقات المالية، كما قال انه سيقترح هذا الاسبوع اتخاذ اجراءات عقابية ضد سوء استخدام الاسواق.

وقال شتيفن زايبرت، الناطق باسم المستشارة الالمانية انجيلا ميركيل، انها تتفهم الناس الذين يشاركون في مظاهرات الاحتجاج في الشارع ضد الازمة وضد انعدام المسؤولية لدى اصحاب الرساميل العالمية. وقال زايبرت حرفيا "ان المستشارة تتفهم شخصيا الناس، الذين يخرجون الى الشارع. وان الحكومة تأخذ على محمل الجد تماما المظاهرات. فهذه المظاهرات تعبر عن القلق العميق والرغبة المبررة في تحقيق المساواة".

وفي اليونان انطلقت موجة جديدة من الاضرابات الاحتجاجية ضد اجراءات التقشف القاسية، التي تطبقها الحكومة، مقابل تقديم القروض الجديدة للبلاد من قبل الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي، حسبما جاء في وسائل الاعلام اليونانية. وبقيت سفن الشحن مجمدة في الموانئ بسبب اضراب الـ48 ساعة الذي اعلنته الفيديرالية النقابية للبحارة وعمال الموانئ. وشرع موظفو الجمارك في اضراب جديد عن العمل. وكان هؤلاء قد اوقفوا الاسبوع الماضي اضرابهم، لان محكمة اثينا اعلنت ان ذلك الاضراب هو غير قانوني. واعلن موظفو الجمارك انهم سيشاركون في المظاهرات في الشارع يوم 20 تشرين الاول الجاري. وسيشارك المحامون في الاضراب قبل 20 تشرين الثاني.

وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر سوف يقوم الاطباء والموظفون في المستشفيات الحكومية بتظاهرات احتجاجية في الشوارع. وكان الصحفيون العاملون في وسائل الاعلام التابعة للدولة قد اعلنوا الاضراب عن الطعام منذ 15 تشرين الاول، وبعد اربعة ايام منذ بدء هذا الاضراب انضم اليهم زملاؤهم في القطاع الاعلامي الخاص في جميع انحاء البلاد. وبعد اضراب لمدة يومين خرج ايضا موظفو البنوك في تظاهرات احتجاج شارعية.

وفي 20 تشرين الثاني سيخرج ايضا للتظاهر في الشوارع عمال وموظفو البلديات. وبسبب ذلك فإن شوارع المدن اليونانية امتلأت بمئات الاطنان من اكوام النفايات. ونظم رجال الشرطة والاطفائيون وموظفو الموانئ الحكوميون وحرس الشواطئ تجمعا احتجاجيا ايضا. ويتوقع ان تبلغ موجهة الاحتجاجات في اليونان ذروتها في يومي 19 ـ 20 تشرين الاول/ اوكتوبر، وهما اليومان اللذان اعلنتهما النقابات اليونانية كيومي اضراب عام. ومعلوم انه في 20 تشرين الاول سيجتمع البرلمان اليوناني للبحث والتصويت على مشروع قانون يتعلق باتخاذ حزمة اجراءات جديدة للتقشف القاسي، تحت الضغوطات التي يمارسها الدائنون الدوليون لليونان. وسيكون هذا التصويت بمثابة تجربة حاسمة للوزارة الاشتراكية برئاسة باباندريو. ويتوقع للاضراب ان يشل اليونان تماما مدة يومين.

الاقتصاد الروسي ينهض من الأزمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتماعي

وتقوم النقابات بالاحتجاج ضد التخفيضات الجديدة للاجور، وضد زيادة الضرائب، وضد البرنامج الموحد الذي ستقدمه الحكومة حول الاجور في القطاع الحكومي، والذي يتضمن الغاء العلاوات وبدلات النقل وغيرها، كما وضد نية الحكومة في ادراج 30 الف موظف حكومي في ما يسمى "احتياطي العمل"، ما يعني ان هؤلاء الموظفين سيتم صرفهم لاحقا، والى ان يتم ذلك سيتلقون 60% فقط من اجورهم الحالية.

هذا واعلن رئيس الحكومة اليونانية غيورغيوس باباندريو انه قد بدأ "اهم اسبوع لليونان ومنطقة اليورو"، قبل تقديم الاقتراحات حول تسوية ازمة الديون، وهي الاقتراحات التي سيتم طرحها في مؤتمر القمة للاتحاد الاوروبي الذي سينعقد في 23 تشرين الاول. وحسب رأيه فإن هذا الاسبوع "سوف يحدد مصير منطقة اليورو، ونحن علينا ان نتخذ قرارت مفصلية؛ واذا لم يكن هناك قرار نهائي، فإن عدم الاستقرار سوف يستمر". هذا ما اعلنه باباندريو عشية اجتماعه برئيس الجمهورية. واضاف "من الضروري ان يبدي جميع القادة السياسيين روح المسؤولية"، الامر الذي يتيح لليونان ان تدخل في المباحثات مع الدائنين والمؤسسات الدولية "مرفوعة الرأس".

ويقول بعض الخبراء ان اليونان، وكمخرج من ازمة المديونية الخارجية والتدخل في شؤونها الداخلية، تقف اليوم امام خيار التخلي عن اليورو كعملة تداول يومي، والعودة الى العملة الوطنية (الدراخما) ما يتيح للحكومة اليونانية ادارة مديونية داخلية وانتهاج سياسة تضخم مدروسة ومسيطر عليها وتخفيض كلفة الانتاج وزيادة التصدير وزيادة الانتاج السلعي والخدماتي وتوفير فرص عمل اكبر وتحسين وضبط التوازن بين الاجور والاسعار.

ولكن فيما اذا اقرت اليونان هذا الخيار، فإنه سيكون بمثابة ضربة معنوية قوية لهيبة اليورو، ما سيسبب صدمة شديدة للاستقرار المالي العالمي برمته. ومن جهة ثانية، وفيما اذا واصلت اليونان اعتماد اليورو كعملة تداول، فإن عجز البنك المركزي الاوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي وهيئة الامم المتحدة عن حل ازمة المديونية اليونانية بما يرضي الجماهير الشعبية اليونانية؛ فهذا سيكون برهانا على الطبيعة المستعصية للازمة العميقة للاقتصاد الرأسمالي العالمي برمته؛ ويتساءل هؤلاء الخبراء عن حق: كيف يمكن للحلف الاطلسي والهيئات والمؤسسات الدولية الاخرى ان تجد الاموال اللازمة لتمويل الحروب الاقليمية والجيوش البوليسية الدولية، ولا تستطيع ان ترفع عبء المديونية عن شعب بلد صغير كاليونان، هو في الوقت نفسه من اعرق البلدان الاوروبية حضارة والذي اسهم تاريخيا اسهاما مميزا كبيرا في بناء الحضارة الاوروبية والغربية والعالمية برمتها، كما اسهم في الامس القريب في القتال الضاري عن طريق المقاومة الشعبية ضد النازية الهتلرية وانقاذ اوروبا والعالم من شرورها، كما قام بالثورة ضد الدكتاتورية العسكرية للكولونيلات مسهما في تثبيت وتدعيم الديمقراطية؟!

* كاتب لبناني مستقل

2011-10-21