ارشيف من :آراء وتحليلات
ساركوزي بعد "الانتصار" في ليبيا... انتعاش الأمل بولاية رئاسية ثانية!
عقيل الشيخ حسين
في ختام الفصل الأول من الثورة الليبية، وهو الفصل الذي بدأ مع اندلاع الثورة وانتهى مع ما يقال بأنه مصرع القذافي، والذي تشير كل الدلائل إلى كونه مقدمة لفصول أخرى من طريق الشوك الذي ولجته ليبيا، يطرح السؤال: من الذي انتصر حتى الآن؟ الإجابة البديهية التي يرددها الكثيرون هي أن من انتصر هو الشعب الليبي، لكن، ومع القبول بذلك على سبيل "الديبلوماسية"، هنالك من يطرح نفسه ليس فقط كشريك في النصر، ولا حتى كلاعب أساسي في تحقيقه، بل كفريق لولاه لما كان ذلك النصر في الأساس.
لمعرفة ذلك الفريق، لا بد من الإصغاء لما تقوله بروباغندا فرنسا الساركوزية. وقبل الإصغاء، لا بد من إشارة بالغة الأهمية: مصرع القذافي منح ساركوزي فرصة ذهبية لإطلاق معركته للانتخابات الرئاسية، بعد أن كانت هذه المعركة قد فتحت بقوة من قبل خصومه الإشتراكيين الذين انتخبوا مرشحهم للرئاسه في شخص فرنسوا هولاند، وبعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تفوقاً كاسحاً لصالحه وماحقاً، بالتالي، لآمال ساركوزي في مواصلة الإقامة في الإليزيه لفترة رئاسية ثانية.
وبالعودة إلى الإصغاء إلى ما تقوله البروباغندا الساركوزية، نكتشف رواية تغني مجد فرنسا المتحقق على يد ساركوزي ومعاونيه وفضله وفضلهم في وصول الأوضاع في ليبيا إلى ما وصلت إليه:
في البدء، كانت الثورة الليبية ونواتها في بنغازي. بعد شهر واحد من اندلاعها، كانت كتائب القذافي قد حطمت كل مقاومة ووصلت إلى مشارف المدينة، ولم يبق أمامها إلاّ أياماً أو ساعات للفتك بسكانها وطي صفحة الثورة إلى الأبد. وهذه المقولة سبق للرئيس ساركوزي أن صاغها بنفسه عندما قال بأن "التدخل العسكري في ليبيا قد حال دون إبادة عشرات الألوف من المدنيين الليبيين".
فرنسا بإرثها الإنساني الضخم وبشدة حدبها المعروف على الشعوب وبمناهضتها لأصناف الطغاة والديكتاتوريين، أمضت قروناً طويلة في إرسال جيوشها إلى المشارق والمغارب، وكونت بقوة السلاح والقتل والإبادات والمؤامرات إمبراطورية استعمارية لم تخلُ منها قارة من القارات. وشاركت بشكل نشط في حركة الاستعباد التي كانت تنقل السود الأفارقة بمئات الألوف ليباعوا رقيقاً للعمل في مزارع الأوروبيين في العالم الجديد الذي صار اسمه أميركا.
ومارست، شأن البريطانيين والإسبان، أعمال الإبادة التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين مليون إنسان... وكل ذلك تحت شعارات التحرير وإخراج البشر من ظلمة الهمجية إلى أنوار الحضارة.
فرنسا هذه التي سفكت دماء مليوني جزائري، وأعداد يعلمها الله من المغاربة والتونسيين وسائر الأفارقة، وشاركت في العدوان الثلاثي على مصر إلى جانب البريطانيين والإسرائيليين، وسلّمت الكيان الصهيوني أولى قنابله الذرية، بعد أن اختبرت فعاليتها على أسرى وفلاحين جزائريين، وغزت سوريا ولبنان وصولاً إلى الهند الصينية... لا يسعها أن تقف مكتوفة اليدين بينما الشعب الليبي يتعرض للإبادة!
إذاً ـ تواصل الرواية ـ كان لا بد من عمل شيء. وكان لا بد من أن تشخص الأبصار إلى الولايات المتحدة الأميركية بصفتها الدولة الأقوى في العالم والحارس الأكبر للديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان. لكن هذه الأخيرة ماطلت وتمهلت (حيث لا تجوز المماطلة والتمهل عندما يتعلق الأمر بحماية الشعوب). ثم لم تلبث أن فاجأت مجلس الأمن بمشروع قرار غاية في التشدد والتطرف. ولولا براعة الديبلوماسية الفرنسية في تلطيف مشروع القرار، لكان مصيره الاصطدام بالفيتو الروسي أو الصيني وبالتالي ضياع الفرصة في "تحرير" ليبيا.
وعند بدء التدخل، وحين انسحب الأميركيون وألقوا المهمة على عاتق الأطلسي، لم تتردد فرنسا في الاضطلاع بالمهمة أمام شقيقاتها الأطلسيات وحليفاتها العربيات. وأرسلت حاملة طائراتها الوحيدة لترابط مقابل الساحل الليبي.
وفوق ذلك، تسعى البروباغندا الساركوزية إلى إشاعة الانطباع بأن القذافي قد قتل في غارة نفذتها الطائرات الأطلسية. لكن إشباع الغرور يصطدم بشكليات القرار 1973. وهذا ما يدفع إلى إخراج رواية شبه رسمية مفادها أن الطائرات الفرنسية قصفت الطريق أمام رتل من السيارات صادف أن القذافي كان في إحداها عند فراره من سيرت. فجعلت بذلك أمر مقتله ممكناً بيد الثوار.
وأخيراً وليس آخراً، لا يكتمل التنويه بأفضال فرنسا ورئيسها من دون ذكر ذلك الرجل الذي يمتلك حظوظا كبيرة في نيل جائزة نوبل للسلام، والذي برز بوصفه "بطل" الثورة الليبية. إنه برنار هنري ليفي، الصهيوني المعروف وكبير مستشاري الرئيس الفرنسي، الذي احتل الشاشات بالمناسبة مستعرضاً إنجازاته وكيف كان يصل الليل بالنهار متنقلاً بين ليبيا وفرنسا هادياً ومرشداً وناصحاً، من دون أن يبخل، رغم مشاغله، على المعارضين السوريين أيضاً بتوجيهاته القيمة.
ربما تفلح هذه البروباغندا بإقناع كثير من الفرنسيين بإعادة انتخاب ساركوزي لرئاسة الجمهورية. وربما يكون ساركوزي قد انتصر في ليبيا. لكنه نصر بائس لأنه من نوع تلك الانتصارات التي يسجلها المعسكر الغربي على حلفائه وممتثلي أوامره من أمثال القذافي وصدام حسين وغيرهما ممن ستشتمل عليهم لوائح الشطب. انتصارات لا يستطيع قطف ثمارها القريبة والبعيدة غير المخلصين الذين تعربد عليهم قوى الاستعمار والارتباط، ولا تحصد من المواجهة معهم غير الهزائم المرة.
فما جرى حتى الآن في ليبيا ليس سوى الفصل الأول من فصول التورط الأطلسي الجديد في منطقة بدأت شعوبها بتلمس خيوط الخلاص بين خيارين لا ثالث لهما: إما العودة إلى نهج الإسلام المحمدي الأصيل، وإما مواصلة التدهور وصولاً إلى الدرك الأسفل