ارشيف من :آراء وتحليلات

هكذا يكذب دجّالو 14 آذار على جمهورهم؟ مؤتمر سيدة الجبل نموذجاً

هكذا يكذب دجّالو 14 آذار على جمهورهم؟ مؤتمر سيدة الجبل نموذجاً

عبد الحسين شبيب

لا توجد طبقة سياسية فاجرة تمتهن الكذب كدجالي فريق 14 آذار في لبنان، لكن مشكلة هؤلاء المضحكة انهم هم وجمهورهم اول ضحاياهم. فهم يتعاطون مع قاعدتهم الشعبية باحتقار ويتعاملون معهم كأنهم "اتباع ينعقون" لا مواطنين كاملي الأهلية العقلية والفكرية، ولا يمارسون أي احترام لا لذاكرة هذه القاعدة ولا حتى لما تلقته منهم من "تثقيف" وتحريض خلال السنوات والاشهرة القليلة الماضية.

بالأمس عقد مسيحيو 14 آذار مؤتمراً "مفتوحاً ومغلقاً" حمَّلوه عنوان "دور المسيحيين في الربيع العربي" خلصوا في ختامه الى انهم كانوا هم وراء هذا الربيع، واعلنوا رفضهم لما أسموه "ربط المسيحيين المشرقيين بأنظمة القمع العربية".

لا ينكر أحد أن هذا الكلام موجه جملة وتفصيلاً الى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد المقاربة التي اعتمدها مؤخراً في تفسير الأحداث بطريقة مختلفة عن مواقف سلفه البطريرك صفير الذي كان راعياً سياسياً بالكامل لفريق 14 آذار.

لكن منسوب الدجل الذي انطوى عليه هذا المؤتمر ومستوى استغباء هؤلاء المجتمعين لجمهورهم ليس له سابقة في الحياة السياسية، وهي على أي حال مدرسة افتتحها سعد الحريري الذي نام جمهوره على "بشار الأسد قاتلاً لأبيه"، واستفاق على خبر مبيت الشيخ سعد في قصر سيادة الرئيس بشار الأسد، ثم نام على دعاء حريري يتمنى "الحرية لشعب سوريا ونهاية لكل الطغاة مماثلة لنهاية القذافي"، ولا يعرف حتى الآن على ماذا سيستفيق.

لا يحتاج دحض خطاب 14 آذار الى جهد استثنائي، بل فقط الى الابتعاد عن الضوضاء الإعلامية التي يستخدمونها لكي لا يفسحوا مجالاً لجمهورهم كي يلتقط أنفاسه ويمارس حقه الطبيعي في التفكير الهادئ والسهل.

يقول هؤلاء إن 14 آذار هي "أم الصبي" وهي أساس الربيع العربي، ومسيحيي هذا الفريق لهم الباع الطويل فيه. جيد جداً، لكن من أسقط الربيع العربي أولاً؟ أليس زين العابدين بن علي الحاكم الوفي والمخلص للولايات المتحدة واوروبا و"اسرائيل"؟ أليس هو صديق 14 آذار وخصم دول المقاومة والممانعة التي يخاصمونها؟ اين هو زين العابدين بن علي اليوم؟ أليس في المملكة العربية السعودية يقيم مع عائلته في أحد قصورها الرسمية وبرعاية من قيادتها؟ قيادة المملكة السعودية هذه أليست هي إحدى مرجعيات 14 آذار الاقليمية، واحدى أبرز مموليه وبيت طاعة ولي أمر هذا الفريق الشيخ سعد الدين الحريري؟ هذا كلام يقال في العلن وفي التصريحات وعلى رؤوس الأشهاد، بل ومن موقع الاعتزاز من قبل فريق 14 آذار الذي لم يحدث جمهوره ولا مرة عن منسوب الديمقراطية العالي الجودة وغير المسبوق في الشرق الاوسط في هذه المملكة التي لا يسمح فيها للنساء بقيادة سيارة.

اذاً، اول نتاج الربيع العربي هو الاطاحة بالرئيس التونسي صديق 14 آذار وصديق صديقهم وراعيهم، وأحد أدوات من يديرونهم. هل يعقل أن هذا الفريق يطيح بحلفائه، أي بنفسه، ومن ثم يرسل هذا الحليف الى حضن حليف آخر، رغم انه (بن علي) بتوصيف الربيع العربي ديكتاتور يجب ان يستحق نهاية مماثلة لنهاية معمر القذافي؟ لا نعرف اذا كان فريق 14 آذار سيقول لجمهوره إن حزب النهضة الاسلامي الذي تُسلط عليه الأضواء في قيادة المرحلة الجديدة في تونس هو صديق سعد الحريري وسمير جعجع وفؤاد السنيورة وأمين الجميل وليس صديق السيد حسن نصر الله الذي كان ينزل بضيافته عندما كان يزور أو يكون في بيروت؟

النموذج التونسي بسيط جداً أمام النموذج الثاني، الفرعون الذي تربع على عرش مصر ثلاثين عاماً ظلماً واستبداداً. لا أحد يظن ان جمهور 14 آذار نسي الصورة التذكارية التي التقطها قادتهم في القاهرة مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، لا سيما صور سمير جعجع وأمين الجميل، قبل أيام قليلة من سقوطه، أما صور سعد الحريري وفؤاد السنيورة وغيرهما من رموز هذا الفريق فحدث ولا حرج. هل كان حسني مبارك عندما زاره جعجع والجميل حاكماً صالحاً درَّ على شعبه الديمقراطية بما لم يدرّه اي حاكم عربي آخر, ثم بعد أيام قليلة أصبح حسني مبارك ديكتاتوراً يستحق اللعنة وينسب 14 آذار كلهم، وليس مسيحيوهم فقط، الفضل لهم في اسقاطه؟ يا للمفارقة يسقطون حليفاً آخر لهم، كان ولا يزال اشرس "عدو لعدوهم"، اي المقاومة في لبنان وسوريا وايران. لا نظن مجدداً ان احداً من قاعدة 14 آذار لا سيما المسيحيين منهم نسوا بعد مجموعة المقاومة التي اعتقلت في مصر حسني مبارك وزُجت في السجن ودُبرت لها محاكمة مزيفة لمعاقبتها على دعم الثورة الشعبية الفلسطينية، التي يتوقع أن يأتي يوم ويعلن فيه سمير جعجع وامين الجميل وفارس سعيد وسمير فرنجية وبطرس حرب وغيرهم انهم هم ابطال ربيعها؟

اما تصريحات أحمد أبو الغيط العنترية وأبوّته لفريق 14 آذار فهي مشهودة للتاريخ، ولا نظن ان علاقة مسيحيي 14 آذار بأنظمة القمع العربية تحتاج ايضاً الى وثائق ويكيليكس. فاذا اتفقنا على أن نظامي بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر قمعيان، فالصور والتصريحات تكفي لكي تشير إلى من أخذ المسيحيين في لبنان إلى التحالف مع انظمة قمعية اسقطتها شعوبها بالضربة القاضية. ايضاً اذا كان الحرص على مسيحيي المشرق هو ديدن 14 آذار بمختلف طوائفها، فيحتاج جمهورهم الى تفسير منهم عن كيفية تورطهم في تبعية قذرة مع الولايات المتحدة التي تتحمل مسؤولية تهجير مسيحيي العراق وايضاً استهداف مسيحيي فلسطين من قبل حليف واشنطن الاستراتيجي في الشرق الاوسط، "اسرائيل"، وهذا امر مثبت في تصريحات قادة العدو كل يوم.

اما ثورة البحرين ـ التي يشهد لها العالم أجمع بسلمية مفرطة ولا نظير لها في التاريخ، حيث لم يظهر لا سكين ولا أي قطعة معدنية في حراك هذا الشعب المظلوم، الذي يمنع ليس فقط من المشاركة السياسية، بل حتى من شغل وظائف في بلده، فقط لأنه من مذهب اسلامي معين ـ فانها لا تعدو "شغباً مداراً من الخارج"، حيث ان ملك البحرين في عيون سعد الحريري وفريق 14 آذار هو "حاكم صالح ومفرط في الديمقراطية" ما يستدعي حجبها عن اغلبية شعبه لأن الجرعة الزائدة منها تضر البحرينيين ولا تنفعهم. أما حكم علي عبد الله صالح في اليمن المسكوت عنه من 14 آذار لأنه صديق ولي نعمتهم، فهي مأثرة اخرى في دعم هذا الفريق لحراك الشعب العربي وربيعه.

يبدو ان التاريخ سيكون على موعد مع جدل لبناني جديد هذه المرة ليس حول كتابه اللبناني بل كتابة التاريخ العربي الذي يجب ان يجهد مؤلفوه في تفسير الأحجية التي تقول إن فريق 14 آذار هو من صنع أمجاد العرب في تونس ومصر، وإنه هو من أسقط نفسه بنفسه وبفخر واعتزاز. لكن الفارق أن كتبة التاريخ هذا لن يحتاجوا الى وثائق ويكيليكس لكي يكتشفوا حجم عمالة هذا الفريق للأميركيين، وكيف كانوا يشتركون معهم في ادارة حرب تموز الاسرائيلية على لبنان وعلى أغلبية شعبه التي سجلت أولى وأهم ثورات الربيع العربي في العامين الفين والفين وستة بشهادة الاسرائيليين والأميركيين انفسهم.
أخيراً، يُؤمل ان يبقى الربيع العربي سائراً حتى يقضي أخضره على يابس هؤلاء الدجالين الذين امتهنوا مهنة الكذب على انفسهم وعلى جمهورهم ولم يعد ينفع معهم لا كرسي اعتراف ولا توبة نصوح، ومشكورون سلفاً اذ يطيحون أنفسهم بأنفسهم كما فعل يهوذا الاسخريوطي.



2011-10-24