ارشيف من :آراء وتحليلات
أسئلة غابت عن خلوة جعجع ـ سعيد
حسين حمية
ما حاول أن ينكره سمير جعجع وفارس سعيد من أن خلوة مسيحيي 14 آذار عن "دور المسيحيين في الربيع العربي" ليست رداً على مواقف البطريرك بشارة الراعي، ظهر زيفه وتهافته بالعودة إلى ما ظهر من هذه الخلوة، علماً أن هذا الإنكار لم يأخذ به أحد، كما لا يسبب إحراجاً للجهات التي تضررت بقوة من مواقف بكركي الأخيرة، وهي إذ تحاشت أن تبدو في مواجهة الكنيسة، فلأنها تدرك ارتداداتها عليها، خصوصاً من سواد المسيحيين الرافضين لأي مس بمكانة الصرح الماروني.
من يعرف المجموعة المسيحية في فريق 14 آذار، لم تخدعه الحملة الإعلانية التي استبقت الخلوة، بالحديث عن مشاركة ما يقارب 600 مفكر مسيحي من الداخل والخارج، إضافة إلى دعوة مفكرين ضيوف من الطوائف الإسلامية، وغيرها من تقنيات البروباغندا التي لم تقنع أحداً بأنه على أبواب حدث سيساعد على تهدئة روع المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة مما يدور في سوريا وما يحضّر لهم من مشاريع وفتن تودي بهم إلى المجهول.
من يقرأ البيان الصادر عن هذه الخلوة والموضوعات التي جرى التطرق إليها، يكتشف مدى خفّة مسيحيي 14 آذار في تعاطيهم مع الأخطار المقبلة على ظهر التغييرات التي يحاول الغرب فرضها على أبناء الإقليم من المغرب مروراً بليبيا ومصر واليمن إلى سوريا ولبنان، فكل ما صوّب عليه البيان المذكور هو التسديد على مواقف بكركي الأخيرة، وهي مواقف يمكن إيجازها بأمرين اثنين: الأول تحميل الغرب بجناحيه الأوروبي والأميركي مسؤولية وضع العوائق والعراقيل أمام القيادة السورية لعدم تنفيذ برنامجها الإصلاحي الذي يدفع بسوريا إلى نقلة نوعية وعصرية، والثاني التمسك بخيار المقاومة بلفت الانتباه إلى الحواجز الإسرائيلية الموضوعة (إن بالتوطين أو بأطماعها اللبنانية) أمام مشروع بناء الدولة في لبنان.
اقتصرت خلوة (جعجع ـ سعيد) على تسخيف هواجس الراعي ومخاوفه من الطريقة المشبوهة لإعادة هيكلة المنطقة العربية، وهي للمناسبة طريقة تستهولها دول عظمى (روسيا والصين) وأمم أخرى موزعة على قارات العالم بأسره، وكان التصدي لها في مجلس الأمن برفض مشروع القرار الأوروبي الأميركي ضد سوريا يمثل نقطة انطلاق نحو تشكل محور ممانعة دولي يحرص على الأمن والسلم العالميين.
لم تتوقف الخلوة عند الاسباب الحقيقية التي حدت الراعي على إطلاق مخاوفه وهواجسه المبررة، وليس عدم توقفها نابعاً فقط من انسياق منظميها الأعمى وراء مشغليهم الدوليين والمحليين، إنما أيضاً هو ناجم عن سذاجة مسيحيي 14 آذار وضحالة فهمهم لما يدور في العالم وعجزهم عن تحديد نقاط التحول في سياسة الغرب تجاه المنطقة.
وعليه أخذت الأوهام مسيحيي 14 آذار (عن قصد وعن جهل)، فتراءى لهم أن الراعي انقلب على مواقف بكركي التاريخية، وتخلى عن مطلب الدولة المدنية، ووضع المسيحيين في مواجهة "الربيع العربي"، وربط مصيرهم بمصير أنظمة الاستبداد في المنطقة، وأنه يريد تحويلهم إلى أهل ذمة وجرهم إلى تحالف الأقليات، وبالتالي يعطل عليهم فرصة المشاركة في صنع المستقبل العربي اليوم وسيحرمهم من كعكة "الحرية والعدالة والديموقراطية" التي يعجنها للمنطقة المشروع الاستعماري المتجدد بنماذجه المعروفة في العراق ومصر واليمن وليبيا.
من السذاجة أن يعتقد الفريق المحلي للمشروع الغربي أن تجري طمأنة المسيحيين في سوريا ولبنان إلى مصيرهم، عبر هذه المناقشة السطحية في خلوة (جعجع ـ سعيد) لمواقف بكركي، أو إغراقهم بالأحاديث عما اعترى المرحلة السابقة للغزوة الاستعمارية الجديدة من مظالم وأخطاء طاولت جميع العرب، كما لا تجري هذه الطمأنة بتغليف التدخلات الغربية بمطالب شعبية وطنية محقة، أو حرف أبصار الناس عن منافذ هذه التدخلات وتمويهها بلبوس نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات السياسية والدينية والثقافية.
هناك أسئلة، على أجوبتها تنعقد الطمأنة المسيحية في سوريا ولبنان، وإليها يتم الاحتكام في النظر إلى مدى صدقية مواقف الراعي، وهذه الأسئلة كانت غائبة كلياً عن خلوة (جعجع ـ سعيد)، ولا يمكن تعويضها بالخطب الإنشائية عن التعايش معاً بين المكونات الدينية والمذهبية في مجتمعات البلدين أو تخدير الناس بحوارات موعودة حول عناوين خلافية في وقت يتولى الغرب نفسه استقدام عناصر متطرفة وتنظيم عمليات تسليح واستحداث ميليشيات واسعة النطاق على مرأى ومسمع من الجميع.
كان الأولى بخلوة (جعجع ـ سعيد)، أن تطرح في جدول أعمالها ما بات مستقراً في أذهان المسيحيين من معلومات ومشاهدات مثبتة بالوقائع تجري على أرض "الربيع العربي" أو بما يتسرّب من محافل دولية عن مخططات ومشاريع قذرة:
ـ هل ناقشت الخلوة, على سبيل المثال وليس الحصر، ما هي المنافع المتبادلة جراء الاتفاقات التي انعقدت بين الدول الغربية وبعض التنظيمات الإسلامية التي كانت على صراع معها، لقاء الإطاحة بالأنظمة؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الأسباب الحقيقية للتصدعات التي بدأت تظهر في أجسام هذه التنظيمات على خلفية هذه الاتفاقات؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الدور المتعاظم لشركات الطاقة الغربية في الهيكلة الجديدة للمنطقة، وما هي تأثيرات هذا الدور على العلاقات بين المكونات الدينية لمجتمعات هذه المنطقة؟
ـ هل تساءلت الخلوة عن تداعيات انفراد الغرب بالاستئثار بثروات المنطقة وخيراتها واحتكار استغلال منابع الطاقة فيها، وما سيجره هذا الاحتكار من زج للمنطقة في صراع دولي كبير ستضطرم نيرانه باشتعال الفتن الدينية والمذهبية؟
ـ هل ناقشت الخلوة مخططات تقويض العالم الإسلامي وتفتيته، وتأليب مكوناته المذهبية على بعضها على بعض، وجرها إلى حروب لا تنتهي ستصيب نيرانها المكونات الدينية الأخرى بما فيها المسيحيون؟
ـ هل أخذت الخلوة علماً بالدواعي والمتغيرات التي جعلت الغرب يعيد النظر بمشاركة قوى معينة في الحكم، في حين كان هذا الغرب إلى وقت ليس ببعيد يرفض التحاور مع هذه القوى ويضع عقوبات جزائية في حال التعاطي معها ولو من زاوية غير سياسية أو أمنية؟
ـ هل اطلعت الخلوة على الأثمان التي تقاضتها القوى المذكورة لقاء تمكينها ومساعدتها على الدخول إلى جنة الحكم؟
ـ هل تبين للخلوة الرابط ما بين إصرار اليهود على الاعتراف بالدولة اليهودية على أرض فلسطين والمصالحة المستجدة بين الغرب والجماعات الإسلامية المذكورة؟
ـ هل تأكدت الخلوة من وجود تعهدات بعدم المس بالمعادلات الإقليمية والأمنية الموضوعة لمصلحة الغرب و"إسرائيل"، وأن يقتصر التغيير على النخب التي تتولى السلطة وبرامجها الداخلية وحصص توزيع النفوذ بين المكونات الداخلية؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الطريقة التي تستخدم بها العدالة الدولية، فلا محاكمات إذا كانت تنكأ الخلاف بين الغرب والمسلمين (لو يعلم الليبيون ما هو دور معتصم القذافي في حماية ديك تشيني من الملاحقة القانونية على خلفية غزو العراق)، بينما الإصرار على المحاكم الدولية ولو قامت على اتهامات باطلة إذا كانت تؤدي إلى الفتن المذهبية بين السنة والشيعة؟
أسئلة كثيرة غابت عن خلوة (جعجع ـ سعيد) التي تفرغت لحصر أضرار موقف قاله الراعي، لكن الأصبع لا يحجب الغابة، وإلا فلنسأل العرعور عن الدولة المدنية.
ما حاول أن ينكره سمير جعجع وفارس سعيد من أن خلوة مسيحيي 14 آذار عن "دور المسيحيين في الربيع العربي" ليست رداً على مواقف البطريرك بشارة الراعي، ظهر زيفه وتهافته بالعودة إلى ما ظهر من هذه الخلوة، علماً أن هذا الإنكار لم يأخذ به أحد، كما لا يسبب إحراجاً للجهات التي تضررت بقوة من مواقف بكركي الأخيرة، وهي إذ تحاشت أن تبدو في مواجهة الكنيسة، فلأنها تدرك ارتداداتها عليها، خصوصاً من سواد المسيحيين الرافضين لأي مس بمكانة الصرح الماروني.
من يعرف المجموعة المسيحية في فريق 14 آذار، لم تخدعه الحملة الإعلانية التي استبقت الخلوة، بالحديث عن مشاركة ما يقارب 600 مفكر مسيحي من الداخل والخارج، إضافة إلى دعوة مفكرين ضيوف من الطوائف الإسلامية، وغيرها من تقنيات البروباغندا التي لم تقنع أحداً بأنه على أبواب حدث سيساعد على تهدئة روع المسيحيين خاصة واللبنانيين عامة مما يدور في سوريا وما يحضّر لهم من مشاريع وفتن تودي بهم إلى المجهول.
من يقرأ البيان الصادر عن هذه الخلوة والموضوعات التي جرى التطرق إليها، يكتشف مدى خفّة مسيحيي 14 آذار في تعاطيهم مع الأخطار المقبلة على ظهر التغييرات التي يحاول الغرب فرضها على أبناء الإقليم من المغرب مروراً بليبيا ومصر واليمن إلى سوريا ولبنان، فكل ما صوّب عليه البيان المذكور هو التسديد على مواقف بكركي الأخيرة، وهي مواقف يمكن إيجازها بأمرين اثنين: الأول تحميل الغرب بجناحيه الأوروبي والأميركي مسؤولية وضع العوائق والعراقيل أمام القيادة السورية لعدم تنفيذ برنامجها الإصلاحي الذي يدفع بسوريا إلى نقلة نوعية وعصرية، والثاني التمسك بخيار المقاومة بلفت الانتباه إلى الحواجز الإسرائيلية الموضوعة (إن بالتوطين أو بأطماعها اللبنانية) أمام مشروع بناء الدولة في لبنان.
اقتصرت خلوة (جعجع ـ سعيد) على تسخيف هواجس الراعي ومخاوفه من الطريقة المشبوهة لإعادة هيكلة المنطقة العربية، وهي للمناسبة طريقة تستهولها دول عظمى (روسيا والصين) وأمم أخرى موزعة على قارات العالم بأسره، وكان التصدي لها في مجلس الأمن برفض مشروع القرار الأوروبي الأميركي ضد سوريا يمثل نقطة انطلاق نحو تشكل محور ممانعة دولي يحرص على الأمن والسلم العالميين.
لم تتوقف الخلوة عند الاسباب الحقيقية التي حدت الراعي على إطلاق مخاوفه وهواجسه المبررة، وليس عدم توقفها نابعاً فقط من انسياق منظميها الأعمى وراء مشغليهم الدوليين والمحليين، إنما أيضاً هو ناجم عن سذاجة مسيحيي 14 آذار وضحالة فهمهم لما يدور في العالم وعجزهم عن تحديد نقاط التحول في سياسة الغرب تجاه المنطقة.
وعليه أخذت الأوهام مسيحيي 14 آذار (عن قصد وعن جهل)، فتراءى لهم أن الراعي انقلب على مواقف بكركي التاريخية، وتخلى عن مطلب الدولة المدنية، ووضع المسيحيين في مواجهة "الربيع العربي"، وربط مصيرهم بمصير أنظمة الاستبداد في المنطقة، وأنه يريد تحويلهم إلى أهل ذمة وجرهم إلى تحالف الأقليات، وبالتالي يعطل عليهم فرصة المشاركة في صنع المستقبل العربي اليوم وسيحرمهم من كعكة "الحرية والعدالة والديموقراطية" التي يعجنها للمنطقة المشروع الاستعماري المتجدد بنماذجه المعروفة في العراق ومصر واليمن وليبيا.
من السذاجة أن يعتقد الفريق المحلي للمشروع الغربي أن تجري طمأنة المسيحيين في سوريا ولبنان إلى مصيرهم، عبر هذه المناقشة السطحية في خلوة (جعجع ـ سعيد) لمواقف بكركي، أو إغراقهم بالأحاديث عما اعترى المرحلة السابقة للغزوة الاستعمارية الجديدة من مظالم وأخطاء طاولت جميع العرب، كما لا تجري هذه الطمأنة بتغليف التدخلات الغربية بمطالب شعبية وطنية محقة، أو حرف أبصار الناس عن منافذ هذه التدخلات وتمويهها بلبوس نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات السياسية والدينية والثقافية.
هناك أسئلة، على أجوبتها تنعقد الطمأنة المسيحية في سوريا ولبنان، وإليها يتم الاحتكام في النظر إلى مدى صدقية مواقف الراعي، وهذه الأسئلة كانت غائبة كلياً عن خلوة (جعجع ـ سعيد)، ولا يمكن تعويضها بالخطب الإنشائية عن التعايش معاً بين المكونات الدينية والمذهبية في مجتمعات البلدين أو تخدير الناس بحوارات موعودة حول عناوين خلافية في وقت يتولى الغرب نفسه استقدام عناصر متطرفة وتنظيم عمليات تسليح واستحداث ميليشيات واسعة النطاق على مرأى ومسمع من الجميع.
كان الأولى بخلوة (جعجع ـ سعيد)، أن تطرح في جدول أعمالها ما بات مستقراً في أذهان المسيحيين من معلومات ومشاهدات مثبتة بالوقائع تجري على أرض "الربيع العربي" أو بما يتسرّب من محافل دولية عن مخططات ومشاريع قذرة:
ـ هل ناقشت الخلوة, على سبيل المثال وليس الحصر، ما هي المنافع المتبادلة جراء الاتفاقات التي انعقدت بين الدول الغربية وبعض التنظيمات الإسلامية التي كانت على صراع معها، لقاء الإطاحة بالأنظمة؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الأسباب الحقيقية للتصدعات التي بدأت تظهر في أجسام هذه التنظيمات على خلفية هذه الاتفاقات؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الدور المتعاظم لشركات الطاقة الغربية في الهيكلة الجديدة للمنطقة، وما هي تأثيرات هذا الدور على العلاقات بين المكونات الدينية لمجتمعات هذه المنطقة؟
ـ هل تساءلت الخلوة عن تداعيات انفراد الغرب بالاستئثار بثروات المنطقة وخيراتها واحتكار استغلال منابع الطاقة فيها، وما سيجره هذا الاحتكار من زج للمنطقة في صراع دولي كبير ستضطرم نيرانه باشتعال الفتن الدينية والمذهبية؟
ـ هل ناقشت الخلوة مخططات تقويض العالم الإسلامي وتفتيته، وتأليب مكوناته المذهبية على بعضها على بعض، وجرها إلى حروب لا تنتهي ستصيب نيرانها المكونات الدينية الأخرى بما فيها المسيحيون؟
ـ هل أخذت الخلوة علماً بالدواعي والمتغيرات التي جعلت الغرب يعيد النظر بمشاركة قوى معينة في الحكم، في حين كان هذا الغرب إلى وقت ليس ببعيد يرفض التحاور مع هذه القوى ويضع عقوبات جزائية في حال التعاطي معها ولو من زاوية غير سياسية أو أمنية؟
ـ هل اطلعت الخلوة على الأثمان التي تقاضتها القوى المذكورة لقاء تمكينها ومساعدتها على الدخول إلى جنة الحكم؟
ـ هل تبين للخلوة الرابط ما بين إصرار اليهود على الاعتراف بالدولة اليهودية على أرض فلسطين والمصالحة المستجدة بين الغرب والجماعات الإسلامية المذكورة؟
ـ هل تأكدت الخلوة من وجود تعهدات بعدم المس بالمعادلات الإقليمية والأمنية الموضوعة لمصلحة الغرب و"إسرائيل"، وأن يقتصر التغيير على النخب التي تتولى السلطة وبرامجها الداخلية وحصص توزيع النفوذ بين المكونات الداخلية؟
ـ هل توقفت الخلوة عند الطريقة التي تستخدم بها العدالة الدولية، فلا محاكمات إذا كانت تنكأ الخلاف بين الغرب والمسلمين (لو يعلم الليبيون ما هو دور معتصم القذافي في حماية ديك تشيني من الملاحقة القانونية على خلفية غزو العراق)، بينما الإصرار على المحاكم الدولية ولو قامت على اتهامات باطلة إذا كانت تؤدي إلى الفتن المذهبية بين السنة والشيعة؟
أسئلة كثيرة غابت عن خلوة (جعجع ـ سعيد) التي تفرغت لحصر أضرار موقف قاله الراعي، لكن الأصبع لا يحجب الغابة، وإلا فلنسأل العرعور عن الدولة المدنية.