ارشيف من :آراء وتحليلات

رحيل سلطان وإعلام الربيع العربي

رحيل سلطان وإعلام الربيع العربي
بثينة عليق

لم يكن مستغرباً أداء وسائل الإعلام السعودية في تعاطيها مع خبر وفاة  ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز. كان مفهوماً أن يتمّ تعديل البرمجة اليومية في التلفزيون السعودي الرسمي وقناتي العربية والـMbc وكان طبيعياً أن تخصّص قناة العربية التقارير والبرامج الخاصة للمناسبة.

وإن كان من غير المفهوم أن تعجز هذه القنوات عن تحديد عمر الأمير الفقيد، إذ قالت مذيعة العربية عند بثّ الخبر الرسمي للوفاة أنه "يتردّد أن عمره يناهز الـ86 سنة"، ثم وردت تقارير تقول بأنه من مواليد 1931 ثمّ 1928 ما يعكس أزمة الشيخوخة لدى العائلة المالكة حيث تجاوز أولاد عبد العزيز الباقين على قيد الحياة الـ85 من العمر. وما لم يكن مفهوماً أيضاً أن تبثّ قناة الـMbc عشيّة دفن الأمير وثائقياً عن الأمبرطورة فرح ملكة إيران المخلوعة بإرادة شعبها.

ويظهر واضحاً أن الوثائقي يسوّق لفرح كمظلومةٍ ومضطهدة. وهنا يُطرح السؤال حول أداء وسائل إعلام تدّعي أنها تروّج لا بل تحرّك الربيع العربي، فتلجأ إلى أساليب إعلامية متخلّفة أبعد ما يكون عن الإعلام الذي يتوق الشارع العربي إليه. فنرى ونسمع تمجيداً للفقيد الراحل وكأنه بمعزلٍ عن أيّ خطأ ولا يأتيه نقصٌ أو عيب.

في تغطية الإعلام السعودي يتحوّل "الإستئثار بالسلطة وإحتكارها من قبل عائلة مالكة وتولّي شخص واحد لعشرات المناصب لعشرات السنين" عنواناً للنجاح وإستثنائية في الشخصية وتفرّداً عالمياً. أما "التوريث" فيتحوّل إلى سلاسة في الحكم ومصدراً لطمأنينة الشعب.

المذيعات في هذه القنوات إتّشحن بالسواد حداداً على الراحل كزميلاتهنّ في تلفزيون المستقبل اللبناني الذي تخطّى في بعض الأحيان وسائل إعلام الفقيد. فمنذ ساعات الصباح الأولى، أوقف المستقبل برامجه ليبثّ وصول جثمان الأمير إلى مطار الرياض وهو ما لم تقم به العربية والـMbc. لقد زايدت الشاشة الزرقاء على الإعلام السعودي في محاولةٍ للتعويض عن خللٍ ما بعيداً عن الجنازة وقد يكون المقصود تبييض صفحة سعد الحريري عند خليفة الراحل، الأمير نايف، عمّا قاله بحقّ إبن وليّ العهد العتيد محمد بن نايف.

وفي تلفزيون المستقبل أيضاً تبارى الضيوف في ذكر مناقب الفقيد التي لا تنتهي، وها هو محمد المراد، عضو المكتب السياسي في حزب المستقبل، يتحدّث عن شخصية الفقيد "المتفرّدة في عصرها القادرة على الجمع بين المحافظة والإنفتاح وبين الحزم واللين" وبنظر عضو حزب المستقبل فإنّ سلطان كان وزيراً في "دولة حديثة" وضمن "مؤسسات متماسكة".

أما في مجال الدفاع، فالوزير معجزة بكلّ ما للكلمة من معنى، لقد أدّت سياسة الدفاع التي إعتمدها إلى تطوير المملكة، أما درع الجزيرة وهو "فكرة الفقيد المتميّزة والدليل على بعد نظره" إنما وُجد للردّ على أيّ إعتداءٍ تتعرّض له المملكة أو دولة في مجلس التعاون الخليجي أو حتى أيّ دولة عربية، والكلام دائماً للمراد.

ولم تسأل المذيعة كما لم يوضح الضيف أين كانت الأسلحة في كلّ الحروب التي خاضتها "إسرائيل" ضدّ العرب أو في إجتياح 1982 ..... وصولاً إلى حرب تموز 2006 وحرب غزة. وقبل ذلك كلّه لم يتمّ توضيح ماذا فعلت الأسلحة وسياسات الدفاع في الحرب مع الحوثييّن عندما تمكّنوا بقدراتهم البدائية أن يحتلّوا حوالى 300 قرية سعودية.

لقد فات إعلام يدّعي الترويج للحرية والتغيير والتطوير أن الربيع العربي يتطلّب إعلاماً يحاسب ويراقب وسلطة رابعة حقيقية، فإذا مات أميرٌ أو ملكٌ أو سياسي نذكر ما له وما عليه فلا يؤلّه الموتى لأنهم أمراء ولا تعصمهم عن كلّ خطأ لأنهم أبناء الملوك.

كان يفترض أن تذكر المناقب إذا وُجدت، ولكن لا مشكلة أن يقال أن الأمير سلطان لم يكن مبرّراً مطلقاً بقاؤه في منصبه كوزير دفاع لما يقارب الأربعين عام لأنه يفترض في "دولةٍ حديثة" ذات "مؤسسات متماسكة" أن تكون مليئةً بالطاقات الشابّة والمجددة، وكان يمكن القول أن الأمير سلطان هو صاحب سياسة دفاعية فاشلة بدليل عدم قدرة هذه الجيش على مواجهة الحوثيين.

ذكر هذه الملاحظات وغيرها لا يأتي لا سمح الله في سياق الإساءة للفقيد وإنما على قاعدة أن الإنسان خطّاء وأنه جلّ من لا يخطىء وفي هذا تطبيقٌ لأبسط القواعد المهنية الإعلامية والعوض بسلامة الإعلام العربي واللبناني وخاصةً إعلام الربيع العربي.

2011-10-26