ارشيف من :آراء وتحليلات
ما قبل 31 ديسمبر وما بعده!
بغداد ـ عادل الجبوري
اعلنت وزارة الداخلية العراقية يوم امس الثلاثاء عن "احباطها مخططا يقوده أعضاء من حزب البعث المنحل لإسقاط العملية السياسية في العراق". ونقلت قناة العراقية الفضائية الرسمية عن وكيل وزارة الداخلية اللواء حسين كمال قوله ان "وزارة الداخلية أحبطت مخططا خطيرا لاسقاط العملية السياسية يقوده حزب البعث الصدامي في عدد من محافظات البلاد".
وأضاف "ان عملية نوعية اسفرت عن إلقاء القبض على أكبر شبكة تنتمي الى حزب البعث المنحل منتشرة في محافظات الفرات الأوسط وشمال العاصمة بغداد، وان الشبكة المسؤولة عن تنفيذ المخطط نظمت صفوفها بعد عام 2004 وانتظمت في صفوف الجماعات الارهابية وكانت تخطط لعمليات ارهابية وتخريب بعد الانسحاب الامريكي من العراق".
وهذه اول اشارة واقعية وواضحة على أن مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق ـ اذا تحقق فعلا نهاية العام الجاري ـ ستكون صعبة وحساسة وخطيرة ومفتوحة على عدة احتمالات. ومن غير الواضح ما اذا كانت الداخلية العراقية قد ألقت القبض على الشبكة الارهابية المشار اليها بالفعل في هذه الأيام، ام انه تم اختيار هذا التوقيت لحسابات سياسية معينة؟.
في كلا الحالتين، هناك مخاوف وهواجس تنطلق من زاويتين، مع التأكيد على ان بعضها واقعي، وبعضها مفتعل. الاولى هي الحرص والقلق على مستقبل العملية السياسية في العراق، وكيفية الحفاظ على المنجزات المتحققة وتجنب الانزلاق الى اوضاع سيئة تعيد العراقيين الى المربع الاول، او الى نقطة الصفر ان صح التعبير، والزاوية الاخرى، التفكير بمصالح وحسابات فئوية وشخصية ضيقة جدا، يرى اصحابها انها ستكون مهددة وعرضة للضياع بعد الانسحاب الاميركي من العراق.
وقد لا تبدو عملية الفرز والتمييز صعبة بين الاتجاهين رغم ان الوقت ما زال مبكرا لاصدار احكام وتقييمات لمرحلة بدأت ملامحها تلوح في الافق، لكنها لم تنطلق فعليا. فالاتجاه الاول يسعى الى اتمام عملية الانسحاب وانهاء الوجود الاجنبي في البلاد رغم ادراكه حجم التعقيدات والصعوبات التي تكتنف تلك العملية، وفي ذات الوقت يحاول سد الثغرات والفجوات وتلافي التبعات والاستحقاقات السلبية التي يمكن ان يفرزها الانسحاب، أي انه يدرك ويتوقع وجود تحديات ومخاطر ومصاعب، بيد أنه لا يدعو الى بقاء القوات الاجنبية، والبحث عن اتفاقيات جديدة تؤدي الى تمديد فترة بقائها، وانما يقول بضرورة تكاتف وتآزر وتعاون جميع القوى والمكونات السياسية لتجنب الخيارات والاحتمالات السيئة واثبات حقيقة أن الاوضاع افضل بعدم وجود الاميركيين في البلاد. وهناك طيف سياسي واسع يتبنى هذا الاتجاه، متمثلا بالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي والتيار الصدري وقوى سياسية اخرى في التحالف الوطني العراقي، وربما في القائمة العراقية. فالمجلس الاعلى بزعامة السيد عمار الحكيم يرى "ان استقلال العراق الناجز واسترجاع سيادته الكاملة على أراضيه هو من الأهداف السامية التي تسعى كل القوى الوطنية المخلصة الى تحقيقها، ليقف العراق في مصاف الدول الحرة في قرارها وفي تصريف شؤونها بما يحقق مصالح شعبها من دون تدخل من قبل القوى الأجنبية... وان تحقيق الامن الداخلي ومنع الاعتداء الخارجي وتحقيق مصالح العراق وتجاوز سلبيات الماضي التي ما زالت تلقي بظلالها على بناء علاقات ايجابيه وطيبه مع المحيط الإقليمي والدولي على أساس المصالح المشتركة وتوازنها، وهذا الأمر سيكون اقرب الى التحقيق في ظل عراق تحكمه الارادة المستقلة لأبنائه وهو الأمر الذي سيتعزز مع نهاية العام".
اما التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر وعلى لسان احد قيادييه، قصي السهيل فيؤكد انه "لن يكون هناك بناء لدولة واضحة المعالم طالما بقي الاحتلال على أرض العراق، ويجب ان يكون هناك خروج واضح للقوات الأمريكية من دون قيد أو شرط، فوجود الاحتلال مبرر موضوعي للدول الأخرى، للتدخل في العراق، وقد صرح الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بأن العراق سيكون الساحة الرئيسة للصراع مع تنظيم القاعدة، والنتيجة أنهم عملوا على استقطاب القاعدة من كل أنحاء العالم، والاتيان بها الى الساحة العراقية".
بينما الاتجاه الاخر، يطرح رؤية مغايرة تماما، اذ انه يبرر دعوته لتمديد بقاء القوات الاميركية في البلاد، سواء بصورة علنية او سرية، بأن المؤسسات العسكرية والامنية والاستخباراتية العراقية ما زالت غير قادرة على امساك الملف الامني وادارته بطريقة ناجحة، في خضم تحديات داخلية وخارجية من جهات عديدة، ناهيك عن غياب الانسجام والتوافق بين الفرقاء السياسيين العراقيين حول القضايا المحورية والمهمة والحساسة، ولعل الاكراد يعتبرون اكثر الاطراف الداعية صراحة الى بقاء القوات الاميركية بعد نهاية العام الجاري.
ويشير رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي الشيخ همام حمودي الى "ان بعض الأطراف السياسية العراقية ترى فى وجود الأمريكيين نوعاً من الحفاظ على التوازن السياسى هناك، من أجل الحفاظ على مكاسبهم السياسية، مؤكداً أن مجلس النواب العراقى بإجماع الأصوات، رفض استمرار القوات الأمريكية، أو السماح لها بالاحتفاظ بأية قواعد عسكرية فى العراق، مثل تلك الموجودة فى قطر، والكويت، وتركيا، كما رفض منح جنودها الحصانة ضد محاكمتهم فى حال ارتكابهم أى جرائم ضد المواطنين العراقيين".
وبين هذين الاتجاهين هناك توجه ـ او اتجاه ـ يسعى الى استغلال مرحلة ما بعد الانسحاب لخلط الاوراق واعادة الامور الى الوراء، لانه من غير الممكن ان يحقق أي مكاسب حقيقية ما دامت العملية السياسية تسير بالاتجاه الصحيح. اصحاب هذا الاتجاه هم بالدرجة الاساس حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، ومؤشرات حراكهم وتحركهم اخذت تتضح وتتبلور مبكرا، وما كشفت عنه وزارة الداخلية من مخطط لاسقاط العملية السياسية، والضغوط التي تمارسها بعض الاطراف على الحكومة بشأن بعض الملفات، لا تخرج عن السياق الذي يحاول البعض توجيه الامور في اطاره.
ويؤكد الشيخ حمودي "أن الوضع الأمني فى العراق فى تحسن مستمر، رغم وقوع هجمات إرهابية بين الحين والآخر، وان استمرار هذه العمليات الإرهابية، يعكس رغبة البعض فى بقاء القوات الأمريكية فى البلاد، وعدم رحيلها المقرر نهاية العام الجاري، بدعوى أن رحيلها يؤدى إلى حدوث فوضى".
وبصرف النظر عما اذا انسحب الاميركيون من العراق بصورة فعليه، ام انهم ألبسوا وجودهم ثوبا اخر، فالقول بأن الأمور ستكون سهلة فيه تبسيط للواقع، إذ إن ما بعد الحادي والثلاثين من كانون الاول/ديسمبر المقبل سيكون تاريخاً مختلفاً عما قبله، وما يمكن أن تشهده الساحة العراقية بعد هذا التاريخ لن يكون في كل الاحوال اسوأ مما شهدته هذه الساحة خلال الاعوام الماضية منذ الغزو الأميركي عام ألفين وثلاثة حيث كانت القوات الاميركية تجوب المدن والشوارع والأزقة وتدخل البيوت المدارس والجامعات وحتى أماكن العبادة ورياض الاطفال!.
اعلنت وزارة الداخلية العراقية يوم امس الثلاثاء عن "احباطها مخططا يقوده أعضاء من حزب البعث المنحل لإسقاط العملية السياسية في العراق". ونقلت قناة العراقية الفضائية الرسمية عن وكيل وزارة الداخلية اللواء حسين كمال قوله ان "وزارة الداخلية أحبطت مخططا خطيرا لاسقاط العملية السياسية يقوده حزب البعث الصدامي في عدد من محافظات البلاد".
وأضاف "ان عملية نوعية اسفرت عن إلقاء القبض على أكبر شبكة تنتمي الى حزب البعث المنحل منتشرة في محافظات الفرات الأوسط وشمال العاصمة بغداد، وان الشبكة المسؤولة عن تنفيذ المخطط نظمت صفوفها بعد عام 2004 وانتظمت في صفوف الجماعات الارهابية وكانت تخطط لعمليات ارهابية وتخريب بعد الانسحاب الامريكي من العراق".
وهذه اول اشارة واقعية وواضحة على أن مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من العراق ـ اذا تحقق فعلا نهاية العام الجاري ـ ستكون صعبة وحساسة وخطيرة ومفتوحة على عدة احتمالات. ومن غير الواضح ما اذا كانت الداخلية العراقية قد ألقت القبض على الشبكة الارهابية المشار اليها بالفعل في هذه الأيام، ام انه تم اختيار هذا التوقيت لحسابات سياسية معينة؟.
في كلا الحالتين، هناك مخاوف وهواجس تنطلق من زاويتين، مع التأكيد على ان بعضها واقعي، وبعضها مفتعل. الاولى هي الحرص والقلق على مستقبل العملية السياسية في العراق، وكيفية الحفاظ على المنجزات المتحققة وتجنب الانزلاق الى اوضاع سيئة تعيد العراقيين الى المربع الاول، او الى نقطة الصفر ان صح التعبير، والزاوية الاخرى، التفكير بمصالح وحسابات فئوية وشخصية ضيقة جدا، يرى اصحابها انها ستكون مهددة وعرضة للضياع بعد الانسحاب الاميركي من العراق.
وقد لا تبدو عملية الفرز والتمييز صعبة بين الاتجاهين رغم ان الوقت ما زال مبكرا لاصدار احكام وتقييمات لمرحلة بدأت ملامحها تلوح في الافق، لكنها لم تنطلق فعليا. فالاتجاه الاول يسعى الى اتمام عملية الانسحاب وانهاء الوجود الاجنبي في البلاد رغم ادراكه حجم التعقيدات والصعوبات التي تكتنف تلك العملية، وفي ذات الوقت يحاول سد الثغرات والفجوات وتلافي التبعات والاستحقاقات السلبية التي يمكن ان يفرزها الانسحاب، أي انه يدرك ويتوقع وجود تحديات ومخاطر ومصاعب، بيد أنه لا يدعو الى بقاء القوات الاجنبية، والبحث عن اتفاقيات جديدة تؤدي الى تمديد فترة بقائها، وانما يقول بضرورة تكاتف وتآزر وتعاون جميع القوى والمكونات السياسية لتجنب الخيارات والاحتمالات السيئة واثبات حقيقة أن الاوضاع افضل بعدم وجود الاميركيين في البلاد. وهناك طيف سياسي واسع يتبنى هذا الاتجاه، متمثلا بالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي والتيار الصدري وقوى سياسية اخرى في التحالف الوطني العراقي، وربما في القائمة العراقية. فالمجلس الاعلى بزعامة السيد عمار الحكيم يرى "ان استقلال العراق الناجز واسترجاع سيادته الكاملة على أراضيه هو من الأهداف السامية التي تسعى كل القوى الوطنية المخلصة الى تحقيقها، ليقف العراق في مصاف الدول الحرة في قرارها وفي تصريف شؤونها بما يحقق مصالح شعبها من دون تدخل من قبل القوى الأجنبية... وان تحقيق الامن الداخلي ومنع الاعتداء الخارجي وتحقيق مصالح العراق وتجاوز سلبيات الماضي التي ما زالت تلقي بظلالها على بناء علاقات ايجابيه وطيبه مع المحيط الإقليمي والدولي على أساس المصالح المشتركة وتوازنها، وهذا الأمر سيكون اقرب الى التحقيق في ظل عراق تحكمه الارادة المستقلة لأبنائه وهو الأمر الذي سيتعزز مع نهاية العام".
اما التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر وعلى لسان احد قيادييه، قصي السهيل فيؤكد انه "لن يكون هناك بناء لدولة واضحة المعالم طالما بقي الاحتلال على أرض العراق، ويجب ان يكون هناك خروج واضح للقوات الأمريكية من دون قيد أو شرط، فوجود الاحتلال مبرر موضوعي للدول الأخرى، للتدخل في العراق، وقد صرح الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بأن العراق سيكون الساحة الرئيسة للصراع مع تنظيم القاعدة، والنتيجة أنهم عملوا على استقطاب القاعدة من كل أنحاء العالم، والاتيان بها الى الساحة العراقية".
بينما الاتجاه الاخر، يطرح رؤية مغايرة تماما، اذ انه يبرر دعوته لتمديد بقاء القوات الاميركية في البلاد، سواء بصورة علنية او سرية، بأن المؤسسات العسكرية والامنية والاستخباراتية العراقية ما زالت غير قادرة على امساك الملف الامني وادارته بطريقة ناجحة، في خضم تحديات داخلية وخارجية من جهات عديدة، ناهيك عن غياب الانسجام والتوافق بين الفرقاء السياسيين العراقيين حول القضايا المحورية والمهمة والحساسة، ولعل الاكراد يعتبرون اكثر الاطراف الداعية صراحة الى بقاء القوات الاميركية بعد نهاية العام الجاري.
ويشير رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي الشيخ همام حمودي الى "ان بعض الأطراف السياسية العراقية ترى فى وجود الأمريكيين نوعاً من الحفاظ على التوازن السياسى هناك، من أجل الحفاظ على مكاسبهم السياسية، مؤكداً أن مجلس النواب العراقى بإجماع الأصوات، رفض استمرار القوات الأمريكية، أو السماح لها بالاحتفاظ بأية قواعد عسكرية فى العراق، مثل تلك الموجودة فى قطر، والكويت، وتركيا، كما رفض منح جنودها الحصانة ضد محاكمتهم فى حال ارتكابهم أى جرائم ضد المواطنين العراقيين".
وبين هذين الاتجاهين هناك توجه ـ او اتجاه ـ يسعى الى استغلال مرحلة ما بعد الانسحاب لخلط الاوراق واعادة الامور الى الوراء، لانه من غير الممكن ان يحقق أي مكاسب حقيقية ما دامت العملية السياسية تسير بالاتجاه الصحيح. اصحاب هذا الاتجاه هم بالدرجة الاساس حزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة، ومؤشرات حراكهم وتحركهم اخذت تتضح وتتبلور مبكرا، وما كشفت عنه وزارة الداخلية من مخطط لاسقاط العملية السياسية، والضغوط التي تمارسها بعض الاطراف على الحكومة بشأن بعض الملفات، لا تخرج عن السياق الذي يحاول البعض توجيه الامور في اطاره.
ويؤكد الشيخ حمودي "أن الوضع الأمني فى العراق فى تحسن مستمر، رغم وقوع هجمات إرهابية بين الحين والآخر، وان استمرار هذه العمليات الإرهابية، يعكس رغبة البعض فى بقاء القوات الأمريكية فى البلاد، وعدم رحيلها المقرر نهاية العام الجاري، بدعوى أن رحيلها يؤدى إلى حدوث فوضى".
وبصرف النظر عما اذا انسحب الاميركيون من العراق بصورة فعليه، ام انهم ألبسوا وجودهم ثوبا اخر، فالقول بأن الأمور ستكون سهلة فيه تبسيط للواقع، إذ إن ما بعد الحادي والثلاثين من كانون الاول/ديسمبر المقبل سيكون تاريخاً مختلفاً عما قبله، وما يمكن أن تشهده الساحة العراقية بعد هذا التاريخ لن يكون في كل الاحوال اسوأ مما شهدته هذه الساحة خلال الاعوام الماضية منذ الغزو الأميركي عام ألفين وثلاثة حيث كانت القوات الاميركية تجوب المدن والشوارع والأزقة وتدخل البيوت المدارس والجامعات وحتى أماكن العبادة ورياض الاطفال!.