ارشيف من :آراء وتحليلات
محاولات النيل من سوريا... لأنها أفشلت مسيرة الاستسلام العربي الشامل!
عقيل الشيخ حسين
يصادف 26 تشرين الأول/ اكتوبر 2011، ذكرى مرور سبعة عشر عاماً على توقيع اتفاقيات وادي عربة بين الكيان الصهيوني والنظام الأردني. هذه الاتفاقية هي الرابعة الموقعة من قبل الإسرائيليين عام 1978 مع مصر السادات في كمب دايفد، ومع لبنان في 17 أيار/ مايو 1983 يوم كان أمين الجميل رئيساً للجمهورية، ثم اتفاقيات أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
إنها رابعة الاتفاقيات الموقعة... لكنها الثالثة التي ما تزال سارية المفعول، بعد إلغاء اتفاقيات 17 أيار/ مايو من قبل لبنان بعد أقل من عام على توقيعها.
بالنظر إلى الحالة الضبابية التي أحاطت بحرب تشرين/ أكتوبر 1973، فإن جميع هذه الاتفاقيات قد وقعت في ظروف تداعيات الهزيمة التي لحقت بالعرب في حرب 5 حزيران/ يونيو 1967، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال ما تبقى من أراض فلسطينية لم تسقط في حرب 1948 (الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة)، وكامل شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. وبذلك أصبح الجيش الإسرائيلي على بعد كيلومترات من كل من القاهرة ودمشق.
وإلى الهزيمة، أضيفت التغيرات العميقة التي شهدتها، على الأقل، البلدان العربية ذات الحدود المشتركة مع الكيان الصهيوني (مصر، الأردن، سوريا، لبنان). وكانت هذه التغيرات متفاوتة لجهة جهوزية كل واحد من هذه البلدان للانحناء أمام المعطيات الجديدة والحاضنة لأنواع الاعتبارات الانهزامية.
فبعد مرور حوالى عشر سنوات على هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو، كانت مصر السادات قد غيرت سياساتها بشكل كامل لجهة التراجع عن الناصرية وإلغاء التحالف مع الاتحاد السوفياتي وتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة. وبذلك، أصبح طريقها مفتوحاً أمام السلام بنسخته الإسرائيلية التي لا تعني شيئاً غير الاستسلام بالمعنى الدقيق للكلمة.
وبذلك، قام السادات بزيارته المفاجئة إلى القدس المحتلة وألقى خطابه الشهير في الكنيست، وأتبع ذلك بالذهاب إلى كامب دايفد حيث وقع مع ميناحيم بيغين، وتحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، اتفاقات سلام نصت على استرجاع سيناء منزوعة السلاح، وتناست الوعود التي كان السادات قد قطعها بخصوص حقوق الفلسطينيين وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 المتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة.
وبذلك، فإن مصر، أكبر البلدان العربية وأعظمها شأنأا، تكون قد خرجت من الصف العربي، وأدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، وانصرفت بإعلامها الرسمي نحو مهمة إقناع الشعب المصري بأن من حقه أن يكرس نفسه لـ "أكل العيش" بعد كل التضحيات التي بذلها في خدمة القضايا العربية.
أما النظام الأردني، فإن السلام الذي أقامه مع الصهاينة لم يكن مفاجئاً، وذلك لأسباب معروفة. لكن الأكيد أن هشاشة الأردن واعتماده على المساعدات الخارجية، والأميركية خصوصاً، والوجود الكثيف للفلسطينيين بين سكانه، هي في جملة الأسباب التي تفسر تأخره في التطبيع مع الإسرائيليين: فقد وقعت اتفاقيات وادي عربة عام 1994 أي بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقيات أوسلو.
وبالطبع، فإن الإشارة مهمة إلى أن النتائج السلبية على المستوى الاستراتيجي لخروج الأردن من الصف العربي المقاوم لم تكن أقل وزناً من الخروج المصري. فهنالك 380 كيلومتراً من الحدود بينه وبين فلسطين المحتلة وميزات جغرافية وديموغرافية مهمة جداً لجهة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالنسبة للبنان، وهو شأن الأردن بلد صغير وبالغ الهشاشة، فالمعروف أن السلام مع "إسرائيل" والقطيعة مع العروبة كانا أمنيّة عزيزة على قسم من اللبنانيين. لذا تم تلقف الفرصة وجرى توقيع اتفاقيات 17 أيار/ مايو، في وقت كانت الحرب الأهلية في عز تفجرها، وكان الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، قد جعل من بيروت أولى العواصم العربية التي تسقط أمام الاحتلال.
صحيح أن الشعبين المصري والأردني قد وقفا على الدوام ضد هذه الاتفاقيات المذلة. لكن الرفض اللبناني، الشعبي والمسلح، كان من القوة بحيث أدى ليس فقط إلى كنس اتفاقيات 17 أيار/مايو، بل أيضاً إلى دحر الاحتلال الإسرائيلي نفسه.
فوق ذلك، فإن المقاومة اللبنانية والكفاح الصلب الذي دفع ثمنه غالياً مقاتلو حزب الله قد تمكنا، في صيف العام 2006، من تحطيم أسطورة التفوق الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر. وبهذا، ساهما في تعطيل مشاريع الهيمنة الإسرائيلية ـ الأميركية التي كان يتم السعي لفرضها على المنطقة تحت غطاء عملية السلام المزعومة بين العرب والإسرائيليين.
لم تكن كل هذه النتائج ممكنة التحقيق من دون المساعدة والمشاركة الفاعلة من قبل سوريا. صحيح أن سوريا لم تتمكن من استرجاع غير قسم من الجولان المحتل. وقد استغل ذلك المتخرّصون العرب ليوجهوا إلى النظام السوري تهماً ظالمة وغير نزيهة يروجونها في سوق الديماغوجيا لا حباً بالقضية الوطنية السورية والعربية، بل غيظاً مسعوراً تجاه نظام هو الوحيد بين الأنظمة العربية المعنية مباشرة الذي أفشل السلام الإسرائيلي وتداعياته الكارثية.
لقد وقعت مشادة حامية، على ما اعترف به حسني مبارك، عام 2005، بين حافظ الأسد وأنور السادات، خلال زيارة قام بها الأخير إلى دمشق بهدف الحصول على موافقته بخصوص اتفاقية السلام التي كان على وشك توقيعها مع الإسرائيليين.
كان يمكن لسوريا أن تسترد أراضيها المحتلة بسهولة أكبر مما فعلته مصر من خلال التوقيع على معاهدة سلام استسلامي. لكن موقفها المبدئي معروف: نعم للسلام العادل المشروط بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ومن خلال الاحترام الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني.
موقف سوريا هذا، ودعمها الكامل للمقاومة في لبنان، وتحالفها مع إيران، وليس افتقارها للديموقراطية والحرية، كل ذلك هو ما يفسر المؤامرات والحملات التي تشنها على سوريا قوى الهيمنة التي لا تفعل ـ من واشنطن إلى الخليج مروراً بتل أبيب ـ غير امتهان قيم الديموقراطية والحرية والحقوق.
يصادف 26 تشرين الأول/ اكتوبر 2011، ذكرى مرور سبعة عشر عاماً على توقيع اتفاقيات وادي عربة بين الكيان الصهيوني والنظام الأردني. هذه الاتفاقية هي الرابعة الموقعة من قبل الإسرائيليين عام 1978 مع مصر السادات في كمب دايفد، ومع لبنان في 17 أيار/ مايو 1983 يوم كان أمين الجميل رئيساً للجمهورية، ثم اتفاقيات أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
إنها رابعة الاتفاقيات الموقعة... لكنها الثالثة التي ما تزال سارية المفعول، بعد إلغاء اتفاقيات 17 أيار/ مايو من قبل لبنان بعد أقل من عام على توقيعها.
بالنظر إلى الحالة الضبابية التي أحاطت بحرب تشرين/ أكتوبر 1973، فإن جميع هذه الاتفاقيات قد وقعت في ظروف تداعيات الهزيمة التي لحقت بالعرب في حرب 5 حزيران/ يونيو 1967، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال ما تبقى من أراض فلسطينية لم تسقط في حرب 1948 (الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة)، وكامل شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية. وبذلك أصبح الجيش الإسرائيلي على بعد كيلومترات من كل من القاهرة ودمشق.
وإلى الهزيمة، أضيفت التغيرات العميقة التي شهدتها، على الأقل، البلدان العربية ذات الحدود المشتركة مع الكيان الصهيوني (مصر، الأردن، سوريا، لبنان). وكانت هذه التغيرات متفاوتة لجهة جهوزية كل واحد من هذه البلدان للانحناء أمام المعطيات الجديدة والحاضنة لأنواع الاعتبارات الانهزامية.
فبعد مرور حوالى عشر سنوات على هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو، كانت مصر السادات قد غيرت سياساتها بشكل كامل لجهة التراجع عن الناصرية وإلغاء التحالف مع الاتحاد السوفياتي وتعميق العلاقات مع الولايات المتحدة. وبذلك، أصبح طريقها مفتوحاً أمام السلام بنسخته الإسرائيلية التي لا تعني شيئاً غير الاستسلام بالمعنى الدقيق للكلمة.
وبذلك، قام السادات بزيارته المفاجئة إلى القدس المحتلة وألقى خطابه الشهير في الكنيست، وأتبع ذلك بالذهاب إلى كامب دايفد حيث وقع مع ميناحيم بيغين، وتحت رعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، اتفاقات سلام نصت على استرجاع سيناء منزوعة السلاح، وتناست الوعود التي كان السادات قد قطعها بخصوص حقوق الفلسطينيين وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242 المتعلق بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة.
وبذلك، فإن مصر، أكبر البلدان العربية وأعظمها شأنأا، تكون قد خرجت من الصف العربي، وأدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، وانصرفت بإعلامها الرسمي نحو مهمة إقناع الشعب المصري بأن من حقه أن يكرس نفسه لـ "أكل العيش" بعد كل التضحيات التي بذلها في خدمة القضايا العربية.
أما النظام الأردني، فإن السلام الذي أقامه مع الصهاينة لم يكن مفاجئاً، وذلك لأسباب معروفة. لكن الأكيد أن هشاشة الأردن واعتماده على المساعدات الخارجية، والأميركية خصوصاً، والوجود الكثيف للفلسطينيين بين سكانه، هي في جملة الأسباب التي تفسر تأخره في التطبيع مع الإسرائيليين: فقد وقعت اتفاقيات وادي عربة عام 1994 أي بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاقيات أوسلو.
وبالطبع، فإن الإشارة مهمة إلى أن النتائج السلبية على المستوى الاستراتيجي لخروج الأردن من الصف العربي المقاوم لم تكن أقل وزناً من الخروج المصري. فهنالك 380 كيلومتراً من الحدود بينه وبين فلسطين المحتلة وميزات جغرافية وديموغرافية مهمة جداً لجهة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبالنسبة للبنان، وهو شأن الأردن بلد صغير وبالغ الهشاشة، فالمعروف أن السلام مع "إسرائيل" والقطيعة مع العروبة كانا أمنيّة عزيزة على قسم من اللبنانيين. لذا تم تلقف الفرصة وجرى توقيع اتفاقيات 17 أيار/ مايو، في وقت كانت الحرب الأهلية في عز تفجرها، وكان الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، قد جعل من بيروت أولى العواصم العربية التي تسقط أمام الاحتلال.
صحيح أن الشعبين المصري والأردني قد وقفا على الدوام ضد هذه الاتفاقيات المذلة. لكن الرفض اللبناني، الشعبي والمسلح، كان من القوة بحيث أدى ليس فقط إلى كنس اتفاقيات 17 أيار/مايو، بل أيضاً إلى دحر الاحتلال الإسرائيلي نفسه.
فوق ذلك، فإن المقاومة اللبنانية والكفاح الصلب الذي دفع ثمنه غالياً مقاتلو حزب الله قد تمكنا، في صيف العام 2006، من تحطيم أسطورة التفوق الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر. وبهذا، ساهما في تعطيل مشاريع الهيمنة الإسرائيلية ـ الأميركية التي كان يتم السعي لفرضها على المنطقة تحت غطاء عملية السلام المزعومة بين العرب والإسرائيليين.
لم تكن كل هذه النتائج ممكنة التحقيق من دون المساعدة والمشاركة الفاعلة من قبل سوريا. صحيح أن سوريا لم تتمكن من استرجاع غير قسم من الجولان المحتل. وقد استغل ذلك المتخرّصون العرب ليوجهوا إلى النظام السوري تهماً ظالمة وغير نزيهة يروجونها في سوق الديماغوجيا لا حباً بالقضية الوطنية السورية والعربية، بل غيظاً مسعوراً تجاه نظام هو الوحيد بين الأنظمة العربية المعنية مباشرة الذي أفشل السلام الإسرائيلي وتداعياته الكارثية.
لقد وقعت مشادة حامية، على ما اعترف به حسني مبارك، عام 2005، بين حافظ الأسد وأنور السادات، خلال زيارة قام بها الأخير إلى دمشق بهدف الحصول على موافقته بخصوص اتفاقية السلام التي كان على وشك توقيعها مع الإسرائيليين.
كان يمكن لسوريا أن تسترد أراضيها المحتلة بسهولة أكبر مما فعلته مصر من خلال التوقيع على معاهدة سلام استسلامي. لكن موقفها المبدئي معروف: نعم للسلام العادل المشروط بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، ومن خلال الاحترام الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني.
موقف سوريا هذا، ودعمها الكامل للمقاومة في لبنان، وتحالفها مع إيران، وليس افتقارها للديموقراطية والحرية، كل ذلك هو ما يفسر المؤامرات والحملات التي تشنها على سوريا قوى الهيمنة التي لا تفعل ـ من واشنطن إلى الخليج مروراً بتل أبيب ـ غير امتهان قيم الديموقراطية والحرية والحقوق.