ارشيف من :آراء وتحليلات

أزمة الأقاليم تطل من جديد عبر بوابة صلاح الدين!

أزمة الأقاليم تطل من جديد عبر بوابة صلاح الدين!
بغداد ـ عادل الجبوري

كانت مفاجأة من العيار الثقيل، تلك التي فجّرها مجلس محافظة صلاح الدين الاربعاء الماضي بإعلانه الشروع بالاجراءات التنفيذية لتحويل المحافظة الى إقليم مستقل إداريا واقتصاديا.

وجاء الاعلان في خضم ارتفاع مؤشر الاحتقان السياسي بصورة واضحة، على خلفية الاعلان عن مخطط لانقلاب عسكري يقف وراءه حزب البعث المنحل، ادى الى شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف اعضاء الحزب في محافظات مختلفة، وقبل ذلك اعلان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إقصاء بعض المدرسين والكوادر الوظيفية من جامعة تكريت وجامعات عراقية اخرى وفق قانون هيئة المساءلة والعدالة، ناهيك عن الأزمة السياسية القائمة منذ بضعة شهور والمرتبطة بجملة ملفات لم تحسم حتى الان، ولا يبدو انها ستحسم خلال وقت قريب.

ولا شك بأن هناك بعدين في اعلان مجلس محافظة صلاح الدين، الاول دستوري، يعطي الحق لهذه المحافظة او اية محافظة اخرى بتشكيل اقليم خاص بها في اطار النظام الاتحادي ـ الفيدرالي، سواء منفردة او مع محافظة او محافظات اخرى.

ولعل مجلس محافظة صلاح الدين اتبع السياقات الدستورية، اذ صوت اكثر من ثلث اعضائه على تشكيل الاقليم، ليصار الى رفعه لرئاسة مجلس الوزراء الاتحادي، وهكذا مع الخطوات الاخرى اللاحقة.

ويذكر ان خطوة مماثلة قد اتخذت في محافظة البصرة قبل حوالى عامين وتبناها النائب السابق في البرلمان القاضي وائل عبد اللطيف لتحويل تلك المحافظة الى اقليم مستقل، بيد ان تلك المحاولة لم تبصر النور، لأنه تبين من خلال الاستفتاء الذي اجرته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في حينه ان عدد الذين ايدوا تشكيل الاقليم من بين سكان المحافظة كان قليلا جدا، بحيث لم يتجاوز العشرة بالمئة.

واذا كان البعد القانوني ـ الدستوري لخطوة مجلس محافظة صلاح الدين مقبولا ومنطقيا ولا غبار عليه، فإن البعد السياسي الذي لا توجد نصوص قانونية لتسويقه وتكييفه مع الواقع، بل توجد قراءات وفرضيات واحتمالات، تنحى في مجملها الى التطرف والتشدد، سواء باتجاه الرفض او القبول، هذا البعد هو محور الازمة حينما طرح مشروع قانون الاجراءات التنفيذية لتشكيل الاقاليم، وحينما طرحت مبادرة تشكيل اقليم البصرة، وسيكون حاضرا بقوة في اي طرح من هذا القبيل.

ولعل رئيس الوزراء نوري المالكي اشار في لقائه بعدد من شيوخ ووجهاء عشائر محافظة صلاح الدين قبل يومين الى البعد السياسي في موضوعة تشكيل الاقاليم على اساس فيدرالي، حينما قال "ان العراق اكبر من الوزير ومن رئيس الوزراء، وان وحدة العراق يجب ان تكون هدفا يسعى اليه الجميع لا ان يقسم تحت مسميات مختلفة".

وحذر المالكي من وجود محاولات تستهدف وحدة العراق اضافة الى التحديات التي تمر بها المنطقة، مشيرا الى ان جميع محافظات البلاد ترفض فكرة التقسيم، وان تنفيذ الفيدرالية في هذا الوقت قد يفتح ابوابا للتفرقة والاقتتال الداخلي".

وكان المالكي قد اكد بوضوح ان مجلس الوزراء سيرفض طلب مجلس محافظة صلاح الدين. ولم تتأخر معظم الاطراف والقوى السياسية عن التعبير بوضوح عن رفضها لتشكيل الاقاليم على اساس طائفي او قومي او مذهبي، مشيرة، وإن كان بصورة ضمنية، الى ان توجهات بعض القوى والشخصيات السياسية الى تشكيل اقاليم انما تنطلق من حسابات سياسية خطيرة تهدد الوحدة الوطنية، وربما تخدم "اجندات" خارجية، وتبحث عن توفير بيئة آمنة لحزب البعث المنحل وتنظيم القاعدة.

وقد قوبلت دعوات رئيس مجلس النواب العراقي والقيادي في القائمة العراقية اسامة النجيفي التي اطلقها قبل فترة وجيزة من واشنطن ولندن لتشكيل اقليم سني، باستهجان ورفض واسع ليس من الاوساط الشيعية، وانما من اوساط سنية عديدة. لكن المناخ الشعبي العام في المحافظات ذات الاغلبية السنية، وهي صلاح الدين والانبار والموصل، قد يتجه بفعل التعبئة الاعلامية والسياسية لبعض الاطراف الى التفاعل بدرجة اكبر مع اطروحات تشكيل الاقاليم، وتلويح مسؤولين في الانبار والموصل باتخاذ خطوات مماثلة للخطوة التي اقدم عليها مجلس محافظة صلاح الدين، وتحت ذريعة طبيعة تعامل الحكومة الاتحادية معها، يشير الى ان التوجه نحو خيار تشكيل الاقاليم الفيدرالية قد يأخذ منحى اخر، ويتحرك بإيقاعات اسرع. صحيح ان العوائق أمام مثل هذا التوجه سوف لن تكون قليلة، لكن في كل الاحوال فإنه لا بد ان يحدث حراكا اغلب الظن انه سيزيد من حالة الفوضى والارتباك والتقاطعات والتجاذبات في ساحة مثل الساحة العراقية التي ما زالت تفتقد الى مستوى الاستقرار الحقيقي المطلوب، والمفتوحة على مشاريع و"أجندات" اقليمية ودولية مختلفة قد يكون الجزء الظاهر منها للعيان هو القليل وما خفي منها اعظم واخطر!.

وربما تكون ازمة تشكيل الاقاليم التي اطلت هذه المرة من بوابة صلاح الدين اخطر وأعقد من ازمات اخرى مزمنة في المشهد العراقي العام.

2011-11-01