ارشيف من :آراء وتحليلات
سبعة مليارات بشري... ما المشكلة؟
حُمّى البحث عن المتفوقين والمتميزين والسابقين والفائزين بالشهرة وبأنواع الجوائز والأرباح، كانت في أساس أعمال الإحصاء والرصد التي اهتمت منظمة الأمم المتحدة بإجرائها من أجل الكشف عن الطفل الذي سيرفع بولادته عدد سكان العالم إلى 7 مليارات نسمة.
ولأن من الصعب جداً قيادة عملية من هذا النوع بشكل دقيق، يبدو أن الفائز "الرمزي" الذي حددته الأمم المتحدة، تعسفياً، هو طفلة من الفيليبين. وتعسفياً لأن عدداً لا يستهان به من البلدان اعتبر أنه هو الفائز وأن مولوداً من تابعيته هو الذي فاز بقصب السبق.
من هنا، يبدو أن معايير استرضائية أو إعلانية أو مغرضة هي ما يعتمد في منح بعض البلدان مثل هذه الجوائز، بما فيها جوائز نوبل وكونكور: الطفل الذي تم اختياره ليكون المولود الذي يرفع سكان العالم إلى ستة مليارات في العام 1999، كان طفلاً بوسنياً من سيراجيفو!
على كل حال، حرص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على عدم تفويت الفرصة، فعقد مؤتمراً صحافياً أكد فيه أن هذه المسألة لا ينبغي أن ينظر إليها باستخفاف. سبعة مليارات نسمة!!! أمر مهول: يحتاجون إلى عمل وغذاء وتعليم وعناية صحية وحرية وسلام وأمن، وكل ذلك ـ على حد قوله ـ مضروب بسبعة مليارات.
والظاهر أن بان كي مون يقر بعجز منظمته عن مواجهة المشكلة. لذا فقد قرر حملها لطرحها قي قمة بلدان العشرين. والأكيد أن قمة العشرين لن تصغي إلى نصيحة بان، وبالتالي ستتعامل مع الموضوع بالاستخفاف الذي نهى عنه، لأنها ستكون مشغولة بالبحث المضني عن سبل للخروج من الأزمة المالية التي بدأت تفعل فعلها في دفع الاقتصاد العالمي نحو الانهيار الكارثي.
وعلى ذلك، ولأن الحل الوحيد الذي يجري الترويج له هو الحد من الولادات، فإن التوقعات التي تقول إن عدد سكان العالم سيبلغ عشرة مليارات نسمة عند نهاية هذا القرن قد تكون صادقة... إذا ما استمر العالم على حاله خلال السنوات الثمانين القادمة. وعندها ستكون المشكلة مضروبة بعشرة مليارات!
ولأن السياسات الرسمية التي تنادي بالحد من التناسل لم تفلح في الحيلولة دون تنامي عدد سكان العالم، يبدو أن المجتمع المدني الغربي بهيئاته ومنظماته وجماعات ضغطه وامتداداته في أنحاء العالم، قد أخذت على عاتقها مهمة التصدي للمشكلة، ليس فقط بالتوعية، بل أيضاً بالعمل الملموس. توزيع مجاني لموانع الحمل تحت شعارات من نوع: "إذا أنجبت طفلاً، تقتل دباً قطبياً. وإذا استخدمت موانع الحمل تنقذ من الموت بومة مرقطة".
منذ عقود، اعتمدت البلدان الغنية، من أميركا وأوروبا إلى اليابان وأوستراليا، سياسات معادية للانجاب وصلت إلى حد التحريض ضد الزواج والأسرة، ونجحت في تصدير هذا النموذج بنسب متفاوتة إلى بقية بلدان العالم، لكنها احتفظت بالتفوق المطلق في هذا المجال. وكانت النتائج كارثية: شعوب معرضة للانقراض. ومن ثم جهود محمومة من أجل تشجيع الإنجاب بكل السبل بما فيها المساعدات المالية الدسمة، وتلافي النقص الديموغرافي عن طريق استجلاب الأجانب وتجنيسهم.
ولعل الولايات المتحدة هي البلد الغربي الوحيد الذي يحافظ على وتائر نمو سكاني طبيعي يفترض أن يرتفع عدد السكان فيها (بفضل سياسة "طفلان لكل امرأة" وتجنيس الأجانب) من 311 مليوناً في الوقت الحالي، إلى 478 مليوناً مع نهاية القرن الحالي.
أما بقية البلدان الغنية فتعاني من تراجع مستمر نشأت عنه ظاهرة "شيخوخة المجتمع" حيث بات أكثر من ربع السكان مسنين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً تقدم لهم الدولة إعانات اجتماعية تسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية.
أما في بقية بلدان العالم، فقد تراجعت نسب الولادات عما كانت عليه في المجتمعات التقليدية، ومع ذلك تستمر أعداد البشر في التزايد، وبالتالي فإن الجوع هو ما ينتظر المليارات المتزايدة من بني البشر في ظل تناقص الخيرات المادية.
تلك هي المشكلة وفقاً للتوصيف الذي يقدمه القيمون على الشأن البشري في العالم. وحلها لا يكون بغير إنقاص أعداد البشر بطريقة أو بأخرى... والطرق كثيرة بالحد من التناسل وبغير الحد من التناسل.
هل من توصيف آخر؟ نعم. المشكلة هي في الإنسان الذي لم يعد بإمكانه في ظل الحضارة الصناعية والاستهلاكية وانتصار قيم التمدن الزائفة، وفي طليعتها الإعراض عن العمل الشريف والمنتج، إلا أن يكون مدمراً ـ شاء أم أبى ـ لمصادر الغذاء والحياة.
كل طفل يرى النور في الولايات المتحدة "ينتج" خلال حياته، وبفعل نمط العيش الأميركي المعولم، كمية من ثاني أوكسيد الكربون القاتل للطبيعة والحياة تفوق بسبع مرات ما ينتجه الصيني، وبـ 170 مرة ما ينتجه البنغالي.
الحل إذاً، بدلاً من وأد الأطفال تحت أسماء مبتكرة، هو في التراجع عن نمط العيش الأميركي عبر المرور بمرحلة انتقالية إجبارية من القضم بدل الخضم، من الصوم الواجب والمستحب، في ظل تطبيق قواعد الشريعة، في التمييز بين الأعمال والمهن التي يجدر بالمسلمين أن يزاولوها.