ارشيف من :آراء وتحليلات

الجلبة الإسرائيلية وتقرير الوكالة الدولية للطاقة... الأهداف والنتائج المحصلة

الجلبة الإسرائيلية وتقرير الوكالة الدولية للطاقة... الأهداف والنتائج المحصلة
مصطفى الحاج علي
انفلت سجال سياسي وإعلامي غير مسبوق داخل الكيان الاسرائيلي حول احتمال توجيه ضربة عسكرية منفردة للمنشآت النووية الايرانية. السجال كان قد انطلق على إثر تسريب مريب في توقيته حيث جاء مستبقاً لصدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة، وهو تقرير سبق أن سربت بعض مضامينه المتحدثة عن وجود أبعاد عسكرية للمشروع النووي الايراني، هذا التسريب دفع كثيرين الى التساؤل عن الجهة المسؤولة عنه، وتالياً عن الجهة المستفيدة، والأهداف التي تنوي تحقيقها، هذه الجلبة الاسرائيلية الواضحة التعمُّد مع صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة حول الوضع النووي لإيران، استدعت بدورها مجموعة من ردود الفعل الدولية المتباينة، كما استدعت مقاربات مختلفة لكل ما يجري، ومحاولات لتقدير مدى الجدية الاسرائيلية في توجهاتها العدوانية الحالية.
ان مراجعة شاملة لمجمل السجال وردود الفعل التي دارت داخل الكيان الاسرائيلي أو خارجه، تقود الى الاستنتاجات الرئيسية التالية:
أولاً: ظهور انقسام عميق داخل المستوى السياسي الاسرائيلي داخل الحكومة وداخل مجموعة الثمانية الموكل اليها اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وكذلك خارج الحكومة بين مختلف القوى والاتجاهات والشخصيات السياسية، حول الموقف من ضربة عسكرية لإيران، وهي تراوحت بين الرافض مطلقاً، والرافض مؤقتاً لأن الوقت لم ينفد، والراغب والمؤيد.
هذا الانقسام شمل أيضاً المستويين الأمني والسياسي، حيث ما زالت الأذرع الأمنية على موقفها الرافض لهكذا خطوة وترى فيها الكثير من الخطر والكثير من المجازفة.
صحيح أن القرار النهائي داخل الكيان الاسرائيلي هو بيد المستوى السياسي، إلا أنه يتعذر على هذا المستوى عدم الأخذ بوجهة نظر المستوى الأمني، نظراً لفائض المسؤولية الكبير الذي سيلقى على كاهل أي طرف، وخصوصاً أن الهدف المزمع التعامل معه لا يشبه بأي شكل من الأشكال الأهداف السابقة كالمفاعل النووي ـ العراقي، لا من حيث الظروف ولا من حيث الطبيعة، ولا من حيث الامكانيات، والقدرة على الرد، ولا من حيث ردود الفعل والتداعيات والنتائج.
ويمكن القول هنا، ان باراك ونتنياهو ظهرا الى حد بعيد وكأنهما يقفان منفردين ولوحدهما في تبني قرار توجيه ضربة عسكرية منفردة الى ايران.
ثانياً: أطلق السجال خصوصاً المتعلق بجانب الكلفة المحتملة لأي عمل عسكري ضد ايران حالة من الذعر العام عبرت عن نفسها بالاسراع في شراء اقنعة الغاز وسواها.
ثالثاً: ذهب عديدون من الكتّاب والشخصيات السياسية الى أن لتسريبات كهذه تداعيات خطيرة أمنياً ونفسياً وحتى سياسياً.
رابعاً: الإسراع في نشر نتائج لاستطلاع الرأي أظهرت أن ثمانين في المئة من الصهاينة يعتقدون بأن توجيه ضربة الى ايران سيؤدي الى اشعال المنطقة، إلا أن واحداً وأربعين في المئة ايدوا ضرب ايران، في مقابل اعتراض 39%. اقتراب النسب يقود الى التردد أكثر منه الى الحسم ايجاباً لمصلحة توجيه ضربة عسكرية الى ايران.
خامساً: خلاصة القول هنا، لقد أدخلت التسريبات عوامل ومعطيات اضافية الى حسابات القرار الاسرائيلي لا يمكنه التغاضي عنها، لقد جرت العادة أن قرارات من هذا النوع يجري التداول بها على نطاق ضيق ومحصور، ويتخذ القرار بها أيضاً على نفس النطاق، ما يعني بدوره أحد احتمالين: إما أن الجهة المسرّبة استشعرت خطراً فعلياً من امكان تفرد الثنائي نتنياهو ـ باراك بقرار خطير من هذا الشأن فأرادت ارباكه وتعطيله، وإما أنها أرادت إجراء جس نبض شامل لكي تبني على الشيء مقتضاه، وهي في كل الأحوال لن تخسر شيئاً، بل على العكس من ذلك سيساعدها ذلك على انجاز أهداف أخرى، وأبرزها:
أ ـ ايجاد البيئة الملائمة لتقرير الوكالة الدولية للطاقة بما يوفر له الزخم المطلوب، والتفاعل المطلوب، ويحول بالتالي دون تحوله الى مجرد تقرير يضاف الى مجموعة التقارير السابقة. بكلمة أخرى توفير الأنياب والأظفار المطلوبة لهذا التقرير لكي يتمكن من ترجمته الى اجراءات عملية بحق ايران.
ب ـ الدفع باتجاه اعادة استحضار الملف النووي ـ الايراني كبند أول على جدول الاهتمام الدولي بعد أن أخذ هذا الاهتمام يغرق في لجة اولويات أخرى: الثورات العربية والوضع في الشرق الأوسط عموماً ـ الأزمات الاقتصادية والمالية المستفحلة في اوروبا واميركا، والتي تضعها على مفترق طرق مصيري ـ المعادلات والتوازنات التي بدأت تحكم النظام الدولي مبشرة بنظام مختلف ـ الانتخابات الرئاسية في كل من فرنسا واميركا في أزمات سياسية مفصلية الخ...
ج ـ توسعة مروحة الضغط لتشمل كل الدول الكبرى المعنية لا سيما الصين وروسيا لتنخرط ايجاباً في حملة الضغوط الغربية على ايران.
هذه الأهداف تبدو تعويضية ومباشرة في ظل عدم توافر اجماع صهيوني مطلوب للذهاب الى حرب يعرف الكيان الاسرائيلي أنها لن تكون نزهة، وهي بمثابة كرة متدحرجة ستشمل المنطقة بأسرها، ولذا ما فتئ يعلن عن استعداده لخوض مواجهة تشمل كل الجبهات المحتملة، ومن نافل القول ان الكيان الصهيوني لا يذهب الى حرب كبيرة ومصيرية ما لم يوفر لها شرطين: الأول اجماع داخلي، والثاني: تغطية اميركية في الحد الأدنى، وهذان الشرطان لا يبدوان في متناول اليد حتى الآن.
بناءً عليه، ومن خلال ردود الفعل الدولية المتنوعة يمكن القول:
أولاً: لقد نجح الكيان الاسرائيلي في اعادة الملف النووي ـ الايراني الى أجندة الاهتمام الاميركية والاوروبية.
ثانياً: لقد نجح في دفع الاميركي والأوروبي الى اتخاذ رزمة عقوبات اضافية بصيغة منفردة، وان كان هنا يعاني بالفعل من ارباك على صعيد أية عقوبات يختار، حيث لا يجد يده مطلقة خصوصاً في ما يتعلق بالعقوبات التي تمس مصادر الطاقة.
ثالثاً: لم ينجح الاسرائيلي في انجاز تجمع دولي ـ أممي ضد ايران لا على صعيد العقوبات، ولا على صعيد توفير الغطاء لأي خطوة عسكرية، فالصين وروسيا وقفتا بقوة ضد اتخاذ عقوبات جديدة ضد ايران، ما يعني ان لا سبيل لها لتمر عبر مجلس الأمن، كما حذرتا بقوة من أي عمل عسكري.
اميركياً وأوروبياً لم يظهر أي موقف يغطي عملا عسكريا اسرائيليا، بل العكس هو ما ظهر.
رابعاً: لقد اعاد الكيان الاسرائيلي تظهير نفسه كعدو، الأمر الذي سيؤدي الى تشويش الجهود الاميركية والبعض عربية المبذولة لتصوير ايران على أنها العدو للعرب بدلاً من الكيان الاسرائيلي.
خامساً: رد الفعل القوي على التهديدات الاسرائيلية، وعدم اظهار طهران ان أي مظهر من مظاهر الضعف او التردد والقلق، أعاد ضبط موازين القوى والردع بما يعطل الكثير من مفاعيل التوجه الاسرائيلي وتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذي بدا مفضوحاً في تسييسه حتى الثمالة، كما بدا أشبه بخدعة صياغية لم تنطلِ على أحد.
والمهم هنا أيضاً، أن رد الفعل الايراني عطل هدفا رئيسيا من أهداف الحملة الصهيونية هذه والمتمثلة باجهاض الروح المعنوية للوضع الحالي لشعوب المنطقة من خلال تشغيلها بسطوة القوة والقدرة الاسرائيلية وبما يحول دون تطلعها لاحقاً لتصويب وجهة دولها بعيداً عن أي علاقة مع هذا الكيان ولمصلحة دعم مواجهته والتصدي له.
سادساً: في الخلاصة يمكن القول إن ما خرج به الكيان الاسرائيلي من نتائج على الصعيدين الداخلي والخارجي لا يكاد يضيف الى رصيده شيئاً، إن لم نقل إنه أخذ منه في أماكن أساسية، وما كسبه هو من قبيل تحصيل الحاصل ليس إلا.
2011-11-11