ارشيف من :آراء وتحليلات

الأمة العربية... عندما تستيقظ على هدير الطوفان الشعبي السوري!

الأمة العربية... عندما تستيقظ على هدير الطوفان الشعبي السوري!
عقيل الشيخ حسين

سقطت أكذوبة العنف المزعوم الذي يمارسه النظام السوري بحق متظاهرين سلميين. فالعنف تمارسه جماعات مسلحة أكثر أفرادها مندسون من الخارج ينفذون عمليات تفجيرية تستهدف البنى التحتية والمدنيين السوريين والجيش العربي السوري.

وإذا كانت الأكذوبة تغطي هؤلاء المندسين بالحديث عن منشقين عن الجيش السوري، فإن السذّج وحدهم يمكن أن يصدقوا بأن مثل هؤلاء يمتلكون أدنى حظ بالقابلية للحياة في ظل نظام يمتلك كامل القدرة على تدميرهم، أقله من الناحية المعيشية... اللهم إلا إذا كانت شآبيب المال العربي الموظف في خدمة مشاريع الهيمنة تنهمر عليهم بلا حساب.

وسقطت أكذوبة حماية الشعب السوري من النظام الحاكم. لأن الشعب السوري، وهذا ما لم تلاحظه "الجزيرة" و"العربية" و"بي بي سي" و"فرانس 24 " وأضرابها، خرج عن بكرة أبيه للتعبير عن وحدته وتمسكه بالولاء للقضية العربية في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد.

أما الجامعة العربية الساقطة أساساً والتي لم يسمع أحد بذكرها لا في مجال التصدي لأشكال العدوان الأميركي ـ الصهيوني على الشعوب العربية في فلسطين ولبنان والعراق وليبيا والسودان والصومال وغيرها، فقد جللت نفسها بالفضيحة عندما مررت، بالتناقض مع ميثاقها، ذلك القرار الأميركي القاضي بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعاتها.

ويكفيها فضيحة سيل التبريكات التي انهالت عليها من كبار المسؤولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أي تحديداً من القوى الاستعمارية الملطخة أيديها بدماء الشعوب، وفي طليعتها الشعوب العربية والإسلامية.

بقرارها البائس هذا، رضيت الجامعة العربية لنفسها مذلة التحول إلى ألعوبة في أيدي حفنة من أمراء ومشايخ أدعياء هم أنفسهم ألاعيب في أيدي هيلاري كلينتون وسوزان رايس وكاترين آشتون.

قرار الجامعة هذا هو القشة التي قصمت ظهر البعير: عندما نزل الطوفان البشري السوري إلى الشوارع غضباً لسوريا وللعروبة التي أمعن الأدعياء في اغتصابها طيلة العقود الماضية، نزلت معه إلى الشوارع قلوب العرب الشرفاء من الخليج إلى المحيط في وقفة أعادت الشعوب العربية إلى ذاتها يوم أسقطت حلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر، ويوم كان الصوت العربي يجلجل مع عبد الناصر من باندونغ بين أكرا وبلغراد ونيودلهي وبكين، ويوم حازت بفضل صمود الشعب السوري وقيادته، شرف إسقاط مشاريع الاستسلام الممتدة من كامب دافيد إلى وادي عربة وشرم الشيخ ولبنان 17 أيار.

وبفعل هذا الطوفان العربي السوري، تزلزلت الأرض تحت أقدام الغرب المحتضر، المنسحب خائباً مدحوراً من العراق وأفغانستان، والمتخبط في وحول مأزقه الاقتصادي القاتل، واهتزت العروش المضحكة التي يتربع عليها أولئك الأدعياء من الملوك والرؤساء والأمراء والمشايخ الذين جعلوا من العرب، وهم سادة المروءة والشهامة والقيم العليا عبر الزمن، أضحوكة بين الأمم، لا يذكرهم أحد إلا مشفوعين بابتسامات الازدراء لكثرة ما أوغلوا في كل فن من فنون الفساد والخنا.

بكل صفاقة، تلوّح الجامعة العربية الآن برفع قضية سوريا إلى مجلس الأمن. وقصدها أنها تستنجد بأميركا والاتحاد الأوروبي على سوريا. ومن طرابلس الغرب، لا يتورع أمينها العام عن المقارنة بين ما جرى في ليبيا وما يرجو أن يجري في سوريا.

لكن هذا الإنسان غير الأمين وغير المسؤول يبدو جاهلاً بأمور لا يجهلها البوابون أمام مداخل الجامعة العربية: الأسد ليس القذافي، وسوريا ليست ليبيا، وإن كانت الأيدي التي أدخلت الشعب الليبي في النفق المظلم هي نفسها التي تسعى إلى إدخال الشعب السوري في نفق أشد ظلمة بكثير.

ليبيا، مع الاحترام لها ولشعبها، كانت خلال عقود من الزمن مسرحاً لهلوسات القذافي وأبنائه وزبانيته. وخلال العقود نفسها، كانت سوريا تتصدى لتشكيلة واسعة من المؤامرات التي كانت وما تزال تحاك ضدها وضد القضية العربية.

وقد تمرست بما فيه الكفاية في إحباط تلك المؤامرات. ومع نزول الشعب السوري برمته إلى الميدان، حدث الانعطاف الكبير الذي يرسم الآن تاريخ سوريا والمنطقة والعالم.

ذلك الإنسان يبدو جاهلاً بأن رفع القضية إلى مجلس الأمن سيقود حتماً إلى انهيار هذه المؤسسة بفعل ما أدى إليه صمود سوريا وجبهة الممانعة والمقاومة في المنطقة، من احتدام التناقضات داخلها وخارجها بين معسكر الشر الأميركي وبين روسيا والصين والعديد من القوى الدولية الوازنة الأخرى.

ويبدو جاهلاً بأن الحلف الأطلسي الذي يتدخل في أحيان كثيرة من دون قرار من مجلس الأمن أو من خلال التلاعب في تفسير قرارات هذا المجلس، هو الآن أعجز عن لملمة جراحاته، ناهيكم عن التعرض لسوريا لعلمه اليقين بأن هزيمته التي كلفت الشعب العراقي عشر سنوات طويلة من المقاومة ـ لكثرة الجراح التي كان أثخنه بها نظام صدام ـ لن تكلف الشعب السوري أكثر من عشر ساعات.

ويبدو جاهلاً بأن أميركا والحلف الأطلسي اللذين تنزها في ليبيا، ما كانا ليمتنعا عن فعل الشيء ذاته في سوريا لو كانا يمتلكان القدرة على ذلك.

ويبدو جاهلاً بأن أميركا والأطلسي لا يملكان أكثر من العربدة عبر التلويح بفتح حرب بالوكالة على سوريا تضطلع بها تركيا ودول الخليج وربما الأردن، على ضوء التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الملك عبد الله.

عندها ستكون براقش قد جنت على أهلها مرة ثانية... جناية لا نهوض لهم بعدها أبداً.

2011-11-17