ارشيف من :آراء وتحليلات
14 آذار وانتظار أوهام سقوط سوريا
حسان ابراهيم
الإنتظار سمة المرحلة لدى الفريقين في لبنان. الفريقان وما يرتبط بهما من جهات فرعية، ينتظران الآتي اقليمياً. ورغم اختلاف القدرة والإمكانات، إلا انه لا حراك فعليا في هذه المرحلة، سوى منسوب مرتفع من المشاكسة والسجالات الإعلامية، التي لا تسمن كثيراً.
مع ذلك، مرحلة الإنتظار، ليس انتظاراً كاملاً، أقله لجهة المقاومة وحلفائها. استعداد المقاومة لمواجهة سيناريوهات متطرفة، قد تكون استحقاق ما بعد فترة الإنتظار او خلالها، قائم ومتواصل. بل بحسب تعبيرات متداولة، وإن من غير منابعها المباشرة، لم يكن استعداد المقاومة مجمداً، كي يجري تحريكه وتعزيزه في هذه الفترة، ولم تكن المقاومة في يوم من الأيام، أكثر اطمئناناً لما لديها من قدرات عما هي عليه اليوم، في حال قرر الإسرائيلي المجازفة والمبادرة إلى شن اعتداء جديد. اما في الداخل، فيجري استثمار فترة الإنتظار لمعالجة مجموعة من الملفات العالقة منذ سنوات، بما يسمح به هامش الإئتلاف الحكومي، خارج اطر التباين القائمة، بين اطراف الحكومة وتعدد مركّباتها.
فريق 14 آذار، من جهته، لا يملك إلا أن يضع كل آماله وتطلعاته في سلة واحدة، ويقامر بها. بالنسبة اليه، المسألة تبدو كأنها لعبة انتظار وأمل في أن يحقق الآخرون مطالبهم، مع اقرار ضمني، بأن لا خيارات بديلة لديهم. ما يقدر عليه هذا الفريق فهو التمسك بزر من الورد، ونزع كل اوراقه، واحدة واحدة: يسقط النظام في سوريا، لا يسقط النظام في سوريا، مع الأمل بأن تكشف الورقة الأخيرة عن سقوطه. هذا كل ما يرونه من المشهد الإقليمي وتطوراته المتسارعة والمتداخلة.
الأمل لديهم، مركّب من ثلاث ركائز، وقائم على نظرية الإحتمال وعلم الحساب، بنسختيها اللتين كانتا متداولتين في العصر الطباشيري الأول. الركيزة الأولى، رغم اتضاح مسارات الأمور في الفترة الأخيرة، هي إحتمال إسقاط النظام في سوريا، وأن يجري استبداله بنظام آخر تابع للمحور الأميركي، كاحتمال قائم على الأول، وبالتالي نزع هذا البلد من محور الممانعة، ومن ثم اصطفافه إلى جانب اعداء المقاومة في لبنان، وهو أيضاً إحتمال ثالث، مبني على الأولين. الركيزة الثانية تستند إلى الركيزة الأولى، بأن يؤدي السقوط السوري، هذا إن حصل، إلى احتمال تراجع وتقوقع المقاومة دفاعياً جراء خسارة منبع من منابع القدرة لديها، وهذا أيضاً بدوره إن حصل. اما الركيزة الثالثة، وهي إحتمال مشكوك فيه، ويشارك في القلق حياله كل من الأميركي والإسرائيلي على حد سواء، بأن يكون لدى قوى 14 آذار، القدرة الفعلية على استغلال ضعف المقاومة المؤمل، والنجاح فعلياً في الإمساك بزمام الأمور في لبنان.
إذاً، هي ثلاث ركائز، كلها مبنية على آمال وعلى احتمالات. وضرب او تعثر اي منها، سيسقط المبنى بأكمله، وتضيع الآمال دفعة واحدة. في التفصيل، يمكن اثارة الأسئلة الآتية: هل ما يحدث في سوريا من ضغوط، داخلية وخارجية، قادر بالفعل على إسقاط النظام؟، علماً أن المرحلة الأخيرة كشفت ضعف هذه الضغوط على كثرتها، قياساً بمنعة النظام وما لديه هامش كبير في المناورة حيالها؟. أليست المقاربة العربية الاخيرة هي مقاربة المفلسين، بعد انتهاء الرهان على الفتن الداخلية في سوريا؟ أليست المقاربة العربية الاخيرة بديلا عن الخيار العسكري المتعذر؟ من ثم، هل سقوط النظام، على فرض ذلك، سيعني أن سوريا ستكون بالفعل ممسوكة بنظام آخر، ام يوجد في ذلك سيناريوهات مختلفة، للمرحلة التي تلي؟. من ثم، هل خسارة المقاومة لمنبع من منابعها، سيعني ضعفها وتقوقعها وتراجع قدراتها ومكانتها في لبنان؟ هل يعني ذلك أن المقاومة ستتواضع كثيراً أمام اعدائها إن حصل ذلك، وتحديدا أمام جهات لا تملك من القدرة شيئاً، سوى العامل الإقليمي وتغيراته؟. من ثم، هل هذه القوى، 14 آذار، قادرة بالفعل على استغلال النتيجة المؤملة من سلسلة الإحتمالات، كي تمسك بزمام الأمور في لبنان؟. على اي حال، في عالم الحساب والجبر والنظريات الرياضية، فإن الإحتمال القائم على إحتمال، والذي بدوره قائم على إحتمال آخر، وصولاً إلى مراتب وطبقات متعددة من الإحتمالات، لا يؤدي بالتأكيد الى نتيجة، أو في حد اقصى، الى عدم يقين.
إلا أن قوى 14 آذار والقائمين عليها، معذورون. راهنوا في السابق على زوال المقاومة كنتيجة لأي حدث أو إحتمال حدث، على كثرتها في الأعوام القليلة الماضية. من يرى أن قراراً اتهامياً، على سبيل المثال لا الحصر، كان بإمكانه إنهاء المقاومة واجتثاثها من لبنان، بل وأيضاً تخلي المقاومين عن قادتهم، فانه بالتأكيد سيتعلق بأي أمل، توافرت معطياته أم لم تتوافر.
ما بعد سقوط الرهانات الاقليمية، من البوابة السورية، الارجح انهم سيجدون سلة جديدة قديمة، يلقون فيها رهاناتهم. واللبنانيون، سيكونون ايضا ومن جديد، على موعد مع استئناف الحديث عن الحرب الاسرائيلية على لبنان، الامل الاخير في الجعبة.