ارشيف من :آراء وتحليلات
الأزمة السورية: الصراع على الموقع والدور هو الأساس
مصطفى الحاج علي
الأزمة السورية تخطت ما عداها في المنطقة، ولا يمر يوم إلا ويسجل دخول عامل إضافي عليها يزيدها حدة وتعقيداً، ويفتح الطريق أمام سلوكها مسارات صعبة، ما لم يتم ترسيم تسوية فعلية وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار مجمل مكوّنات هذه الأزمة، وما ظهر منها وما بطن، بدلاً من مقاربتها مقاربة تغلّب الجانب الشعاراتي بدلاً من المقاربات الجوهرية المحيطة بالأسباب والمصالح المتنوعة، ووفق أولويات أساسية.
في هذا الإطار، يمكن تسجيل جملة من الملاحظات التي تتصل بالتطورات الأخيرة لهذه الأزمة، وبما يسلط الضوء أكثر على خلفياتها وأبعادها، ويسهم في الكشف عن الضرورات اللازمة لمعالجتها:
أولاً: لا يمكن قراءة ما قامت به الجامعة العربية مؤخراً خصوصاً في اجتماعها الذي عقدته في القاهرة، وبرئاسة قطر التي ما فتئت تقدم نفسها طرفاً رئيسياً فيما يدور في سوريا، بمعزل عن السياق العام للتدخل الخارجي. ومن نافل القول إنه قد سبق التدخل العربي الرسمي تدخل خارجي قادته الولايات المتحدة وفرنسا غربياً، وقادته تركيا إقليمياً.
إلا أن هذا التدخل وصلت جهوده إلى الحائط المسدود بفعل الموقف الروسي والصيني، هذا الموقف الذي فرمل المسعى الهادف إلى تدويل الأزمة السورية عبر وضعها تحت وصاية مجلس الأمن وبإدارة أميركية ـ أوروبية مباشرة، كما رسم حدوداً لدور تركيا أيضاً لا سيما بإضافة العامل الإيراني إليه وغيره من العوامل أيضاً.
بناءً عليه، فالدخول العربي ـ الرسمي، وتحديداً بقاطرته الخليجية وعلى رأسها قطر، مستخدماً كل ما يملك من أوراق ضغط واستماتة، شكل البديل المناسب غربياً وتركياً لاستئناف الضغوط الدولية والإقليمية والعربية على روسيا، مع احتساب نقاط إضافية يختزنها البعد العربي نفسه لهذا التدخل.
ثانياً: ان المسار التصاعدي للضغوط على سوريا، والزج بكل الأوراق الممكنة والمتوافرة سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً وأمنياً واقتصادياً، كشف في الحقيقة عن جملة أمور رئيسية، هي:
أ ـ ان عامل الوقت بات عاملاً داهماً لمجمل التحالف الغربي (الأميركي تحديداً)، والتركي، والخليجي عموماً. وعامل الوقت يتصل بحسابات مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، والانتخابات في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وإعادة ترتيب الأولويات الأميركية والأوروبية لمصلحة التفرغ لمسار الأزمة الاقتصادية ـ المالية التي تكاد تصل إلى نقطة تهدد فيها نمط الحياة الغربي برمته، إضافة الى ضرورة الاطمئنان للمرحلة المقبلة في المنطقة، أي مرحلة ما بعد الثورات.
ب ـ ان هذا التحالف بات مستعجلاً لتحقيق أهدافه قبل فوات الأوان، لا سيما في ظل التراجع العام الذي شهدته مرتكزات هذا المحور داخل سوريا، واستمرار تمتع مرتكزات النظام بالقوة والثبات الكافيين للاستمرار.
ج ـ ان هذا التحالف لن يتراجع عن هدفه الاستراتيجي المتمثل بتجويف محور المقاومة والممانعة من وسطه، مهما تطلب منه ذلك من أقوال وأفعال وقرارات.
ثالثاً: من الواضح، أن الأزمة في سوريا، ونظراً الى موقع سوريا الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الحساس، وبالاستناد إلى مسار التدخل الخارجي فيها، تعدت أن تكون محض أزمة داخلية، أو خلافاً على إصلاحات هنا أو هناك، أو مجرد قضية مطالب بمعزل عن أبعادها وعمقها ومدى أحقيتها، الى كونها صراعاً على موقع سوريا ودورها في المنطقة، وطالما كان هذا الصراع قائماً، ويكفي الرجوع هنا فقط إلى عام 2001، أي إلى تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق، ومراجعة لوائح المطالب الأميركية في سوريا، وحتى لوائح المطالب الخليجية منها لا سيما السعودية، حيث القاسم المشترك فيها هو ضرورة أن يغير النظام موقعه ودوره تارة بالمباشرة، وتارة تحت عنوان دعوة النظام إلى تغيير سلوكه.
بكلمة أخرى، من الصعب، بل من المستحيل اليوم الفصل أو التفكيك بين الأبعاد الداخلية للأزمة السورية والأبعاد الخارجية، والتداخل بين الاثنين هو مصدر الكثير من التباسية الأزمة، وتعقيداتها أيضاً، الأمر الذي يفرض بدوره أن يأخذ أي حل طريقه عبر هذه الأبعاد مجتمعة، بمعنى أن يوازن بين معادلة الداخل والخارج، وهنا تحديداً مكمن امتحان الوطنية الحقة لأي معارضة مهما كانت مطالبها الداخلية محقة، ومن هنا أيضاً الدفع الروسي والصيني والإيراني، وكل الغيارى على موقع سوريا القوي والمقاوم، بأن يكون الحوار بين النظام والمعارضة وكف يد الخارج لا سيما الأميركي وأدواته في المنطقة عن التدخل، هو المدخل للخروج من أفق المشكلة إلى أفق الحل المنشود، وما عدا ذلك لن يكون إلا طريقاً وحيداً لدفع الأزمة نحو فضاء المجهول والخيارات المدمرة للجميع.
ومن يركب اليوم الحصان الأميركي وأدواته ظناً منه أنه سيوصله الى السلطة، فهو إنما يركب صهوة جواد ليس بيده زمامه، وليس هو فارسه.
وفي مطلق الأحوال، فإن طغيان التدخل الخارجي اليوم في الأزمة السورية، إنما يؤكد أن الهدف الرئيسي من كل ما يجري في سوريا هو موقعها ودورها.
رابعاً: ان المعادلة الدولية ـ الإقليمية ـ الداخلية التي تحكم الأزمة السورية اليوم تؤثر على اقترابها من نهاياتها، بل إن أمامها معركة شد حبال وعض للأصابع قاسية قد تطول لأشهر إضافية، وعنوانها الأساسي امتحان قدرة كل طرف من أطرافها لمدى قوته وثباته وتأثيره في مجريات الأمور.
خامساً: ان بعض المؤشرات التي تلوح في الأفق تشي بتضمّن الأزمة السورية احتمالات خطرة لن تقف تفاعلاتها داخل حدود الجيوبوليتيك السوري، فالعودة القوية إلى احتمال انتزاع جزء من سوريا لتحويله الى ما يسمى بالمنطقة الآمنة مع تعويل أساسي على دور تلعبه تركيا الآن، ستعني دخولاً تركياً عملانياً ومباشراً وصريحاً في الأزمة السورية ما قد يستدعي بدوره تدخلات أخرى إقليمية أو دولية، ولن تساهم في حل الأزمة، بقدر ما ستزيدها تعقيداً، ولا سيما أنها قد تضع سوريا نفسها على مسار من التفكيك والتقسيم، وكذلك الكلام المتزايد عن عنف طائفي يذكّرنا بالعنف الذي شهده لبنان إبان الحرب الأهلية، هو بدوره مؤشر خطر على احتمال تدحرج الأمور نحو حربٍ أهلية.
سادساً: خلاصة القول هنا، إن الأزمة السورية باتت تحتضن في داخلها بذوراً قوية لاحتمالات ومسارات مختلفة. وثمة سباق فعلي بين مجمل هذه الخيارات، في ظل عامل حساس ودقيق للوقت، ما يفرض على الجميع تدارك الأمور قبل فوات الأوان، ولمصلحة سوريا كل سوريا.
في هذا الإطار، يمكن تسجيل جملة من الملاحظات التي تتصل بالتطورات الأخيرة لهذه الأزمة، وبما يسلط الضوء أكثر على خلفياتها وأبعادها، ويسهم في الكشف عن الضرورات اللازمة لمعالجتها:
أولاً: لا يمكن قراءة ما قامت به الجامعة العربية مؤخراً خصوصاً في اجتماعها الذي عقدته في القاهرة، وبرئاسة قطر التي ما فتئت تقدم نفسها طرفاً رئيسياً فيما يدور في سوريا، بمعزل عن السياق العام للتدخل الخارجي. ومن نافل القول إنه قد سبق التدخل العربي الرسمي تدخل خارجي قادته الولايات المتحدة وفرنسا غربياً، وقادته تركيا إقليمياً.
إلا أن هذا التدخل وصلت جهوده إلى الحائط المسدود بفعل الموقف الروسي والصيني، هذا الموقف الذي فرمل المسعى الهادف إلى تدويل الأزمة السورية عبر وضعها تحت وصاية مجلس الأمن وبإدارة أميركية ـ أوروبية مباشرة، كما رسم حدوداً لدور تركيا أيضاً لا سيما بإضافة العامل الإيراني إليه وغيره من العوامل أيضاً.
عامل الوقت بات عاملاً داهماً لمجمل التحالف الغربي (الأميركي تحديداً) ، والتركي، والخليجي عموماً |
ثانياً: ان المسار التصاعدي للضغوط على سوريا، والزج بكل الأوراق الممكنة والمتوافرة سياسياً وديبلوماسياً وإعلامياً وأمنياً واقتصادياً، كشف في الحقيقة عن جملة أمور رئيسية، هي:
أ ـ ان عامل الوقت بات عاملاً داهماً لمجمل التحالف الغربي (الأميركي تحديداً)، والتركي، والخليجي عموماً. وعامل الوقت يتصل بحسابات مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، والانتخابات في كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وإعادة ترتيب الأولويات الأميركية والأوروبية لمصلحة التفرغ لمسار الأزمة الاقتصادية ـ المالية التي تكاد تصل إلى نقطة تهدد فيها نمط الحياة الغربي برمته، إضافة الى ضرورة الاطمئنان للمرحلة المقبلة في المنطقة، أي مرحلة ما بعد الثورات.
ب ـ ان هذا التحالف بات مستعجلاً لتحقيق أهدافه قبل فوات الأوان، لا سيما في ظل التراجع العام الذي شهدته مرتكزات هذا المحور داخل سوريا، واستمرار تمتع مرتكزات النظام بالقوة والثبات الكافيين للاستمرار.
ج ـ ان هذا التحالف لن يتراجع عن هدفه الاستراتيجي المتمثل بتجويف محور المقاومة والممانعة من وسطه، مهما تطلب منه ذلك من أقوال وأفعال وقرارات.
ثالثاً: من الواضح، أن الأزمة في سوريا، ونظراً الى موقع سوريا الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الحساس، وبالاستناد إلى مسار التدخل الخارجي فيها، تعدت أن تكون محض أزمة داخلية، أو خلافاً على إصلاحات هنا أو هناك، أو مجرد قضية مطالب بمعزل عن أبعادها وعمقها ومدى أحقيتها، الى كونها صراعاً على موقع سوريا ودورها في المنطقة، وطالما كان هذا الصراع قائماً، ويكفي الرجوع هنا فقط إلى عام 2001، أي إلى تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق، ومراجعة لوائح المطالب الأميركية في سوريا، وحتى لوائح المطالب الخليجية منها لا سيما السعودية، حيث القاسم المشترك فيها هو ضرورة أن يغير النظام موقعه ودوره تارة بالمباشرة، وتارة تحت عنوان دعوة النظام إلى تغيير سلوكه.
بكلمة أخرى، من الصعب، بل من المستحيل اليوم الفصل أو التفكيك بين الأبعاد الداخلية للأزمة السورية والأبعاد الخارجية، والتداخل بين الاثنين هو مصدر الكثير من التباسية الأزمة، وتعقيداتها أيضاً، الأمر الذي يفرض بدوره أن يأخذ أي حل طريقه عبر هذه الأبعاد مجتمعة، بمعنى أن يوازن بين معادلة الداخل والخارج، وهنا تحديداً مكمن امتحان الوطنية الحقة لأي معارضة مهما كانت مطالبها الداخلية محقة، ومن هنا أيضاً الدفع الروسي والصيني والإيراني، وكل الغيارى على موقع سوريا القوي والمقاوم، بأن يكون الحوار بين النظام والمعارضة وكف يد الخارج لا سيما الأميركي وأدواته في المنطقة عن التدخل، هو المدخل للخروج من أفق المشكلة إلى أفق الحل المنشود، وما عدا ذلك لن يكون إلا طريقاً وحيداً لدفع الأزمة نحو فضاء المجهول والخيارات المدمرة للجميع.
ومن يركب اليوم الحصان الأميركي وأدواته ظناً منه أنه سيوصله الى السلطة، فهو إنما يركب صهوة جواد ليس بيده زمامه، وليس هو فارسه.
وفي مطلق الأحوال، فإن طغيان التدخل الخارجي اليوم في الأزمة السورية، إنما يؤكد أن الهدف الرئيسي من كل ما يجري في سوريا هو موقعها ودورها.
رابعاً: ان المعادلة الدولية ـ الإقليمية ـ الداخلية التي تحكم الأزمة السورية اليوم تؤثر على اقترابها من نهاياتها، بل إن أمامها معركة شد حبال وعض للأصابع قاسية قد تطول لأشهر إضافية، وعنوانها الأساسي امتحان قدرة كل طرف من أطرافها لمدى قوته وثباته وتأثيره في مجريات الأمور.
خامساً: ان بعض المؤشرات التي تلوح في الأفق تشي بتضمّن الأزمة السورية احتمالات خطرة لن تقف تفاعلاتها داخل حدود الجيوبوليتيك السوري، فالعودة القوية إلى احتمال انتزاع جزء من سوريا لتحويله الى ما يسمى بالمنطقة الآمنة مع تعويل أساسي على دور تلعبه تركيا الآن، ستعني دخولاً تركياً عملانياً ومباشراً وصريحاً في الأزمة السورية ما قد يستدعي بدوره تدخلات أخرى إقليمية أو دولية، ولن تساهم في حل الأزمة، بقدر ما ستزيدها تعقيداً، ولا سيما أنها قد تضع سوريا نفسها على مسار من التفكيك والتقسيم، وكذلك الكلام المتزايد عن عنف طائفي يذكّرنا بالعنف الذي شهده لبنان إبان الحرب الأهلية، هو بدوره مؤشر خطر على احتمال تدحرج الأمور نحو حربٍ أهلية.
سادساً: خلاصة القول هنا، إن الأزمة السورية باتت تحتضن في داخلها بذوراً قوية لاحتمالات ومسارات مختلفة. وثمة سباق فعلي بين مجمل هذه الخيارات، في ظل عامل حساس ودقيق للوقت، ما يفرض على الجميع تدارك الأمور قبل فوات الأوان، ولمصلحة سوريا كل سوريا.