ارشيف من :آراء وتحليلات
الأخوة تناليان "عصابة كابوني لبنان".. لإرهاب المجتمع المسيحي أم لتهجير المسلمين؟
محمد الحسيني
يتحدث التاريخ عن "نابغة" إيطالي في عالم القتل و"فيلسوف" في الجريمة المتسلسلة يدعى "لاكي لوتشيانو" تخرّج على يديه العشرات من محترفي الجريمة كان أبرزهم إيطالي آخر يدعى "آل كابوني" هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية ولم يكمل عامه الدراسي السادس لطرده من المدرسة لكثرة اعتدائه على أساتذته وزملائه، وروّع هذا السفّاح المجتمع الأميركي إلى أن أُعدم، فما كان من أخيه "فرانك" إلا أن تابع مسيرة القتل بحيث وصل عدد ضحاياه إلى خمسمئة من أعداء أخيه، أما والدته فكانت فخورة بأنها أنجبت أشهر مجرمي العصر الحديث وأكثرهم شراسة.
أسبقيات قتل وسرقة ومخدّرات
ألقت القوى الأمنية القبض على "شباب الليل" الأخوة الخمسة ميشال وجورج وعزيز وموسى وموريس مع والدتهم زهرة بو حنا، وتركّزت الاتهامات على الأخوين ميشال وجورج اللذين اعترفا بتنفيذ عمليات القتل. وعُلم أن ميشال كان مقاتلاً في "القوات اللبنانية" قبل أن يتقاعد، وبعض أخوته يتعاطى المخدرات، ولثلاثة منهم أسبقيات في القتل والسرقة، وكانوا نزلاء في سجن رومية. أما ضحايا الإجرام المتسلسل فهم: السائق رجا رامز كشيك (سوري)، علي فتاح هلال أحمد (إيراني)، جثة رجل مجهول، السائق حسين مصطفى حمزة (لبناني)، ألبير رامز النشار (لبناني)، السائق شاكر سعيد عبد النور (لبناني)، السائق أحمد حسين عبد الله (لبناني)، العريف في الجيش زياد هاني ديب، سائق التاكسي آغوب يعقوبيان، إضافة إلى جارتهم في المحلة ملكة توفيق.
القائد والملهم
ويبدو أن أسرة كابوني الإيطالية ألهمت أسرة ناتاليان اللبنانية، التي احترفت القتل بدم بارد، واتخذت شقة في أحد أحياء منطقة النبعة في ضاحية بيروت الشرقية مركزاً للجريمة يمتلئ برائحة الدم الممزوجة بالمخدّرات والمشروبات الكحولية وسط سلسلة من الصور الشخصية التي تخلّد "أبطال" هذه الأسرة، وأبرز هذه الصور واحدة تحمل رسم الملهم الأول لأسرة "كابوني لبنان" والقائد الميليشياوي الفذّ ورائد الحرب الأهلية والمنظّر التاريخي لمشروع التقسيم والفدرلة وحاكم حواجز القتل على الهوية ومطلق شعار دولة لبنان المسيحية من المدفون إلى نهر الكلب...
استهداف المجتمع المسيحي
سرعان ما كثرت التحليلات قبل أن تتكشف تفاصيل التحقيقات، فمنها ما اعتبر أن أسباب ارتكاب هذه الجرائم قد تكون ناجمة عن اضطرابات نفسية وعصبية، ومنها ما ذهب إلى اعتبار أنها تهدف إلى إحداث البلبلة والذعر في المجتمع اللبناني، والمسيحي على وجه الخصوص، ومنها ما ردّ الأسباب إلى ارتكاب السرقة والقتل بطريقة احترافية وإبقاء مبلغ زهيد من المال في جيوب الضحايا لإبعاد فرضية السرقة، أما الرصاصة في الصدغ فهي للتأكد من موت الضحية وضمان إسكاتها وتلافي انكشاف الفاعلين.
لا يمكن الإنكار أو التقليل من أهمية الإنجاز الذي حققته الأجهزة الأمنية في كشف الفاعلين، والنجاح في وقف مسلسل القتل عند حدود اثنتي عشرة ضحية، والواجب تقدير الجهد الذي بذلته هذه الأجهزة في التحرّك الميداني بالأساليب المختلفة، ولكن الذي يجدر التوقف عنده هو المحاولة الاستباقية لتجيير هذه الجرائم ووضعها في خانة التوظيف السياسي والسعي إلى قولبتها طائفياً، ولا سيما في الإشارة الخبيثة إلى أن الجرائم تهدف إلى إرهاب المجتمع المسيحي، وقد يكون الانتماء الطائفي والسياسي للمجرمين وتوزع الانتماء الديني للضحايا، الذي تكشّف بعد إلقاء القبض عليهم قد ساهم في وأد هذه المساعي قبل استفحالها.
ماذا لو؟
وأمام محاولات التوظيف المشبوه لواحدة من المآسي الكبيرة التي يمر بها المجتمع اللبناني يُطرح سيناريو مختلف: ماذا لو كان المجرمون لبنانيين أو سوريين مسلمين؟ ماذا لو كانوا فلسطينيين أو إيرانيين؟ ماذا لو كان كل الضحايا مسيحيين أو من طائفة غير مسلمة؟ ماذا لو كان الضحايا من لون سياسي واحد أو ينتمون إلى جهاز رسمي؟ ماذا لو كانت شقة "عصابة كابوني لبنان" موجودة في الضاحية الجنوبية أو في أحد أحياء المناطق الشيعية، وليس في محلّة يغلب عليها التنوع الطائفي كالنبعة؟ ماذا لو كان هؤلاء معروفين بأداء طقوس دينية غير طقوس الدعارة و"الحياة النسائية الصاخبة"؟
من ميليس إلى الجبير
الذي كان سيحصل ـ في حال أجاب السيناريو عن هذه الأسئلة ـ هو أن الأصوات، التي ما انفكّت تسعّر الفتنة والشقاق المذهبي في لبنان منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وحتى اليوم، ستجنّد كل أبواقها لصمّ الآذان ورشق التصريحات النارية وتلفيق الاتهامات وحياكة الروايات البوليسية على غرار روايات ديتليف ميليس وزهير الصدّيق وباقي رموز هوليوود في فريق المحكمة الدولية، ولن يكون مستغرباً أن يتدخل مجلس الأمن ليضم هذا الملف إلى قضية استشهاد الحريري باعتبار أن "محور الشر" الشيعي – الإيراني هو الذي يقف وراء مؤامرة ضرب وحدة لبنان الوطنية، وسيكون هذا الملف فيلماً آخر على غرار فيلم قضية اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير.
تهجير المسلمين مجدداً.
والحال هذه، ألا يصح في المقابل طرح التساؤل إذا كان هدف هذه الجرائم ترويع المجتمع الإسلامي؟ ماذا لو كان الهدف من هذه الجرائم ترويع المسلمين في سياسة جديدة – قديمة لتهجيرهم من منازلهم وتفريغ المنطقة، على غرار الجرائم التي ارتُكبت في النبعة وانطلياس وحارة الغوارنة وساحل المتن خلال الحرب الأهلية على يد ميليشيا الكتائب آنذاك؟
مجرمون.. والأكثر إجراماً
إن جريمة "عصابة كابوني لبنان" لم تأخذ الانتماء الطائفي للضحايا بعين الاعتبار، والقاتل لم يُشغِل قلبه في التفتيش عن زاوية رحمة، بل كان عمى السرقة وهوس تمويل حفلات المجون والعربدة يدفع القتلة لاستسهال الضغط على زناد الإعدام، ولكن من أهم أكثر إجراماً من أسرة تناليان هؤلاء الذين يتحيّنون أدنى فرصة لضرب تيار المقاومة والممانعة بأي ذريعة كانت، حتى لو كانت هذه الذريعة حمقاء كما كلماتهم ومواقفهم، ويبدو أن أنظارهم قد فقدت وجهتها الجنوبية حيث يتربص عدوّ إسرائيلي بلبنان، وباتوا رهينة الانقياد الأعمى للريموت كونترول الأميركي ورسائل الـ sms من الداخل ومن وراء البحار ولا يعلمون لغدهم عنواناً.
يتحدث التاريخ عن "نابغة" إيطالي في عالم القتل و"فيلسوف" في الجريمة المتسلسلة يدعى "لاكي لوتشيانو" تخرّج على يديه العشرات من محترفي الجريمة كان أبرزهم إيطالي آخر يدعى "آل كابوني" هاجرت عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية ولم يكمل عامه الدراسي السادس لطرده من المدرسة لكثرة اعتدائه على أساتذته وزملائه، وروّع هذا السفّاح المجتمع الأميركي إلى أن أُعدم، فما كان من أخيه "فرانك" إلا أن تابع مسيرة القتل بحيث وصل عدد ضحاياه إلى خمسمئة من أعداء أخيه، أما والدته فكانت فخورة بأنها أنجبت أشهر مجرمي العصر الحديث وأكثرهم شراسة.
أسبقيات قتل وسرقة ومخدّرات
ألقت القوى الأمنية القبض على "شباب الليل" الأخوة الخمسة ميشال وجورج وعزيز وموسى وموريس مع والدتهم زهرة بو حنا، وتركّزت الاتهامات على الأخوين ميشال وجورج اللذين اعترفا بتنفيذ عمليات القتل. وعُلم أن ميشال كان مقاتلاً في "القوات اللبنانية" قبل أن يتقاعد، وبعض أخوته يتعاطى المخدرات، ولثلاثة منهم أسبقيات في القتل والسرقة، وكانوا نزلاء في سجن رومية. أما ضحايا الإجرام المتسلسل فهم: السائق رجا رامز كشيك (سوري)، علي فتاح هلال أحمد (إيراني)، جثة رجل مجهول، السائق حسين مصطفى حمزة (لبناني)، ألبير رامز النشار (لبناني)، السائق شاكر سعيد عبد النور (لبناني)، السائق أحمد حسين عبد الله (لبناني)، العريف في الجيش زياد هاني ديب، سائق التاكسي آغوب يعقوبيان، إضافة إلى جارتهم في المحلة ملكة توفيق.
القائد والملهم
ويبدو أن أسرة كابوني الإيطالية ألهمت أسرة ناتاليان اللبنانية، التي احترفت القتل بدم بارد، واتخذت شقة في أحد أحياء منطقة النبعة في ضاحية بيروت الشرقية مركزاً للجريمة يمتلئ برائحة الدم الممزوجة بالمخدّرات والمشروبات الكحولية وسط سلسلة من الصور الشخصية التي تخلّد "أبطال" هذه الأسرة، وأبرز هذه الصور واحدة تحمل رسم الملهم الأول لأسرة "كابوني لبنان" والقائد الميليشياوي الفذّ ورائد الحرب الأهلية والمنظّر التاريخي لمشروع التقسيم والفدرلة وحاكم حواجز القتل على الهوية ومطلق شعار دولة لبنان المسيحية من المدفون إلى نهر الكلب...
استهداف المجتمع المسيحي
سرعان ما كثرت التحليلات قبل أن تتكشف تفاصيل التحقيقات، فمنها ما اعتبر أن أسباب ارتكاب هذه الجرائم قد تكون ناجمة عن اضطرابات نفسية وعصبية، ومنها ما ذهب إلى اعتبار أنها تهدف إلى إحداث البلبلة والذعر في المجتمع اللبناني، والمسيحي على وجه الخصوص، ومنها ما ردّ الأسباب إلى ارتكاب السرقة والقتل بطريقة احترافية وإبقاء مبلغ زهيد من المال في جيوب الضحايا لإبعاد فرضية السرقة، أما الرصاصة في الصدغ فهي للتأكد من موت الضحية وضمان إسكاتها وتلافي انكشاف الفاعلين.
لا يمكن الإنكار أو التقليل من أهمية الإنجاز الذي حققته الأجهزة الأمنية في كشف الفاعلين، والنجاح في وقف مسلسل القتل عند حدود اثنتي عشرة ضحية، والواجب تقدير الجهد الذي بذلته هذه الأجهزة في التحرّك الميداني بالأساليب المختلفة، ولكن الذي يجدر التوقف عنده هو المحاولة الاستباقية لتجيير هذه الجرائم ووضعها في خانة التوظيف السياسي والسعي إلى قولبتها طائفياً، ولا سيما في الإشارة الخبيثة إلى أن الجرائم تهدف إلى إرهاب المجتمع المسيحي، وقد يكون الانتماء الطائفي والسياسي للمجرمين وتوزع الانتماء الديني للضحايا، الذي تكشّف بعد إلقاء القبض عليهم قد ساهم في وأد هذه المساعي قبل استفحالها.
ماذا لو؟
وأمام محاولات التوظيف المشبوه لواحدة من المآسي الكبيرة التي يمر بها المجتمع اللبناني يُطرح سيناريو مختلف: ماذا لو كان المجرمون لبنانيين أو سوريين مسلمين؟ ماذا لو كانوا فلسطينيين أو إيرانيين؟ ماذا لو كان كل الضحايا مسيحيين أو من طائفة غير مسلمة؟ ماذا لو كان الضحايا من لون سياسي واحد أو ينتمون إلى جهاز رسمي؟ ماذا لو كانت شقة "عصابة كابوني لبنان" موجودة في الضاحية الجنوبية أو في أحد أحياء المناطق الشيعية، وليس في محلّة يغلب عليها التنوع الطائفي كالنبعة؟ ماذا لو كان هؤلاء معروفين بأداء طقوس دينية غير طقوس الدعارة و"الحياة النسائية الصاخبة"؟
من ميليس إلى الجبير
الذي كان سيحصل ـ في حال أجاب السيناريو عن هذه الأسئلة ـ هو أن الأصوات، التي ما انفكّت تسعّر الفتنة والشقاق المذهبي في لبنان منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وحتى اليوم، ستجنّد كل أبواقها لصمّ الآذان ورشق التصريحات النارية وتلفيق الاتهامات وحياكة الروايات البوليسية على غرار روايات ديتليف ميليس وزهير الصدّيق وباقي رموز هوليوود في فريق المحكمة الدولية، ولن يكون مستغرباً أن يتدخل مجلس الأمن ليضم هذا الملف إلى قضية استشهاد الحريري باعتبار أن "محور الشر" الشيعي – الإيراني هو الذي يقف وراء مؤامرة ضرب وحدة لبنان الوطنية، وسيكون هذا الملف فيلماً آخر على غرار فيلم قضية اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير.
تهجير المسلمين مجدداً.
والحال هذه، ألا يصح في المقابل طرح التساؤل إذا كان هدف هذه الجرائم ترويع المجتمع الإسلامي؟ ماذا لو كان الهدف من هذه الجرائم ترويع المسلمين في سياسة جديدة – قديمة لتهجيرهم من منازلهم وتفريغ المنطقة، على غرار الجرائم التي ارتُكبت في النبعة وانطلياس وحارة الغوارنة وساحل المتن خلال الحرب الأهلية على يد ميليشيا الكتائب آنذاك؟
مجرمون.. والأكثر إجراماً
إن جريمة "عصابة كابوني لبنان" لم تأخذ الانتماء الطائفي للضحايا بعين الاعتبار، والقاتل لم يُشغِل قلبه في التفتيش عن زاوية رحمة، بل كان عمى السرقة وهوس تمويل حفلات المجون والعربدة يدفع القتلة لاستسهال الضغط على زناد الإعدام، ولكن من أهم أكثر إجراماً من أسرة تناليان هؤلاء الذين يتحيّنون أدنى فرصة لضرب تيار المقاومة والممانعة بأي ذريعة كانت، حتى لو كانت هذه الذريعة حمقاء كما كلماتهم ومواقفهم، ويبدو أن أنظارهم قد فقدت وجهتها الجنوبية حيث يتربص عدوّ إسرائيلي بلبنان، وباتوا رهينة الانقياد الأعمى للريموت كونترول الأميركي ورسائل الـ sms من الداخل ومن وراء البحار ولا يعلمون لغدهم عنواناً.