ارشيف من :آراء وتحليلات

التهديدات إلى إيران وسوريا... تهويلات للتغطية على العجز والفشل!

التهديدات إلى إيران وسوريا... تهويلات للتغطية على العجز والفشل!
عقيل الشيخ حسين

ما يفسر الحملة الحالية التي يشنها محور الشر الأميركي على سوريا وإيران، ليس العنف الذي تُتهم سوريا بممارسته ضد مواطنين عزل، ولا القنبلة النووية التي يُشتبه بأن إيران تسعى إلى صنعها، ولا الطبيعة الديكتاتورية التي تلصق بالنظامين الحاكمين في البلدين المذكورين.

فمحور الشر الأميركي هو في الواقع آخر من يحق له إعطاء الدروس في هذا المجال. يكفي بين ما لا يحصى من أمثلة أن نشير إلى عشرات الملايين من الهنود الحمر الذين أبيدوا على أيدي الآباء المؤسسين للولايات المتحدة... وإلى تجارة العبيد الأفارقة التي مارستها القوى الاستعمارية التي يطلق عليها اليوم اسم الاتحاد الأوروبي... وإلى القنابل الذرية التي ألقتها على المدن اليابانية القوة التي تزعم الدفاع عن الحريات والحقوق في العالم... وإلى اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة... وإلى تدمير اقتصادات العالم الثالث عن طريق إصلاحات صندوق النقد والبنك الدوليين، وبعدها تدمير اقتصادات البلدان المتقدمة عن طريق العقائد النيوليبرالية في الرأسمالية المتوحشة.

ولا تقل نفاقاً ومكراً تلك المواقف من البرنامج النووي السلمي الإيراني من قبل بلدان تمتد من الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني، مروراً بفرنسا وبريطانيا... وهي البلدان التي تمتلك عشرات الألوف من الرؤوس النووية التي يكفي قسم ضئيل منها لتدمير مئة أو ألف كوكب ككوكبنا.

أو تلك الديكتاتورية التي يهاجمها اليوم ملوك وأمراء وسلاطين ومشايخ يحكمون بلدانهم من دون أية دستاتير، وبالاستناد الحصري إلى شرعية منحت إليهم من قبل حماتهم الغربيين.

الحملة الموجهة ضد إيران وسوريا والتي يرافقها قرع طبول الحرب ليس هدفها حماية المدنيين السوريين ولا الدفاع عن العالم في وجه التهديد النووي الإيراني المزعوم.

هذه الحملة ليست غير تعبير عن إرادة السيطرة، ولا هدف لها غير خدمة التطلعات التوسعية التقليدية لغرب يُسلس القياد لحكم قلة من المجمعات المالية والعسكرية المغرقة في توجهاتها الفاشية أكثر من أي وقت مضى.

ولكن الفرق كبير الآن بين الزمن الذي كان من الممكن فيه للمستعمرين أن يستفيدوا من قوتهم العسكرية ومن بؤس الشعوب ليقيموا بسهولة إمبراطورياتهم المترامية الأطراف، وببن الزمن الحالي بسمته المميزة المتمثلة بالانهيار المريع لهذا الغرب الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت ثقل هزائمه العسكرية في منطقتنا وأزماته الاقتصادية في عقر داره.

بعد الهزائم في لبنان وغزة التي منى بها الجيش الإسرائيلي الذي قالت الخرافة بأنه لا يهزم، نعيش الآن في زمن هزيمة الأميركيين في أفغانستان والعراق.

من كان يمكنه أن يتصور، بعد عشر سنوات من انهيار منافسها وخصمها السوفياتي، وفي وقت كانت واشنطن جادة فيه لتهيئة شروط إقامة نظامها العالمي الجديد، بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يمكن لهم أن يجدوا أنفسهم، بعد غزو أفغانستان والعراق، في هذا الوضع الكارثي الذي يعترف به ما لا يحصى من الاستراتيجيين الأميركيين والغربيين؟

إذ بدل إقامة نظام "ديموقراطي" مزعوم في عراق خاضع للسيطرة الأميركية، لم يبق أمام جيش الاحتلال الأميركي الذي بقي وحده بعد انسحاب حلفائه الواحد تلو الآخر، غير الرحيل تاركاً وراءه بلداً من الصحيح أنه مهشم. لكنه أيضاً يمتلك قدرات بشرية واستراتيجية هائلة بدأت تأخذ طريقها نحو خدمة قضايا الأمة. فالعراق ينضم الآن إلى معسكر الصمود في المنطقة، ويقيم الارتباط جغرافياً بين إيران وسوريا ولبنان لتتشكل بذلك جبهة ضخمة ومتراصة على احتكاك مباشر مع حدود فلسطين المحتلة، ولتنقلب موازين القوى في منطقة تمتد حول منطقة الخليج من البحر الأسود إلى بحر عمان والبحر الأحمر.

مع المعطيات الجديدة، يتحول الكارثي إلى شيء مثير للجنون بالنسبة للأميركيين الذين يعرفون بأن جيوشهم التي يسحبونها من العراق ليعيدوا نشرها في بلدان الخليج لا تملك أكثر من أن تكون طعماً للنيران في أقل مواجهة مع الإيرانيين... وذلك من دون الحديث عن مضيق هرمز الذي تمر فيه 40 بالمئة من إمدادات العالم النفطية.

وفي الوقت الذي لا تقدّم فيه إيران إلا إجابات سلبية على توسلات الأميركيين الذين يتسولون، بهدف حفظ ماء الوجه، إقامة حوار مباشر أو خط هاتفي أحمر مع إيران، لم يبق للأميركيين وحلفائهم غير مراكمة التهديدات بضرب سوريا وإيران.

في الوقت نفسه يخفون عجزهم ويصطنعون وضعيات انتصارية عبر العروضات المطولة لأشباه المآثر الحربية التي تتركز على عمليات مشبوهة يتوجونها بأسر صدام حسين، أو بقتل بن لادن والقذافي أو بأسر نجل الأخير سيف الإسلام.

إذا ما حدثت تدخلات عسكرية في سوريا أو إيران، فإن هذه التدخلالت لن تفضي إلى شرق أوسط جديد وحسب، بل أيضاً إلى نظام عالمي جديد، لكنه يقع في الجهة الأخرى المقابلة لهلوسات الأميركيين.
2011-11-21