ارشيف من :آراء وتحليلات
الإصلاح في سوريا من حاجة الى ضرورة
لؤي توفيق حسن (*)
حتى الآن يبدو ان الإصلاح المطلوب في سوريا هو الخاسر الكبير في هذه المعمعة. إدعته في البداية المعارضة، ثم تبنته السلطة. لكن الإصلاح أخذ يتوارى خلف شعاراتٍ جديدة. المعارضة تنادي بـ "اسقاط الرئيس" كمدخل للإصلاح. والموالاة تتحدث عن أولوية "مواجهة المؤامرة". والإصلاح آتٍ فيما بعد بحسب الظروف.
معارضة الخارج لم يعد يعنيها إلا ان ترى الرئيس بشار الأسد خارج سدة الحكم. تشي بذلك ما تقترحه من (حلول) تبدأ كلها (بتنحي الرئيس) كشرط لازم (للحوار) حتى لو جاء البديل من النظام نفسه!، في إطار ما اسمتها: " مرحلة انتقالية" لإعداد دستور جديد مع ان هذا الامر قد تجاوزته الاحداث بعدما سلك طريقه الى التنفيذ نوعاً ما.
لا بد من الإشارة وفي ذات السياق ان مصطلح: (المعارضة) بات يأخذ مع الوقت طابعاً شمولياً ـ مع الأسف ـ بعد ان كنا في ما مضى نجد مسافة بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج. هذه الأخيرة توحدت تحت ما يسمى: " المجلس الإنتقالي السوري"، فيما معارضة الداخل او جُلها ـ توخياً للدقة ـ باتت تبحث عن صيغة للتنسيق مع المجلس المذكور!! بالرغم من انها ضمناً غير مطمئنة له بعد مطالباته بالتدخل الخارجي. انها تحاول ان تتمايز عنه برفضها هذا التدخل، مع المجاهرة بأنها تتقاطع معه في المطلب بـ "اسقاط النظام"!!. الأمر الذي أثار شبهة البعض للاعتقاد بأن هذا الرفض ما هو إلا نوعٌ من (تخليصٍ للذمة)! لا أكثر، بينما القاصي والداني يعلم علم اليقين بأن " إسقاط النظام" بهذا الشكل الحاد، ومع هذا الأصطفاف الدولي والإقليمي يعني ولوج شوطٍ سيفضي إلى التدخل الخارجي!.
لا ينكر اولئك من معارضي الداخل بأن تداعيات التدخل الخارجي أخطر بكثير من بقاء النظام على "مثالبه". ولا ينفون ان "المجلس الإنتقالي" مرتبط بأجندات خارجية. ومع ذلك عندما يُسْألون: لماذا لا تحسموا أمركم بتطليقه؟. يصدمك الجواب ان ذلك "سيحرقنا في الشارع" !!.
فما هو مبعث الإحراج يا ترى؟!.
سيجد المتقصي بأن مصدره ان هذه المعارضة بالرغم من رفضها للتدخل الخارجي وبالرغم من عدم ارتياحها لـ " المجلس الإنتقالي السوري"، لا يوجد بين يديها مادة تقنع بها شارعها، وتتيح لها هامشاً للمساجلة في هذا الجو المفعم برائحة الدم. والسبب تتحمله السلطة بوصفها الجهة المسؤولة التي عليها ان تتلقف منذ البداية مواقف هذه المعارضة بطريقة عملية، وبنسقٍ اصلاحي عالي الوتيرة تتجاوز فيه النوايا الورقية المعلنة الى حقائق ملموسة على ارض الواقع. ولعل هذا بالتحديد قد أعطى" المجلس الإنتقالي" أفضل المناخات ليكون عملياً قاطرة لما عداها من معارضات، ومستحوذاً على الصورة بالآن عينه.
الصورة هنا ليست وحسب واجهة اعلامية ـ اعلانية. انها جزء من مستلزمات المواجهة. فلكل مواجهة أدواتها وبعدها الأخلاقي الذي منه يستمد كل طرف شرعيته. النظام في سوريا يستمدها من انه يواجه هجمةً تستهدف الكيان بالسعي لـ "تجزئة المجزّأ". والدليل هو ما حدث في العراق. معارضة الخارج تردّ بأن ذلك مجرد ادعاء، والدليل عدم تجزئة ليبيا. السلطة تعترف بوجود أخطاء وتطرح نواياها الطيبة في جملة قوانين. المعارضة تردّ بأن الإعتراف بالخطأ مجرد "تبرئة ذمة" لتعفي السلطة نفسها من تبعاته، والدليل ان الإصلاحات ما زالت على الورق.
بين هذا وذاك لن يُحسَم الأمر لهذا الفريق او ذاك على المدى البعيد إلا القدرة على تطويق العنف وعزله، او عدم القدرة عليه. وهذا مفتاحه القدرة على الإصلاح او عدمه. لذلك فان معارضة الخارج تسعى مع (حليفها) الأطلسي لإجهاض أية عملية اصلاحية، حيث يلاحظ المراقب أن كل خطوة اصلاحية من قبل السلطة حتى ولو جاءت في حدود النوايا تواجه بتصعيد في حدة المواجهات الى جانب حملات اعلامية مكثفة. معارضة الخارج ـ ومن وراءها ـ تدرك بأن الإصلاح لو أبصر النور على أرض الواقع بخطوات ملموسة سيصيبها بانتكاسة من مكانين:
الأول: انه سيسمح بترميم الثقة بين السلطة ومعارضة الداخل الأمر الذي سيسحب البساط من تحتها.
الثاني: ان الصورة ستصبح بالتمام في كفة السلطة وحلفائها. والصورة هنا مهمة جداً على مستوى الشارع العربي لأنها وحدها التي تنهي انقسامه بين نخبٍ تتفهم حقيقة المواجهة، وعامة تتعاطف مع المعارضة متأثرة بمناخات " الربيع العربي" في اقطار أخرى.
الصورة بكل أشكالها وألوانها حاجة لرفع المناعة في الداخل بغية "مكافحة الجراثيم" على حد وصف الرئيس الأسد. وللخارج هي بعده الأخلاقي، فمن يستحوذ على الصورة نفسها هو الذي يحدد رقعة المواجهة. إما ان تكون في الحضن السوري تحرق الوطن، او ترسل موجاتها الى ساحات عربية أوسع، شبيه بما حدث في معركة السويس 1956 حيث تحولت الجماهير الملتفة حول مصر عبد الناصر الى رقم في المعادلة التي أدت الى انكفاء العدوان الثلاثي، ثم ما تداعى عنه من تدحرج رؤوس وسقوط أنظمة.
ان سوريا تخوض لوحدها معركة الأمة بهوية سورية. هذا لا يكفي.
(*) كاتب من لبنان