ارشيف من :آراء وتحليلات

الأردن: لماذا ترشحه بريطانيا على رأس الحملة على سوريا؟

الأردن: لماذا ترشحه بريطانيا على رأس الحملة على سوريا؟
حسين حمية

خطف الصراخ التركي ومعه الحراك القطري الأضواء عن مساهمات دول عربية أخرى في تأجيج الأزمة السورية ودفعها باتجاهات تخدم مثلث واشنطن لندن باريس إضافة إلى الضلع الرابع الإسرائيلي. غير أن تطورات الأسبوع دفعت إلى الضوء الدور الأردني في هذا المجال، لتخرجه من دائرة الهمس إلى العلن، لتبدو عمان لاعباً احتياطياً بين الأشواط التي تتقلب على جمرها سوريا.

لم يكن البروز الأردني في الحدث السوري في ما قاله عبد الله الثاني في 14 تشرين الثاني لـ "ال بي بي سي": "أعتقد أنني لو كنت مكانه (الرئيس السوري) لتنحيت... سأتنحى وأحرص على أن من يخلفني يملك القدرة على تغيير الوضع الراهن الذي نشهده"، فلقد كان هناك حديث تداولته أكثر من وسيلة إعلامية عن مساعدة أردنية من خلف الستارة في أحداث درعا، التي على إثرها تفجرت الاضطربات في أنحاء سوريا.

مع ذلك، كان هناك شبه اتفاق بين المراقبين لتداعيات الحدث السوري، أن هناك مصلحة موضوعية، تفترض من النظام الأردني أن يدير ظهره للقوى المتربصة بسوريا، وبالأخص "الإخوان المسلمين" لأن أي فوز لهم في المواجهة التي يخوضونها بدعم خارجي مكشوف مع دمشق، سيرتد عاصفة يفجرها بوجهه تنظيم الإخوان في الأردن، وهذه كفيلة بقصم ظهر النظام الملكي المطلق في عمان، فالأردن هو الأسرع في تلقي العدوى السورية، خصوصاً أن نظامه يمتلك قابلية منفتحة لمثل هذه العدوى، وتبعاً للمعايير المنسوبة "الربيع العربي" في تغيير الأنظمة، يجب أن يكون المرشح الثاني بعد سقوط نظام بن علي في تونس.

فالنظام الأردني نظام استبدادي، تحكمه عائلة بالوراثة، ويعاني من سوء فادح في توزيع الثروة بين الطبقات الاجتماعية وأيضاً بين المناطق الأردنية، وتنسب للعائلة المالكة سلوكيات مشينة في تبذير الثروات العامة، في حين أن أجهزته ينخرها الفساد وتتفشى فيها المحسوبية والزبائنية، إضافة إلى علاقته المميزة مع " إسرائيل" والتي تجعله في حالة استعداء مع السواد الأعظم من الأردنيين.

لكن عندما تنقل صحيفة الغارديان البريطانية في 17 تشرين الثاني أن العاهل الأردني " اقترح على بريطانيا المساعدة على إنشاء مجموعة اتصال دولية لتنسيق السياسة الغربية والعربية بخصوص الوضع في سوريا"، يستدعي هذا، ليس إهمال نظرية المصلحة الموضوعية التي تربط النظام الملكي الأردني بدمشق التي اخذ بها معظم المحللين السياسيين وحتى الاستراتيجيين، إنما استدعاء أسئلة كثيرة، بمقدور أجوبتها إلقاء الضوء على أبعاد الحملة على سوريا واستخدام "الربيع العربي" في تجديد السيطرة الاستعمارية على المنطقة والتناقضات والتباينات وحتى الصراعات المستترة داخل المعسكر المتربص بسوريا، فإلى التالي:

ـ إضافة إلى قبول دول الخليج بانضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، كان هناك توقع بتحول في الموقف الأردني من الأزمة السورية، مع التغييرات التي أجراها الملك الأردني على صعيد إدارته السياسية، بتعيينه عون الخصاونة رئيساً للوزراء واللواء فيصل الشوبكي مديراً للمخابرات الأردنية، الأول يعد صديقاً للإسلاميين والثاني كان سفيراً في المغرب، أي مطلاً على التسوية التي عقدها الملك المغربي محمد السادس مع الإسلاميين برسم حدود للإصلاحات السياسية لا تمس جوهرياً بصلاحيات الملك وسلطاته، فهل هذه التغييرات (الخصاونة والشوبكي) هي مقدمة لصفقة بين عبد الله الثاني والمعارضة بعصبها الرئيسي ( الإسلاميين)، تبعد تسونامي "الربيع العربي" عن سواحل النظام الملكي بأقل الخسائر في سلطات الملك، وبالوقت نفسه تفكك رباط المصلحة الموضوعية لهذا النظام مع دمشق، وبموجب الصفقة، يقبض الملك استقراراً في عمان، ويدفع تخريباً في سوريا؟
ـ ليست مصادفة، أن يكون التحول الأردني تحديداً لجهة مطلبه ترئيس بريطانيا مجموعة اتصال دولية لاستهداف دمشق، جاء متزامناً مع دعوات الأقلمة (نسبة إلى الأقاليم) في العراق، والتي افتتحتها محافظة صلاح الدين بمطالبتها بالتحول إلى إقليم على غرار إقليم كردستان العراق، ولا يخفى وجود تحريض بريطاني للمحافظات العراقية السنية على الأقلمة، خصوصاً أن لندن تعد نفسها لتعبئة الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأميركي المرتقب من العراق في نهاية هذا العام.

ومهما قيل عن دستورية مطلب الأقلمة في العراق، إلا أنها تضع العراق على كف التفكيك والتقسيم، في وقت اتضح فيه انخراط الدول الاستعمارية الغربية (بحلتها الجديدة) في مشاريع سياسية وحروب عسكرية هدفها تسييل الجغرافية السياسية للبلدان العربية، وإعادة رسمها وفقاً لاعتبارات أمن "إسرائيل" ومصالح هذه الدول.

فهل انجذاب الأردن لدور بريطاني متقدم في الأزمة السورية، هو مسعى منه للاستفادة من كعكة لندن العراقية المنفتحة على توطين الفلسطينيين في أقاليم السنة بفعل تفشي الخطاب المذهبي في المنطقة، وبالتالي تخليصه من فوبيا الوطن البديل مع دفن نتنياهو لحل الدولتين بعد انهيار عملية التسوية التي كانت تقودها واشنطن، أو أن لديه نيات توسعية لإنشاء الأردن الكبير بضم بعض هذه الأقاليم إلى كيانه؟

ـ هناك عنوان واحد تتفق عليه الدول المنضوية في المعسكر المتربص بدمشق، وهو إسقاط القيادة السورية، وما بعد هذا العنوان تدور خلافات وتباينات كبيرة من الصعب تسويتها بين أطراف هذا المعسكر، فالسعودية تريد ترسيم الأدوار للتركي وللقطري قبل الشروع بأي سيناريو، وهناك فيتوات على الدور الفرنسي بعد أدائه في السيناريو الليبي خصوصاً من الأتراك، ولهذا يتوجس الفرنسي من أي تضخيم للدور التركي في السيناريو السوري، في حين أن الأميركي يشترط سيناريوهات محددة لإنفاذ المهمة، فهل الأردني بترشيحه بريطانيا لقيادة الحملة على سوريا، يبحث عن مكان إجماع لحل هذه التباينات، مستنداً إلى قدرة بريطانيا في استخدام الأقاليم العراقية في إرضاء التركي والسعودي والاميركي؟.

بأي حال، تبقى الإجابة عن هذه الأسئلة هي بترقب الترتيبات التي تجري في مدينة الرمثا على الحدود الأردنية السورية، والتدقيق في هذه الترتيبات لجهة ازدواجية استخدامها، إنْ في استيراد اللاجئين أو في تصدير المخربين.

 

 

2011-11-22