ارشيف من :آراء وتحليلات

جامعة عربية جديدة لإصلاح الواقع

جامعة عربية جديدة لإصلاح الواقع
بغداد ـ عادل الجبوري

للمرة الثانية خلال أسبوعين يدعو زعيم سياسي عراقي بارز هو رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي السيد عمار الحكيم إلى تشكيل جامعة دول عربية جديدة. المرة الأولى كانت في خطبته في صلاة عيد الأضحى المبارك في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وقال "إن الأحداث الجارية في عالمنا العربي اليوم تمثل بداية لمرحلة جديدة في حياة الشعوب العربية. إننا أمام وطن عربي جديد بكل ما لتلك الكلمة من معنى حيث اهتزت عروش الطاغوت وقالت الشعوب كلمتها. إننا بحاجة إلى جامعة دول عربية جديدة وجدية تكون قادرة على التفاعل مع هذه المتغيرات الكبرى".

والمرة الثانية التي دعا فيها الحكيم إلى تشكيل جامعة دول عربية جديدة، كانت في خطابه يوم الجمعة الماضي أمام عشرات الآلاف من أنصار المجلس الأعلى المشاركين في احتفالات الذكرى السنوية التاسعة والعشرين لتأسيسه في بغداد، اذ قال "نرى أن الوقت قد حان لإنشاء منظمة إقليمية فاعلة وحقيقية تجمع مصالح وتطلعات الأمم والشعوب في هذه المنطقة، وتكون قادرة على صياغة مبادئ جامعة توفر المصالح الإقليمية لجميع هذه الدول"، مؤكداً "أن المشتركات بيننا من التاريخ والحضارة والثقافة والجغرافيا والجيوبوليتيك والدين الحنيف والأمن الإقليمي المشترك والاقتصاد المتشابك، تشكل الأرضية الخصبة لانطلاق هذا التحالف الإقليمي عبر منظمة إقليمية، وسيكون العراق القلب النابض لهذا التحالف الذي يجمع المشتركات ويطرد الاختلافات".

قد تبدو الدعوة الأولى مختلفة نوعاً ما عن الدعوة الثانية، باعتبار أن الأولى تتعلق بالكيان العربي، وإطاره القائم المتمثل بجامعة الدول العربية، والثانية تتعلق بالكيان الإقليمي، الذي لا يوجد إطار واحد جامع له، وفق حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا والمصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، ولكن كلا الدعوتين تشير بوضوح إلى حقيقة أن هناك إشكاليات تحتاج إلى حلول ومعالجات، وأن هناك مخاطر وتحديات ينبغي مواجهتها بعقليات ومنهجيات وأساليب جديدة تختلف عن الأساليب التقليدية القائمة، التي ربما عفا عليها الزمن وتجاوزتها التحولات والمتغيرات الكبرى.

ثورات "الربيع العربي" أكبر وأوضح وأبلغ مؤشر على أن الواقع السياسي ـ وما يرتبط به من معطيات ـ سائر وبإيقاعات سريعة نحو تحولات ومتغيرات على قدر كبير من الحساسية والخطورة والأهمية، فسقوط وانهيار أنظمة سياسية ديكتاتورية واستبدادية بأدوات ووسائل تختلف كثيراً عن الأدوات والوسائل التي أوصلت ـ وصلت عبرها ـ تلك الأنظمة إلى سدة الحكم في النصف الثاني من القرن الماضي، يعني كسراً للقوالب التقليدية ومنظومة العلاقات السياسية، وحتى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لأن سقوط وانهيار تلك الأنظمة الاستبدادية، يؤذن بمرحلة جديدة، بشعارات وممارسات وعلاقات وأدوات حكم وإدارة مختلفة تمام الاختلاف عن سابقتها.

وعناصر الحماسة والتفاؤل لدى الجماهير تقابلها هواجس قلق وفزع من قبل الأنظمة التي لم تصلها بعد رياح وعواصف ثورات الربيع العربي. وفي الوقت ذاته، هناك قدر كبير من الازدواجية، والكيل بمكيالين حيال ثورات "الربيع العربي"، تحكمها اعتبارات طائفية و"أجندات" سياسية تتجاوز حدود الجغرافيا العربية.

فمواقف جامعة الدول العربية إزاء ما يجري في بقاع مختلفة من العالم العربي تمثل مصداقاً للازدواجية والنفاق والكيل بمكيالين، فهي بدت غير معنية تماماً بثورة البحرين، والتدخل الخارجي لمصلحة النظام الحاكم هناك، وما حصل فيها من انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، بيد أنها تعاطت مع أحداث سوريا التي لا تختلف في إطارها العام عن أحداث البحرين وتونس ومصر وليبيا واليمن، بطريقة انفعالية غير مسبوقة إلى الحد الذي خالفت فيه ميثاقها الذي ينص على أن قراراتها لا بد من أن تصدر بالإجماع، ومعروف أن قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة تم رفضه من قبل لبنان واليمن وسوريا ذاتها، مع امتناع العراق عن التصويت.

هذا التوجه يعني أن جامعة الدول العربية أثبتت أنها عامل تأزيم وتعقيد وعرقلة، أكثر منها أداة لحل ومعالجة المشاكل والأزمات، أو بعبارة أخرى، أنها جزء من المشكلة وليس الحل، ومثلما يقولون "إذا لم تكن جزءاً من الحل فأنت جزء من المشكلة".

لو كانت جامعة الدول العربية تمثل إطاراً عربياً محايداً وموضوعياً لما تعاطت مع الوضع البحريني بمنطق مختلف تماماً عن التعاطي مع الوضع السوري، وذلك الاختلاف أثبت أن الجامعة عبارة عن ورقة أو أداة سياسية توجهها قوى أخرى من خلال سطوة المال والإعلام والارتباطات والتحالفات الدولية.

لم يذهب بعيداً الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل حينما وصف ما يجري في سوريا بالمؤامرة الكبيرة التي تتعدى إسقاط نظام الحكم هناك لتستهدف إيران. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن لجامعة الدول العربية أن تحظى بالقبول وتتمتع بالمصداقية من قبل القوى الجديدة التي تمخضت عن "الربيع العربي"، أو بتعبير آخر تلك التي ساهمت في صنعه؟... وكيف لها أن تنجح في مواجهة الكثير من المخاطر والتحديات والاستحقاقات التي لا بد من أن تبرز في المرحلة المقبلة في بلدان ومجتمعات الربيع العربي، كما برزت في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام؟.

تبدو صورة الجامعة في هذا الوقت أسوأ من أي وقت مضى، لأنها عاجزة بكل معنى الكلمة عن التعاطي مع حقائق الواقع الجديد بإيجابية وموضوعية... إنها تبدو ممثلة لطرف عربي أو تكتل عربي ذي اتجاه واحد، أكثر مما هي إطار جامع للعالم العربي بمكوناته الاثنين والعشرين.


2011-11-23