ارشيف من :آراء وتحليلات

تلويح ميقاتي بالاستقالة لماذا الآن؟

تلويح ميقاتي بالاستقالة لماذا الآن؟

مصطفى الحاج علي
هل دخل عمر حكومة الرئيس ميقاتي مرحلة العد التنازلي، أم أن شبكة أمان ستتوافر لها في آخر لحظة ما يضمن لها الاستمرار والبقاء وقتاً إضافياً قد يطول الى العام 2013 عام إجراء الانتخابات النيابية، وقد يقصر إلى ما دون ذلك ربطاً بالعديد من التطورات التي قد تشهدها المنطقة ويتأثر بها لبنان؟
مناسبة هذا السؤال هي الملامسة الصريحة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي لحد الاستقالة علنياً ولأول مرة، بعدما كان في الفترات السابقة ينفي أن يكون قد هدد بها، أو أنه سيلجأ اليها.

هذه الملامسة وضعها ميقاتي كنتيجة مباشرة لمقدمات من الضروري الوقوف عندها لمعرفة مدى جديتها ولبيان إذا كانت مجرد مناورة، أم لا.
ما قاله ميقاتي هو التالي: "أنا شخصياً لا أقبل أن يقال إن رئيس الوزراء تغاضى عن عملية إظهار العدالة والحقيقة باغتيال رئيس الوزراء السابق، ولا أقبل في عهدي أن "ينكث" لبنان بتعهداته، أو أن يخرج لبنان من المجتمع الدولي، ولذلك أنا أعتقد أني بالاستقالة أحمي لبنان، وأحيده عن إمكان تعرضه لعقوبات وضغوط يمكن أن تأتي في حال لم يحصل التمويل، وبقيت أنا أمارس الحكم..".

يعلم ميقاتي أن لا أحد في لبنان ضد "إظهار العدالة والحقيقة"، وأن الخلاف كان وسيبقى حول السبل الفعلية الموصلة إليهما، وإذا كان من خلاف حول المحكمة فهو هنا بالتحديد، أي حول الوظيفة الفعلية لهذه المحكمة التي كان مولدها شبهة، ودورها أكثر شبهة، وأنها منذ ايجادها وهي تتحول ـ وبإرادة دولية وإقليمية ومحلية معروفة الهوية ـ إلى أداة للفتنة ولتوليد الانقسام والصراع الداخلي.
وما يصح في المحكمة من كلام، يصح في التزامات لبنان الدولية الخاصة تحديداً بهذه المحكمة ـ الفتنة، لأن هذا الالتزام جرى إمراره بقنوات غير دستورية وغير شرعية، ما يجعل الالتزام غير قائم، بل الاصرار عليه هو تشكيك بالدستور اللبناني والشرعيات اللبنانية، ولا ندري إذا خُير ميقاتي بين هذين التشكيكين أيهما يختار.

بعد هذا التوضيح الضروري، ماذا يبقى من رسائل سياسية لمواقف ميقاتي في هذا التوقيت بالذات؟
أولاً، وبالنسبة لظروف هذا الكلام وتوقيته، يمكن التوقف عند التالي:
ـ إن مواقف ميقاتي جاءت في سياق حملة ضغوط متنامية لم تتوقف لا داخلياً ولا خارجياً كلها تحثه على ضرورة تمويل المحكمة، ملمحة تارة بالذهاب إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات على لبنان، وتارة أخرى بفرض عزلة سياسية واقتصادية ومالية على الحكومة... الخ..
والأطراف، والجهات الدولية الضاغطة، هي المستفيدة أولاً وأخيراً من فتنة المحكمة، وهي التي تشن حملة مترامية الأطراف تستهدف أكثر من بلدٍ وبالخصوص سوريا، وهي الأطراف نفسها التي رأت في إسقاط الحريري ضربة موجعة لمشروعها في لبنان، ومنه في المنطقة.
ـ إن مواقف ميقاتي جاءت لتسبق احتفال يوم الأحد المقبل، الذي يخطط تيار المستقبل وحلفاؤه إلى تحويله إلى مناسبة لإطلاق صفارة الانطلاق لإسقاط حكومة ميقاتي وفي عقر داره تماماً.
ـ إن مواقف ميقاتي جاءت في سياق تجاذب وانقسام حول التمويل: تجاذب وانقسام عام، وتجاذب وانقسام داخل الائتلاف الحكومي نفسه بين مؤيدٍ للتمويل، ورافضٍ له.
وفي هذا الإطار، كان ميقاتي يحتفظ برهان داخلي وتقدير خاص أن حزب الله تحديداً، إذا ما خُيّر بين بقاء الحكومة والتمويل، فهو سيختار التمويل، إلى أن أُبلغ وعلى نحوٍ حاسم بأن حزب الله لن يقبل بالتمويل حتى لو تطلب الأمر استقالة رئيس الحكومة.
ـ إن مواقف ميقاتي جاءت أيضاً في خضم معاناة داخل الحكومة نفسها لجهة إنتاجيتها ومراوحتها في دائرة شبه مفرغة نتيجة تباين حسابات ومصالح القوى المؤلفة منها.
ـ إن مواقف ميقاتي أيضاً جاءت في سياق تطور مسار الضغوط الغربية والخليجية على سوريا والهادفة إلى إسقاط النظام، كما جاءت في سياق انقسام واضح حول موقع ودور لبنان من المؤامرة التي يجري تنفيذها ضد سوريا.
أخيراً، لا يستطيع ميقاتي الملياردير ورجل الأعمال الواسع الانتشار إلا أن يأخذ في الحسبان مصالحه المالية.
كل هذه الاعتبارات حاضرة في حسابات ميقاتي. وبعيداً عن لعبة الاحتجاب والتخفي وراء العبارات الفضفاضة، وعبارات الحرص، فإن ميقاتي في مواقفه الأخيرة إنما استهدف التالي:
أولاً: رفع سقف الضغوط على حلفائه إلى الحد الأقصى، من خلال إظهار جدية بنية الاستقالة على أن يدفعهم ذلك الى إيجاد مخرج ملائم لمعضلة التمويل.
ثانياً: سحب ورقة التمويل وورقة التهديد بإسقاطه في الشارع من قبل تيار المستقبل وحلفائه، عبر الإعلان الواضح بأنه سيستقيل إذا لم يُمَرَّ التمويل.
ثالثاً: التلويح بأن الاستقالة قد تكون المخرج الملائم ليس لخلط الأوراق داخلياً، وإنما لإعادة إنتاج توليفة حكومية تستند إلى حل مسبق لمعضلة التمويل.
رابعاً: الظهور بمظهر الزعيم السني الذي لا يفرط بأي أمر من أمور السنّة، حتى لو كان هذا الأمر ليس متوافقاً عليه عموماً. بناءً عليه، يبقى السؤال: هل يستقيل ميقاتي إذا لم يتم إيجاد المخرج الملائم لمعضلة التمويل؟

الاستقالة مرهونة نهائياً بـ:
أ ـ الحصيلة التي سيخرج بها خصومه في تيار المستقبل يوم الأحد. لا شك، أن ميقاتي سيقرأ بدقة ما سيحصل يوم الأحد، وسينظر في ما إذا كان قادراً على التعامل معه وتجاوزه، بل والتغلب عليه أيضاً.
ب ـ اطمئنان ميقاتي الى أنه لن يتعرض لأي عقوبات أو مضايقات في ما يخص وضعه المالي، ووضع مشاريعه المنتشرة في أكثر من بلد.
ج ـ نوعية قراءة ميقاتي لتطورات الوضع في سوريا، وفي ما إذا كان المطلوب في المرحلة الحالية والمقبلة تحييد لبنان فعلياً عما يجري، وضمان الاستقرار فيه، أم المطلوب تحويل لبنان الى إحدى المنصات الأساس للضغط على سوريا، في سياق رفع درجات الضغط الهادفة إلى إسقاط النظام.
من هنا، أمامنا أيام قليلة لحسم وجهة الأمور، أما ماذا سيحدث فيما لو استقال ميقاتي فهذا له حسابات أخرى من شأنها أن تفتح لبنان على مرحلة شديدة التعقيد والصعوبة.



2011-11-25