ارشيف من :آراء وتحليلات

من يحكم تونس النهضة أم العسكر؟

من يحكم تونس النهضة أم العسكر؟

تونس ـ روعة قاسم

انعقدت الجلسة الأولى للمجلس التأسيسي في تونس ولم يحضر أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مثلما كان مقرراً وسط ارتياح لدى شرائح عديدة من فئات الشعب التونسي. ورغم ذلك فقد رفع بعض المتظاهرين أمام مقر البرلمان في باردو صوراً وشعارات تنال من الأمير القطري وتتهمه بالعمالة للصهيونية.

ويرى كثير من المحللين أن السبب في عدم حضور الأمير القطري، يعود إلى الضغوط الشعبية التي مارسها المجتمع المدني في تونس أحزاباً ونقابات ومنظمات ووسائل إعلام ضد هذه الزيارة، ما جعل حركة النهضة إما تتراجع عن الدعوة، أو أن الأمير قرر عدم المجيء ـ وهو الأرجح ـ بعد أن وصلته أنباء عن هذا الرفض الشعبي.

استحواذ على المناصب

إذاً، وفي جلسة ساخنة وسط أجواء لم يعتدها التونسيون في قبة برلمانهم، انعقدت الجلسة الأولى للمجلس التأسيسي التونسي وتمخض عنها انتخاب الدكتور مصطفى بن جعفر رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات ذي التوجهات اليسارية رئيساً للمجلس، فيما سيتم الإعلان خلال الأيام القليلة القادمة عن ساكن قصر قرطاج الجديد المنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وأحد المعارضين الشرسين لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وينتظر أن يكلف المرزوقي أمين عام حركة النهضة حمادي الجبالي برئاسة الحكومة الجديدة التي سيطرت النهضة على حقائبها السيادية وفق ما تم تسريبه.

ويرى كثير من المراقبين أن المنصف المرزوقي لن يكون له دور بارز في عملية البناء لما يعرف بـ"الجمهورية الثانية" رغم أنه على رأس الدولة لسببين: أولهما أن حركة النهضة ترغب في الاستعاضة عن النظام الرئاسي الذي ساد لعقود في تونس بنظام برلماني تكون فيه الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الحكومة، وثانيهما أن حزب المرزوقي الذي يصر رئيسه على أن توجهاته ليبرالية، يضم قياديين من الصف الأول محسوبين على الإسلاميين، وهما المحاميان عبد الرؤوف العيادي وسمير بن عمر. كما إن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية من المرجح أنه من حركة النهضة، وأنه سيكون المحامي نور الدين البحيري. وبالتالي فإن المرزوقي سيجد نفسه عاجزاً عن الحراك مع هذا الثلاثي الذي يطوقه من مختلف الاتجاهات. فحركة النهضة بحسب العديد من المراقبين هي الحاكم الفعلي والوحيد في المرحلة المقبلة ومن دون شركاء، وأن رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لن يكون له تأثير يذكر في المعادلة السياسية الجديدة.

كما إن اليساري مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي ليست لديه كتلة نيابية قادرة على فرض توجهات حزبه، فقد احتل المرتبة الرابعة من حيث عدد المقاعد بعد النهضة، وحزب المرزوقي والعريضة الشعبية للهاشمي الحامدي صاحب قناة المستقلة التي تبث من لندن والذي تم إقصاؤه تماما عن مفاوضات تشكيل الحكومة بحجة دفاعه في السابق في الفضائيات عن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وبحجة وجود منتمين لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل في قائمته التي تقدم بها في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها تونس.

دور المؤسسة العسكرية

لقد استحوذت حركة النهضة أيضاً ووفق ما يتم تداوله على حقائب الداخلية والخارجية والعدل، فيما آلت حقيبة الدفاع إلى شاغل المنصب الحالي في الحكومة المؤقتة عبد الكريم الزبيدي القريب جداً من قائد الجيش رئيس الأركان الفريق أول رشيد عمار، الذي بات نفوذه قوياً بعد الثورة وبعد الدور الإيجابي الذي لعبته المؤسسة العسكرية في نجاح الثورة في تونس.

ويخشى جانب كبير من الرأي العام هنا من تنامي دور الجيش في بلد لم يركز حكم العسكر منذ استقلاله، وإنما حرص رئيسه الأول الحبيب بورقيبة المحامي المدني بعد إلغاء الملكية سنة 1957 على إرساء أسس دولة مدنية وأبعد الجيش تماماً وأقصاه عن كل فعل سياسي بعكس عدد كبير من الدول العربية على غرار مصر التي ما زالت تعاني من مخلفات حكم العسكر.

لكن أمام ما حصل من محافظة لوزير الدفاع على حقيبته وعدم قدرة حركة النهضة وباقي الأحزاب السياسية على المساس بها، بدأ بعضهم يتخوف من تنامي دور المؤسسة العسكرية في توازنات المشهد السياسي الجديد الناشئ في تونس. إذ يخشى هؤلاء من تحول تونس إلى دولة شبيهة بجارتها الجزائر حيث لا يعدو أن يكون الرئيس المدني وحكومته سوى منفذين لسياسات جنرالات الجيش الجزائري الذي بيده الحل والربط ويسيطر على خيرات البلاد وثرواتها النفطية. وتزداد خشية هؤلاء وهم ينظرون إلى التجربة المريرة في مصر التي أوصلت المصريين إلى ثورة ثانية في ميدان التحرير ضد هيمنة المؤسسة العسكرية التي تربت منذ ثورة 1952 على التدخل في شؤون الحكم وعدم اعتباره شأناً مدنياً لا يخص العسكريين.

ويذهب بعض المحللين إلى حد الخشية من تكرار المثال التركي في تونس الجديدة حيث بقيت المؤسسة العسكرية منذ تأسيس الدولة الحديثة في أنقرة سنة 1923 تلعب دور الرقيب على علمانية الدولة وتتدخل في شؤون الحكم، ما تسبب في كثرة الانقلابات العسكرية وكثرة الاضطرابات في البلاد. فالجيش التونسي والحق يقال أبلى البلاء الحسن أيام الثورة ورفض أوامر الرئيس بإطلاق النار على المتظاهرين وحاز شعبية منقطعة النظير. وبعد فرار زين العابدين بن علي سلم السلطة للمدنيين وحمى الأمن والاستقرار وأشرف على امتحانات نهاية السنة في الجامعات والمعاهد والمدارس ثم أشرف على تنظيم الانتخابات وتعامل بدهاء مع الاضطرابات في ليبيا على حدوده الشرقية. ولكن رغم ذلك فإن التونسيين الذين تربوا على مدنية الدولة يخشون من دور وراء الكواليس قد يلعبه الجنرال رشيد عمار ورفاقه حتى بعد تنظيم أول انتخابات شفافة في تاريخ البلاد لا يحصل فيها تلاعب أو تزوير.



2011-11-28