ارشيف من :آراء وتحليلات
هكذا ترتعب "اسرائيل" من مخاطر التحولات العربية على أمنها القومي؟
عبد الحسين شبيب
خطفت وسائل الاعلام العالمية وشريكاتها العربية عملية التغيير الجوهرية في العالم العربي التي اطلقتها الثورات الشعبية الى مكان آخر. تقصدت اهمال تداعيات ما بعد ثورات تونس ومصر واليمن والبحرين، والثورات الاخرى المرتقبة في بلدان تعد اكثر من حليفة للولايات المتحدة، وتحاول هذه "الحرب الاعلامية النفسية" تأطير وعي الجماهير في ما يتعلق بالحدث السوري حصراً، كجزء من عملية منظمة تديرها واشنطن لسرقة وهج الثورات والايحاء بأنها موافقة ومحبذة للتغيير ،وأن خصومها، اي محور الشر ـ محور المقاومة هو المتضرر الوحيد والحصري من الثورات الراهنة.
الحقيقة غير ذلك بالمطلق. تكفي قراءة عناوين وتعليقات الصحف والتلفزيونات والاذاعات الاسرائيلية ليوم واحد فقط لمعرفة ان القلق الحقيقي مما يجري في العالم العربي اليوم يتمركز حصراً في تل ابيب. كل ما يختلج في عقل " اسرائيل" ويعشش في هواجسها يُكتب من دون احراج. فاللحظة تاريخية وحاسمة، وعين هذه الاخيرة اليوم على اخبار تأتيها يومياً من ثلاث جبهات حالية ومستقبلية: العراق ـ الاردن، مصر ـ فلسطين، وسوريا ـ لبنان.
الخبر الاول مداه الزمني بضعة ايام هي في الحسابات الاستراتيجية ثوانٍ تفصل اسرائيل عن مغادرة الاميركيين العراق مذمومين مدحورين لانهم تركوا البلد بيد نظام حليف مع ألد خصومهم، ايران. هذا في العنوان العام، اما في التفاصيل، فترجمته في احدث تقدير اسرائيلي عرضته القناة العاشرة في تلفزيون العدو (الجمعة 26 تشرين الثاني 2011) قالت فيه ان "اكثر ما يقلق إسرائيل في ظل الهزة في الساحات العربية، هو ما يحصل في الاردن. الحدود الامنية الحقيقية الإسرائيلية اليوم في الشرق هي ليست في غور الاردن بل في حدود الاردن مع العراق، حيث خلف هذه الحدود يوجد عشرات الآلاف من "المخربين" يعملون في العراق. فبعد ان تسحب الولايات المتحدة الأميركية قواتها من هناك، سيبدأون بالبحث عن عمل آخر، وهدفهم الأول ربما يكون المملكة الهاشمية. وفي حال سقط نظام الملك عبد الله سيفتح الطريق ايضاً للحرس الثوري الايراني وايضاً لجيش القاعدة، حيث في العراق كل هؤلاء يستطيعون ان يأتوا الينا. اليوم يبدأون بالتفكير في إسرائيل كيف يحصنون الحدود مع الاردن. فخلال عدة سنوات نستطيع ان نجد انفسنا محاطين بأسوار من كل اتجاه وبدون حتى حدود هادئة واحدة".
الخبر الثاني من مصر ـ غزة حيث يبرع الخبراء والصحافيون الاسرائيليون وايضا القادة الرسميون السياسيون والعسكريون والامنيون في اختيار العبارات التي تظهر توجسهم خيفة مما يجري في الجمهورية الجديدة الناشئة.
مثلا "اسرائيل اليوم" علقت على الاحداث الاخيرة بالقول ان "الديمقراطية في مصر انبتت لها اليوم لحية" في اشارة الى الطابع الاسلامي للثورة، وذلك قبل ان يجتاح التيار الاسلامي الاخواني ـ السلفي نتائج الانتخابات التشريعية. وبين تعبيري "ميدان الكراهية" في اشارة الى ميدان التحرير بالقاهرة وموجة الاحتجاج الاخيرة، و"مصر: جمهورية اسلامية" جزم "الكسندر بليه" في "اسرائيل اليوم" ايضا بأن "مصر تسير نحو نهاية معروفة مسبقا: قيام الجمهورية الاسلامية برعاية زعيمها الروحاني الشيخ يوسف القرضاوي"، وهذا ما يوجب بحسب الكاتب على " اصحاب القرار في القدس ان يبادروا الى قراءة مناسبة للتطورات"، و"أن يستعدوا لصعود حكم جديد ومعادٍ في مصر في المدى الفوري في كل مستوى ممكن. هكذا مثلا في المستوى "الدفاعي"، الجيش الاسرائيلي ملزم بأن يتعاطى مع الحدود المصرية كحدود معادية بكل المعاني العملياتية التي ينطوي عليها ذلك".
الترجمة الميدانية لهذا الهاجس عرضها تقرير للقناة العاشرة ايضاً حمل عنوان "الجيوش العربية تضعف لكن لا تسيطر". فاذا كان خبر الضعف المؤقت للجيش المصري سارا لاسرائيل، فان تداعيات هذا الضعف غير سارة بالمطلق، لان ما يزعج "اسرائيل" هو خسارة قدرته في السيطرة ليس في القاهرة فحسب بل ايضا في سيناء التي يسيطر عليها رجال حماس بدلاً من فتح، ويسيطر عليها الجهاد والقاعدة. وما رأيناه حتى الآن في الحدود المصرية هو فقط البداية ويتوقع لنا سنوات ليست سهلة على طول هذه الحدود، ولذلك الجهد الكبير هو في اكمال بناء السياج على طول الحدود، سياج فولاذي ضخم"، ينتهي القسم الاكبر منه نهاية العام القادم كما قال رئيس الأركان العامة, الجنرال بني غانتس. وبالانتظار يستعدون في قيادة المنطقة الجنوبية لتوزيع جهاز متطور متعدد المجسّات يفترض ان يمنح القوات في الميدان تحذيراً مسبقاً حول تحركات مشبوهة على بعد عدة كيلومترات في منطقة سيناء, بالقرب من الحدود. الجهاز الجديد ستستخدمه كتيبة الجمع الحربي الجديدة التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية، والتي بدأت العمل في الأشهر الأخيرة".
اذاً القلق الاسرائيلي الاول ليس في سرعة تحول الجيش المصري الى جيش معاد ـ وهذا الامر يحتمه البعض في اسرائيل ولو بعد وقت ليس بطويل ـ بل في انتهاء المرحلة التي كان فيها هذا الجيش يقوم ـ بموجب اتفاقية كامب دايفيد ـ بدور الحارس لـ"حدود اسرائيل"، والمانع لتهريب الوسائل القتالية، اذ يبدو ان الاستخبارات الاسرائيلية رصدت نشاطا متزايدا لفصائل المقاومة الفلسطينية في هذا المجال. و"للاسف" حسب تعبير رئيس الدائرة السياسية الامنية في وزارة الحرب، عاموس غلعاد فـ"ليس هناك رد على تهريب الوسائل القتالية الذي يجب أن يصل إلى حل, هذا إلى الان غير كافٍ. هناك صواريخ وخليات يمكنها المس أو معدة للمس برعاية حماس والجهاد الإسلامي لقتل إسرائيليين".
الخبر الثالث من سوريا، يد اسرائيل على قلبها، ولا يمكن التلطي وراء اصبع تصريحات تافهة كتلك التي اطلقها برهان غليون، المنصَّب رئيساً لما يسمى المجلس الوطني الانتقالي السوري، عن سياسة دمشق ما بعد توليه السلطة وتبشيره قادة "تل ابيب" بأن اول ما سيفعله هو "قطع العلاقات مع حماس وحزب الله وانهاء الشراكة الاستراتيجية الحالية بين دمشق وطهران" لصالح علاقة اقل من عادية، ان لم تكن فاترة او متوترة، وانه سيعمل لاعادة الجولان بالمفاوضات وليس بالعمل العسكري.
اوراق الاعتماد هذه لا تريح اسرائيل بل تقلقها، لانها تشكل شيكا على بياض قدمه غليون للرئيس بشار الاسد يدعم فيه وجهة نظره بأن كل هذا الحراك العربي والغربي ضد نظامه لا يتوخى دعم اصلاحات حقيقية تجعل من سوريا بلدا ديمقراطيا على الطريقة الاوروبية او الاميركية، بل يستهدف حصراً المس بالسياسة الخارجية التي ارساها والده وحافظ عليها الابن وطورها بنفسه واضعا سوريا في قلب المعادلة الاقليمية لصالح جبهة المقاومة الممتدة من طهران فالعراق وفلسطين فلبنان. تصريح برهان غليون الذي يفترض ان يريح "اسرائيل" ويطمئنها، يفعل العكس، هذا قد يزيد من وتيرة ما يسميه قادة العدو احتمال نقل انواع وطرازات جديدة من الاسلحة الى حزب الله تحسبا لما يمكن ان تفضي اليه التطورات في هذا البلد.
احدث تقرير بهذا الشأن كتبه اليكس فيشمان الصحافي الاسرائيلي المعروف ونشره في صحيفة "يديعوت احرونوت" (الخميس الماضي الاول من كانون الاول عام 2011) توقع فيه "نقل معدات عسكرية من سوريا الى مخازن حزب الله في لبنان خشية أن يؤدي سقوط الاسد الى وقف تسليح المنظمة. في اسرائيل يخشون من أن تكون هذه المعدات تتضمن أيضا وسائل قتالية امتنع الاسد حتى الان عن نقلها الى حزب الله، وعملية نبذه من الغرب أدت الى تغيير في موقفه من هذا الموضوع. عمليا، التخوف في اسرائيل هو أن تنتقل كل الوسائل القتالية المتطورة السورية الى المنظمة الارهابية بما فيها صواريخ متطورة وصلت مؤخرا من روسيا".
في التوصيف الاستراتيجي يسمى ما تقدم بـ"المخاطر العاجلة" على "الأمن القومي الاسرائيلي" التي تؤدي الى تعزيز ادوار وفعالية قوى المقاومة في لبنان وفلسطين ومن ثلاثة حدود: الاردن ومصر ولبنان. اما المخاطر الآجلة ـ أجل قريب او متوسط، في ابعد تقدير ـ هو ان تعود "اسرائيل" الى زمن البدايات، عام 1948 عندما كانت محاطة بأنظمة وجيوش وشعوب معادية لها وتنادي بزوالها. كيف تترجم هذه التحولات؟ عادة ما تصاغ في "نظرية أمنية اسرائيلية" تحدد فيها "المخاطر" أولاً، وسبل مواجهتها ثانيا، اضافة الى مقدمة تعريفية بالبيئة الاقليمية والدولية الجديدة. الجديد في هذه النظرية انها لن تكون كالنظرية التي خاضت فيها "اسرائيل" حربَي 48 والـ67، اي خوض الحروب في مواجهة جيوش تقليدية، بل ستكون كالتعديلات التي اضطرت "اسرائيل" الى ادخالها على نظريتها الامنية بعد العام 2006 وهزيمتها على يد حزب الله الذي قدم نموذجا فريدا في مواجهة اقوى جيش في الشرق الاوسط بمزجه بين اسلوبي المجموعات غير النظامية والجيوش النظامية، وتمكن بمهارة فائقة من استخدام وسائل المجموعتين القتالية. ومع الأخذ بعين الاعتبار بحسب التقويم الاسرائيلي تطور قدرات ومهارات المجموعات غير النظامية: حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي، فان التعاطي مع الجيوش العربية التي يفترض ان تدار لاحقا من قيادة الثورات الجديدة بصفتها جيوشا معادية يزيد المهمة صعوبة على "اسرائيل" لجهة صياغة نظرية تمكّنها من مواجهة كم كبير من "الاعداء" في آن واحد ومن جبهات مختلفة وبأسليب متنوعة. وفوق ذلك فان ما يقلق هذا العدو هو انه بعد تسعة اشهر ـ وهو التقدير الاسرائيلي لبلوغ ايران نقطة اللاعودة في برنامجها النووي ـ سيكون فوق كل هذه المعادلة الثنائية من جماعات غير نظامية وجيوش نظامية دولة في طهران تملك تكنولوجيا نووية وقدرات عسكرية تقليدية ضخمة لتشكل رافعة لـ"المخاطر الاستراتيجية على الامن القومي الاسرائيلي" التي افرزتها تجربة حزب الله ثم حماس والجهاد الاسلامي، واليوم التحولات الجوهرية التي اطلقتها الثورات العربية الحقيقية، وفي صلبها جمهورية ايران الاسلامية الثورية.
خطفت وسائل الاعلام العالمية وشريكاتها العربية عملية التغيير الجوهرية في العالم العربي التي اطلقتها الثورات الشعبية الى مكان آخر. تقصدت اهمال تداعيات ما بعد ثورات تونس ومصر واليمن والبحرين، والثورات الاخرى المرتقبة في بلدان تعد اكثر من حليفة للولايات المتحدة، وتحاول هذه "الحرب الاعلامية النفسية" تأطير وعي الجماهير في ما يتعلق بالحدث السوري حصراً، كجزء من عملية منظمة تديرها واشنطن لسرقة وهج الثورات والايحاء بأنها موافقة ومحبذة للتغيير ،وأن خصومها، اي محور الشر ـ محور المقاومة هو المتضرر الوحيد والحصري من الثورات الراهنة.
الحقيقة غير ذلك بالمطلق. تكفي قراءة عناوين وتعليقات الصحف والتلفزيونات والاذاعات الاسرائيلية ليوم واحد فقط لمعرفة ان القلق الحقيقي مما يجري في العالم العربي اليوم يتمركز حصراً في تل ابيب. كل ما يختلج في عقل " اسرائيل" ويعشش في هواجسها يُكتب من دون احراج. فاللحظة تاريخية وحاسمة، وعين هذه الاخيرة اليوم على اخبار تأتيها يومياً من ثلاث جبهات حالية ومستقبلية: العراق ـ الاردن، مصر ـ فلسطين، وسوريا ـ لبنان.
الخبر الاول مداه الزمني بضعة ايام هي في الحسابات الاستراتيجية ثوانٍ تفصل اسرائيل عن مغادرة الاميركيين العراق مذمومين مدحورين لانهم تركوا البلد بيد نظام حليف مع ألد خصومهم، ايران. هذا في العنوان العام، اما في التفاصيل، فترجمته في احدث تقدير اسرائيلي عرضته القناة العاشرة في تلفزيون العدو (الجمعة 26 تشرين الثاني 2011) قالت فيه ان "اكثر ما يقلق إسرائيل في ظل الهزة في الساحات العربية، هو ما يحصل في الاردن. الحدود الامنية الحقيقية الإسرائيلية اليوم في الشرق هي ليست في غور الاردن بل في حدود الاردن مع العراق، حيث خلف هذه الحدود يوجد عشرات الآلاف من "المخربين" يعملون في العراق. فبعد ان تسحب الولايات المتحدة الأميركية قواتها من هناك، سيبدأون بالبحث عن عمل آخر، وهدفهم الأول ربما يكون المملكة الهاشمية. وفي حال سقط نظام الملك عبد الله سيفتح الطريق ايضاً للحرس الثوري الايراني وايضاً لجيش القاعدة، حيث في العراق كل هؤلاء يستطيعون ان يأتوا الينا. اليوم يبدأون بالتفكير في إسرائيل كيف يحصنون الحدود مع الاردن. فخلال عدة سنوات نستطيع ان نجد انفسنا محاطين بأسوار من كل اتجاه وبدون حتى حدود هادئة واحدة".
اكثر ما يقلق إسرائيل في ظل الهزة في الساحات العربية، هو ما يحصل في الاردن |
مثلا "اسرائيل اليوم" علقت على الاحداث الاخيرة بالقول ان "الديمقراطية في مصر انبتت لها اليوم لحية" في اشارة الى الطابع الاسلامي للثورة، وذلك قبل ان يجتاح التيار الاسلامي الاخواني ـ السلفي نتائج الانتخابات التشريعية. وبين تعبيري "ميدان الكراهية" في اشارة الى ميدان التحرير بالقاهرة وموجة الاحتجاج الاخيرة، و"مصر: جمهورية اسلامية" جزم "الكسندر بليه" في "اسرائيل اليوم" ايضا بأن "مصر تسير نحو نهاية معروفة مسبقا: قيام الجمهورية الاسلامية برعاية زعيمها الروحاني الشيخ يوسف القرضاوي"، وهذا ما يوجب بحسب الكاتب على " اصحاب القرار في القدس ان يبادروا الى قراءة مناسبة للتطورات"، و"أن يستعدوا لصعود حكم جديد ومعادٍ في مصر في المدى الفوري في كل مستوى ممكن. هكذا مثلا في المستوى "الدفاعي"، الجيش الاسرائيلي ملزم بأن يتعاطى مع الحدود المصرية كحدود معادية بكل المعاني العملياتية التي ينطوي عليها ذلك".
الترجمة الميدانية لهذا الهاجس عرضها تقرير للقناة العاشرة ايضاً حمل عنوان "الجيوش العربية تضعف لكن لا تسيطر". فاذا كان خبر الضعف المؤقت للجيش المصري سارا لاسرائيل، فان تداعيات هذا الضعف غير سارة بالمطلق، لان ما يزعج "اسرائيل" هو خسارة قدرته في السيطرة ليس في القاهرة فحسب بل ايضا في سيناء التي يسيطر عليها رجال حماس بدلاً من فتح، ويسيطر عليها الجهاد والقاعدة. وما رأيناه حتى الآن في الحدود المصرية هو فقط البداية ويتوقع لنا سنوات ليست سهلة على طول هذه الحدود، ولذلك الجهد الكبير هو في اكمال بناء السياج على طول الحدود، سياج فولاذي ضخم"، ينتهي القسم الاكبر منه نهاية العام القادم كما قال رئيس الأركان العامة, الجنرال بني غانتس. وبالانتظار يستعدون في قيادة المنطقة الجنوبية لتوزيع جهاز متطور متعدد المجسّات يفترض ان يمنح القوات في الميدان تحذيراً مسبقاً حول تحركات مشبوهة على بعد عدة كيلومترات في منطقة سيناء, بالقرب من الحدود. الجهاز الجديد ستستخدمه كتيبة الجمع الحربي الجديدة التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية، والتي بدأت العمل في الأشهر الأخيرة".
اذاً القلق الاسرائيلي الاول ليس في سرعة تحول الجيش المصري الى جيش معاد ـ وهذا الامر يحتمه البعض في اسرائيل ولو بعد وقت ليس بطويل ـ بل في انتهاء المرحلة التي كان فيها هذا الجيش يقوم ـ بموجب اتفاقية كامب دايفيد ـ بدور الحارس لـ"حدود اسرائيل"، والمانع لتهريب الوسائل القتالية، اذ يبدو ان الاستخبارات الاسرائيلية رصدت نشاطا متزايدا لفصائل المقاومة الفلسطينية في هذا المجال. و"للاسف" حسب تعبير رئيس الدائرة السياسية الامنية في وزارة الحرب، عاموس غلعاد فـ"ليس هناك رد على تهريب الوسائل القتالية الذي يجب أن يصل إلى حل, هذا إلى الان غير كافٍ. هناك صواريخ وخليات يمكنها المس أو معدة للمس برعاية حماس والجهاد الإسلامي لقتل إسرائيليين".
الخبر الثالث من سوريا، يد اسرائيل على قلبها، ولا يمكن التلطي وراء اصبع تصريحات تافهة كتلك التي اطلقها برهان غليون، المنصَّب رئيساً لما يسمى المجلس الوطني الانتقالي السوري، عن سياسة دمشق ما بعد توليه السلطة وتبشيره قادة "تل ابيب" بأن اول ما سيفعله هو "قطع العلاقات مع حماس وحزب الله وانهاء الشراكة الاستراتيجية الحالية بين دمشق وطهران" لصالح علاقة اقل من عادية، ان لم تكن فاترة او متوترة، وانه سيعمل لاعادة الجولان بالمفاوضات وليس بالعمل العسكري.
تصريح برهان غليون الذي يفترض ان يريح "اسرائيل" ويطمئنها، يفعل العكس |
احدث تقرير بهذا الشأن كتبه اليكس فيشمان الصحافي الاسرائيلي المعروف ونشره في صحيفة "يديعوت احرونوت" (الخميس الماضي الاول من كانون الاول عام 2011) توقع فيه "نقل معدات عسكرية من سوريا الى مخازن حزب الله في لبنان خشية أن يؤدي سقوط الاسد الى وقف تسليح المنظمة. في اسرائيل يخشون من أن تكون هذه المعدات تتضمن أيضا وسائل قتالية امتنع الاسد حتى الان عن نقلها الى حزب الله، وعملية نبذه من الغرب أدت الى تغيير في موقفه من هذا الموضوع. عمليا، التخوف في اسرائيل هو أن تنتقل كل الوسائل القتالية المتطورة السورية الى المنظمة الارهابية بما فيها صواريخ متطورة وصلت مؤخرا من روسيا".
في التوصيف الاستراتيجي يسمى ما تقدم بـ"المخاطر العاجلة" على "الأمن القومي الاسرائيلي" التي تؤدي الى تعزيز ادوار وفعالية قوى المقاومة في لبنان وفلسطين ومن ثلاثة حدود: الاردن ومصر ولبنان. اما المخاطر الآجلة ـ أجل قريب او متوسط، في ابعد تقدير ـ هو ان تعود "اسرائيل" الى زمن البدايات، عام 1948 عندما كانت محاطة بأنظمة وجيوش وشعوب معادية لها وتنادي بزوالها. كيف تترجم هذه التحولات؟ عادة ما تصاغ في "نظرية أمنية اسرائيلية" تحدد فيها "المخاطر" أولاً، وسبل مواجهتها ثانيا، اضافة الى مقدمة تعريفية بالبيئة الاقليمية والدولية الجديدة. الجديد في هذه النظرية انها لن تكون كالنظرية التي خاضت فيها "اسرائيل" حربَي 48 والـ67، اي خوض الحروب في مواجهة جيوش تقليدية، بل ستكون كالتعديلات التي اضطرت "اسرائيل" الى ادخالها على نظريتها الامنية بعد العام 2006 وهزيمتها على يد حزب الله الذي قدم نموذجا فريدا في مواجهة اقوى جيش في الشرق الاوسط بمزجه بين اسلوبي المجموعات غير النظامية والجيوش النظامية، وتمكن بمهارة فائقة من استخدام وسائل المجموعتين القتالية. ومع الأخذ بعين الاعتبار بحسب التقويم الاسرائيلي تطور قدرات ومهارات المجموعات غير النظامية: حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي، فان التعاطي مع الجيوش العربية التي يفترض ان تدار لاحقا من قيادة الثورات الجديدة بصفتها جيوشا معادية يزيد المهمة صعوبة على "اسرائيل" لجهة صياغة نظرية تمكّنها من مواجهة كم كبير من "الاعداء" في آن واحد ومن جبهات مختلفة وبأسليب متنوعة. وفوق ذلك فان ما يقلق هذا العدو هو انه بعد تسعة اشهر ـ وهو التقدير الاسرائيلي لبلوغ ايران نقطة اللاعودة في برنامجها النووي ـ سيكون فوق كل هذه المعادلة الثنائية من جماعات غير نظامية وجيوش نظامية دولة في طهران تملك تكنولوجيا نووية وقدرات عسكرية تقليدية ضخمة لتشكل رافعة لـ"المخاطر الاستراتيجية على الامن القومي الاسرائيلي" التي افرزتها تجربة حزب الله ثم حماس والجهاد الاسلامي، واليوم التحولات الجوهرية التي اطلقتها الثورات العربية الحقيقية، وفي صلبها جمهورية ايران الاسلامية الثورية.