ارشيف من :آراء وتحليلات

القضية الفلسطينية... كيف تراها المعارضات السورية؟

القضية الفلسطينية... كيف تراها المعارضات السورية؟
عقيل الشيخ حسين

"من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!". الدكتاتورية والفساد والعنف الذي يمارس بحق متظاهرين سلميين هي الاتهامات الرئيسية التي يتم توجيهها إلى سوريا وتستخدم كمبررات للمساعي الهادفة إلى رجم سوريا.

ليس المقصود هنا تبيان كيف أن البلدان التي يتشكل منها محور الشر الأميركي والتي تضم بلداناً عربية ناشطة بشكل ملحوظ في الحملة على سوريا، تحتل موقع الريادة بلا منافس في ما يرتكب من إساءات بحق قيم الحرية والحقوق البشرية.

لقد تكرر القول مرة بعد مرة أن سوريا ليست مستهدفة بسبب ما ينسب إليها بغير حق من انتهاكات لتلك القيم. بل لأسباب على صلة بموقعها المركزي في المواجهة التي يخوضها معسكر المقاومة العربية والإسلامية ضد مشاريع الهيمنة الإسرائيلية ـ الأميركية.

سوريا مستهدفة، وذلك ما اعترف به أكثر من مسؤول غربي لأنها أفشلت عملية الاستسلام التي انخرطت فيها معظم الأنظمة العربية، ولأنها تتمسك بدعم حماس وحزب الله والمقاومة العراقية، ولأنها ترفض التراجع عن تحالفها الاستراتيجي مع إيران. وباختصار، لأنها حريصة على استقلالها ومشروعها القومي.

الحملة على سوريا ليست وليدة اليوم. بدأت بالتحديد خلال الحرب الأهلية اللبنانية عندما أفشل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد المحاولات الهادفة إلى حرف الثورة الفلسطينية عن أهدافها، وبالتالي إلى تصفية القضية الفلسطينية، عبر إقامة دولة فلسطينية في لبنان.

ففي تلك الفترة، بدأ بعض العرب والمعارضين السوريين ممن يظهرون الالتزام بالقضية الفلسطينية والقومية العربية بوجه عام، بدأوا بمهاجمة النظام السوري، واتهموه بالتخلي عن الجولان المحتل منذ 1967، ووصلوا إلى حد الزعم بأن أميركا والكيان الصهيوني يعارضان إسقاط النظام السوري خشية من وصول الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين إلى السلطة في سوريا.

هل يعني ذلك، في الوقت الذي تواصل فيه المعارضات السورية توجيه هذه الاتهامات إلى النظام السوري، أن هذه المعارضات التي تتصدى لمهمة تحويل سوريا إلى جنة للحرية والديموقراطية والرفاه، فيما لو تمكنت (وهي لن تتمكن) من إسقاط النظام السوري، ستعتمد سياسة معادية للكيان الصهيوني تذهب باتجاه تحرير الجولان؟ أو على الأكثر باتجاه العمل من أجل تحرير كامل الأراضي المحتلة منذ العام 1967؟

إجابة سلبية قاطعة عن هذه التساؤلات قدمها مؤخراً برهان غليون، رئيس ما يسمى بالمجلس الوطني السوري، في مقابلة أجرتها معه صحيفة وول ستريت جورنال.

وهنا لا بد من التذكير بأن برهان غليون قد ثارت ثائرته، قبل عدة اشهر، إزاء ما أسماه محاولات "برنار ـ هنري ليفي الهادفة إلى اختطاف التحرك الشعبي في سوريا". لكن ذلك لا يغير شيئاً في الواقع: الدور الحيوي المميز الذي يقوم به برنار ـ هنري ليفي في أنشطة المعارضات السورية.

أياً يكن الأمر، فإن برنار الذي يتباهى بأنه جر فرنسا إلى المشاركة في الحرب الليبية، وبأنه سيجرها إلى حروب أخرى مماثلة، هو من كان ينطق على لسان برهان في مقابلته مع وول ستريت جورنال.

فقد تعهد بعمل كل ما يرفض النظام السوري عمله تحت ضغط معسكر الشر الممتد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تركيا وبلدان الخليج: إلغاء التحالف مع إيران والتوقف عن دعم حزب الله وحماس. مع وعد ذي أهمية خاصة: حزب الله لن يعود كما كان؟؟؟

وعد استوحاه بلا شك من المصدر نفسه الذي كان ينتظر، قبل أيام من الحرب الإسرائيلية على لبنان، صيف العام 2006، حدثاً كبيراً سيغير الخريطة الديموغرافية في لبنان. كانت هنالك نية بطرد مكون أساسي من البنية السكانية اللبنانية... إلى الصحراء! لاستبداله بمكون آخر أكثر قرباً من قضية السلام مع الكيان الإسرائيلي.

برهان غليون كان واضحاً جداً بخصوص الجولان: ينوي تحريره من دون اللجوء إلى السلاح. عن طريق المفاوضات وحدها.

بكلام آخر، ينوي اعتماد نهج السادات الذي تمكن بالمفاوضات من استرجاع سيناء ولكنه، بالمقابل، أعطى مصر كلها طعمة للإسرائيليين وتركهم يركزون علمهم في قلب مصر. أو نهج السلطة الفلسطينية التي، منذ اتفاقيات أوسلو، تنتظر إقامة الدولة الفلسطينية ولا تفعل غير مراكمة التنازلات أمام الاحتلال الإسرائيلي.

هل يمكننا أن ننتظر من المعارضات السورية شيئاً مختلفاً، وهي التي يتبناها معسكر الشر الممتد حول محور تل أبيب من أميركا وأوروبا إلى الدوحة؟
2011-12-05