ارشيف من :آراء وتحليلات
إسقاط النظام السوري وإنكار وجود الشعب الفلسطيني!
عقيل الشيخ حسين
فلسطين، بما هي أرض عربية محتلة وخاضعة للاستيطان الإسرائيلي المدعومين من قبل الحكومات الغربية... تبتعد بشكل مأساوي عن ذاكرة العرب الرسميين ووعيهم.
عندما لا تستبدل بدولة فلسطينية نكتشف يومياً استحالة عدم إقامتها بسبب التعنت الإسرائيلي، والتحيز الغربي، وخصوصاً اللامبالاة والتواطؤ العربي، فإنها تُنحّى جانباً ليتركز الانتباه على ما يسمى بالربيع العربي الذي لا تنعكس فلسطين من خلاله إلا عبر بعض الأنشطة الهامشية أو الشعارات التي يرفعها متظاهرون في مصر أو اليمن.
لحسن الحظ أن مواقف غربية كاللجوء الأميركي إلى حق النقض أو التصريحات التي تؤكد الالتزام المطلق بأمن الكيان الصهيوني، تأتي من وقت لآخر لتنعش ذاكرة قسم من العرب والفلسطينيين. ولكن من دون أن تكون لها تداعيات ذات معنى.
واحد من هذه المواقف اتخذته مؤخراً شخصية سياسية أميركية تمتلك أوسع الحظوظ في الوصول إلى منصب الرئاسة في الولايات المتحدة العام القادم.
تلك الشخصية هي نيوت غنغريتش، أحد الصقور الجمهوريين والرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي. ففي مقابلة مع إحدى قنوات التلفزة اليهودية الأميركية، جسد غينغريتش كل سابقيه من المسؤولين الأميركيين من خلال تصريح قال فيه بأن الفلسطينيين شعب "مخترع" أو "ملفق"، أي لا وجود له كشعب، أو إن وجوده يفتقر إلى الأصالة.
"لم يكن الشعب الفلسطيني موجوداً قبل عام 1948... كان بإمكانهم أن يرحلوا إلى أي مكان". بهذه الطريقة قام غينغريتش بتعميق المسمار في الجسد العربي الذي لم تصدر أية ردود فعل عن مؤسساته الرسمية (الدول، والجامعة، ومجلس التعاون... إلخ).
لأن الرد لا يمكن إلا أن يمر عبر تجريم السياسات الأميركية والغربية إزاء القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى بقدر ما تأتي تصريحات غينغريتش لتعكس العقيدة التقليدية الصهيونية والغربية التي اعتبرت أن فلسطين أرض بلا شعب.
ولأن تجريم هذه السياسات يزعج باراك أوباما وهيلاري كلينتون ونيكولا ساركوزي وآلان جوبيه وغيرهم من المسؤولين الغربيين الذين ترتصف خلفهم أو أمامهم أنظمة الاستسلام العربي في الحرب التي تشنها على القضية الفلسطينية وجبهة الممانعة والمقاومة العربية والإسلامية.
غينغريتش نفسه الذي يعبر، باسم جميع المسؤولين الغربيين، وبهذا الشكل المكشوف، عن ازدرائه للقضية الفلسطينية التي غالباً ما يعتبرها العرب قضية "مقدسة"، لا بد وأنه اجتذب الاحترام والاعجاب والاعتراف بالجميل من قبل بعض العرب الذين يشاركون الإسرائيليين والحكومات الغربية في وضع إسقاط النظامين السوري والإيراني على رأس قائمة أولوياتهم.
لكن غينغريتش، وخلافاً لهؤلاء المسؤولين لم يلجأ إلى النفاق والخبث: لم يقل كلمة واحدة عن الاهتمام الغربي المزعوم بتمكين الشعبين السوري والإيراني من التمتع بنعيم الحرية والديموقراطية والحقوق. ما يهمه هو فقط مصالح الولايات المتحدة.
وبالطبع مصالح الكيان الصهيوني. فقد أقر بأن رؤيته للعالم "قريبة بما يكفي" من رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي حظي مؤخراً بالتصفيق الحاد من قبل النواب والشيوخ الأميركيين ديموقراطيين وجمهوريين.
لكن تصريحاته، سواء أقر بذلك أم لا، والتي تشجعه عليها تواطؤات أنظمة الاستسلام، جاءت لتعكس بشكل فصيح حقده وحقد المسؤولين الغربيين ليس فقط على الشعب الفلسطيني، بل على سائر شعوب العالمين العربي والإسلامي.
فنحن نعرف أن الشعور القومي، الشعور بالانتماء إلى العروبة، بات بلا معنى منذ زمن طويل بالنسبة لمعظم الزعماء العرب. فقد شاركوا بنشاط في العمليات الحربية ضد العراق، ودفعهم الكرم العربي العريق إلى تمويل الحروب الأميركية والأطلسية على العراق وليبيا.
إن تصريحات غينغريتش، وهي من نسق تصريحات غيره من المسؤولين الغربيين، لن تغير شيئاً على مستوى مواقف أنظمة الاستسلام إزاء سوريا. كما لن تغير مواقف المعارضين السوريين الذين يظهرون أمام عدسات التصوير إلى جانب آلين جوبيه وباراك أوباما وهيلاري كلينتون، وغيرهم ممن ينفثون حقدهم على سوريا. ولن تغير شيئاً على مستوى مواقف هؤلاء الإسلاميين الطامحين إلى الحكم بدعم أميركي والذين يتعهدون باعتماد سياسات عاقلة وحكيمة تجاه الغرب والكيان الصهيوني. والذين يجدون كثيراً من العناء عندما تلاحقهم أسئلة الصحافيين حول ما لديهم من رؤى بخصوص القضية الفلسطينية، في حين يقتنصون كل فرصة ليغمسوا أيديهم في الجرح السوري النازف.
من الأكيد، وهذا ما تفرضه الأجواء الثورية في العالم العربي، أن تلك التصريحات ستسهم بالمزيد من فتح أعين هذه الشعوب العربية التي ستنتهي، من تجربة إلى تجربة، إلى سلوك الطريق المستقيم الذي وضعت معالمه منذ خمسة عشر قرناً.