ارشيف من :آراء وتحليلات
إسلامية الثورات العربية... على المحك الفلسطيني !
قورنت الثورات العربية بالعديد من الثورات العالمية الكبرى، من الفرنسية إلى البلشفية، قبل أن ترسو عليها ـ بفعل الهيمنة الغربية على وسائل الإعلام الكبرى ـ تسمية "الربيع العربي" تيمناً بالتحولات التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة حلف وارسو.
وحدهم الإيرانيون أصروا في وسائل إعلامهم على أن ما يجري في العالم العربي هو صحوة إسلامية. وبالفعل، تمكن الإخوان المسلمون وغيرهم من الحركات الإسلامية من الفوز في الانتخابات التشريعية في تونس ومصر، البلدين اللذين سبقا البلدان الأخرى في إسقاط النظامين الحاكمين.
كما فازت الحركات الإسلامية في الانتخابات المغربية، ويبدو أنها لن تتأخر كثيراً في تحقيق فوز مماثل في الأردن.
وعلى الفور، عبرت وسائل إعلام غربية وعربية عن خيبة أملها وشرعت بالحديث عن "الشتاء الإسلامي" في شبه حملة منظمة ركزت على مواطن الإثارة ذات الصلة بالحياة الشخصية وحرية المرأة واللباس الإسلامي والأصولية والإرهاب. واستخدمت في ذلك خطاباً هو سليل الخطاب التحريضي الذي استخدم عندما فازت جبهة الخلاص الإسلامية الجزائرية في الانتخابات البلدية ثم التشريعية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي.
كما استخدمت الخطاب نفسه إزاء فوز حماس في الانتخابات التشريعية في الضفة الغربية وغزة. وفي الحالتين، تم الانقضاض على هذين التطورين بحجة عدم السماح لغير الديموقراطيين بالوصول إلى الحكم حتى بالوسائل الديموقراطية.
وفجأةً ساد الهدوء وبدأنا نسمع عبارة "ولم لا ؟" الإخوان المسلمون يتمتعون بقاعدة شعبية واسعة فلم لا يكون لهم الحق كغيرهم في الحكم؟
وقد جاء هذا التغير في الموقف بعد أن تواترت الأخبار عن لقاءات تجري هنا وهناك بين قياديين من الإخوان ومسؤولين أو مبعوثين أميركيين وغير أميركيين. وتقول بعض الشائعات إن لقاءات تجري مع مسؤولين إسرائيليين.
ولوحظ تأثير تلك اللقاءات في أوائل البيانات والتصريحات التي صدرت عن مسؤولين في حركة النهضة التونسية ركزت على التسامح والحريات الشخصية في أجواء بعيدة كل البعد عن خطاب تطبيق الشريعة الأثير عند الإسلاميين.
كما لوحظ في إصرار المجلس العسكري المصري، دون إنكار من قبل الإسلاميين المصريين أو غيرهم، على التمسك باتفاقيات كمب دافيد، وفي بعض تصريحات الإخوان السوريين حول المصير الأسود الذي يعدونه لحزب الله في لبنان، وفي تصريحات أخرى حول المفاوضات كطريق وحيد لحل مشكلة الجولان، أو حول اعتماد العقل والحكمة ـ أو تقديم المصلحة ـ في التعامل مع الغرب والكيان الصهيوني.
كل ذلك يسمح، فيما يتجاوز الارتياب، بالقلق الشديد لا على مصير الثورات العربية، بل على الشعوب العربية جراء ما يبدو فاتحة لمرحلة طويلة من الفوضى والاضطراب المرشحين لأن يعصفا بالحركات الإسلامية الحاكمة قبل غيرها.
إذا كان بعض القياديين قد عقدوا صفقات مع الأميركيين وغيرهم، فهل يعني ذلك أن جماهير الإسلاميين الذين تربوا على تقديس القضية الفلسطينية وحلم الصلاة في المسجد الأقصى سيتقبلون بسهولة رؤية قادتهم وهم يصافحون القادة الإسرائيليين على طريقة أنور السادات وحسني مبارك...؟.
ثم فيما يتعلق بالمجتمعات العربية تتواتر في تصريحات القياديين الإسلاميين حول حلول المشكلات الاجتماعية في بلدانهم عبارات من نوع البنوك الإسلامية والاستثمارات الخارجية وصندوق النقد الدولي والقطاع السياحي، وفقاعة النموذج التركي، ما يشي بافتقارهم إلى رؤى مختلفة عن تلك التي أسهمت إلى حد بعيد في تدمير اقتصادات البلدان العربية غير النفطية، باستثناء بلدان كسوريا تعتمد نمط الاقتصاد الموجه إلى حد بعيد.
من الواضح، في ظل هذا النوع من الرؤى، وفي الوقت الذي يدور فيه الكلام عن صفقات بين الإخوان والمجلس العسكري المصري وحكومة الجنزوري "المباركية" أن الثورات العربية ستستمر. أليس أن مظاهرات الاحتجاج تتواصل بعد عشرة أشهر من سقوط الطاغيتين في تونس ومصر... وأن القمع الدموي ماثل هنا وهناك؟ هناك حركات عفوية تطالب بإسقاط أنظمة الفساد، وتتعرض للاختطاف بسبب عدم كفاية الوعي الثوري، ولا بد للثورات العربية أن تنتقل إلى وضع تمحص فيه نفسها عبر تعميق وعيها بما يدور حولها من أحداث كبرى، إقليمية ودولية، وخصوصاً بهويتها المتمحورة حول بعد تاريخي وثقافي هو وحده الذي يعيد تصحيح المسارات وتحديد الخيارات.
بكلام آخر، لا يمكن للثورات العربية، وهي ثورات سياسية بامتياز، أن تحقق ذاتها من دون الرجوع ملياً إلى التمعن الشديد في تاريخ الطبري والمسعودي وسيرة ابن هشام والصحاح والسنن... إضافة بالطبع، إلى كتاب الله ونهج البلاغة... وعندها سيتبين أن الثورات العربية لا تكون إلا بقدر ما تكون مجالاً لانصهار عروبتها بإسلامها، ولانصهار عروبتها وإسلامها بفلسطينيتها.