ارشيف من :آراء وتحليلات

التعاون التكنولوجي ـ العسكري بين ايران وروسيا يرعب أميركا

التعاون التكنولوجي ـ العسكري بين ايران وروسيا يرعب أميركا
صوفيا ـ جورج حداد*

تتخذ المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية أشكالاً أكثر احتداماً، وقد تجاوزت حدود المكاتب الدبلوماسية والاستوديوهات الإعلامية وأخذت تشارك فيها مباشرة قيادات السي آي ايه والبنتاغون والبيت الأبيض.

وبسرعة متزايدة تعود بنا هذه المواجهة إلى الأجواء الكلاسيكية المعروفة عن الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق، مع فارق "بسيط" هو أن إيران تأخذ مكان الاتحاد السوفياتي هذه المرة. وفي الأسبوع الماضي أطل علينا أحد أبرز وجوه الحرب الباردة السابقة، مستشار الأمن القومي السابق في عهد جيمي كارتر (1977 ـ 1981) زبيغنيو بريجينسكي، ليحذر الولايات المتحدة من أنها دخلت في علاقات صدامية عنيفة وكثيرة مع إيران، وأن ذلك يمكن أن يقود إلى حرب ذات نتائج "كارثية" حسب تعبيره، ويقول "أحسب أنه يمكننا أن نتجنب الحرب، باستخدام تدابير "زجرية"، كالعقوبات مثلاً، لأجل أن نجبر إيران على أن تتخلى عن برنامجها للتسلح النووي"، كما جاء في تصريح بريجينسكي أمام المنظمة غير الحكومية المسماة "المجلس الأطلسي للولايات المتحدة الأميركية" في واشنطن.

ولكنه لاحظ أنه بالرغم من ذلك "إذا لم يفعل الإكراه فعله، ينمو خطر الدخول في حرب. وهذا يحد بشدة من حقل المناورة أمامنا".

وعبر بريجينسكي عن القلق الشديد من التصعيد "الخطابي" للتوتر بين الدولتين. وقال "لقد اتُّخذ عدد كبير من القرارات الصغيرة، التي تحد من حريتنا في العمل في المستقبل".

التعاون التكنولوجي ـ العسكري بين ايران وروسيا يرعب أميركا

وأعلن "إذا دخلنا في نزاع مكشوف مع إيران تحت أي شكل كان، فإن النتائج المترتبة علينا ستكون كارثية، كارثية جماهيرياً وعلى نطاق عالمي".

وجاء تصريح بريجينسكي بعد قيام الأجهزة التكنولوجية ـ العسكرية المختصة في إيران بإهباط طائرة تجسس بدون طيار أميركية والسيطرة عليها وهي سليمة تماماً. وأُهبطت الطائرة على مسافة 250 كيلومتراً داخل الأراضي الإيرانية. ومع أن الطائرة كانت في مهمة تجسس واضحة لا تحتاج إلى إثبات، ما يشكل عدواناً سافراُ وتعدياُ وقحاً على السيادة الوطنية والأمن القومي لإيران، فإن الصبي الأسمر المهرج القابع في البيت الأبيض والمسمى باراك اوباما لم يتورع، وعلى طريقة إذا لم تستحِ فقل ما شئت، عن أن يطالب إيران بإعادة الطائرة إلى أميركا باعتبارها ملكية أميركية، تماماً كالمجرم الذي سقط منه مسدسه في مكان ارتكاب الجريمة ويطالب أهل الضحية باستعادة المسدس باعتباره ملكاً له.

وهذا الطلب بحد ذاته، ومن رئيس الدولة الأميركية شخصياً, يدل على مدى الانحطاط الأخلاقي والإنساني والسياسي والحقوقي الذي بلغته السلطة الأميركية، حتى لا نقول أميركا كدولة وكشعب "ينتخب" مثل هذا الرئيس. كما أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت إن واشنطن سوف ترسل طلباً رسمياً لاستعادة الطائرة. ولكن هيلاري، وعلى طريقة "يرضى القتيل وليس يرضى القاتل"، أضافت "أنه نظراً للسلوك الحالي لإيران، فإننا لا نتوقع حصول ذلك" (أي تلبية طلبها).

ورداً على طلب أوباما أعلن وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي "أن طائرة التجسس الأميركية هي الآن ملك إيران ونحن نقرر ماذا سنفعل بها"، و"بدلاً من أن يعتذروا من الشعب الإيراني، فإنهم (أي الأميركيون) يطلبون بكل وقاحة أن تعاد إليهم".

كما أدلى الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانباراست بتصريح جاء فيه "يبدو أن السيد أوباما ينسى أنه قد تم خرق المدى الجوي الإيراني عن طريق تنفيذ مهمة تجسسية"، و"كان الأحرى بالرئيس أن يعتذر وأن يعترف بهذا الانتهاك".

وذكرت المصادر المطلعة أن طائرة التجسس بدون طيار التي أُهبطت وعرضت على التلفزيون الإيراني وهي سليمة تماماً هي طائرة سرية للغاية من طرازRQ-170 Sentinel، وهي من أحدث الأنواع التجسسية في الترسانة الأميركية، وتعتبر كنزاً أو منجماً معلوماتياً مضاداً للتجسس في يد المراجع الإيرانية المختصة، مما يدخل القيادات العسكرية والأمنية والسياسية الأميركية في بلبلة يصعب عليها الخروج منها في المستقبل المنظور.

وحادثة السيطرة على RQ-170 Sentinel ليست أول اختراق لقنوات الاتصال للطائرات الأميركية بدون طيار. ففي نهاية سنة 2009 تم العثور على أجهزة كومبيوترات محمولة عائدة لبعض الثوار العراقيين، كان يوجد فيها تسجيلات فيديو لمعلومات تم الاستيلاء عليها من طائرات التجسس الأميركية بدون طيار، وفهم من هذه المعلومات أن الثوار العراقيين كانوا يرون كل شيء تراه الطائرة وتصوره وبالتالي كل شيء تراه مراكز توجيه تلك الطائرات. ولهذه الغاية استخدم الثوار العراقيون البرنامج الكومبيوتري الروسي المسمى SkyGrabber. ويوصف هذا البرنامج بأنه برنامج لـ"صيد السمك بالقمر الاصطناعي". ويبدو أن طائرات التجسس الأميركية كانت "تعلق في الصنارة".

ويؤكد موقع الكتروني روسي أن طهران لديها مجمّع لمكافحة التجسس الراديو ـ تكنولوجي. ويقول هذا الموقع إن روسيا زودت طهران بمجمّع أرضي لمكافحة التجسس الراديوـ تكنولوجي من طراز 1L222 “AVTOBAZA”. ويسند الموقع تأكيده إلى نائب مدير الدائرة الفيديرالية للتعاون العسكري ـ التكنولوجي كونستانتين بيريولين. وحسب الموقع المسمى Flightglobal فإن المجمّع الروسي المذكور يمكن أن يكون أداة مثالية لاختراق قنوات إدارة الطائرات الأميركية من دون طيار من طراز طائرة التجسس RQ-170 Sentinel التي أُهبطت في إيران في 4 كانون الأول الجاري.

وحسب رأي بعض الخبراء فإن 1L222 “AVTOBAZA” هو جزء فقط من مجمّع متحرك من محطات التشويش الراديوي من طراز SPN-2 و SPN-4.

التعاون التكنولوجي ـ العسكري بين ايران وروسيا يرعب أميركا

ويقول مصدر لم يكشف عن اسمه في موقع svpressa إن هناك امكانية تكنولوجية لفك شيفرة الأوامر في نظام إدارة طائرات التجسس الأميركية من دون طيار. ولكن محطة 1L222 “AVTOBAZA” كان يمكنها أن تستقبل فقط الإشارات الصادرة عن RQ-170 Sentinel. ولأجل إرسال إشارة الى نظام الأوامر للطائرة التجسسية، من الضروري وجود جهاز إرسال متخصص. وهو ما لم يكن يمثل معضلة حسب رأي هذا الخبير. ولهذا السبب فليس من المستبعد أن الإيرانيين اعترضوا طائرةRQ-170 Sentinel وأعطوها أمراً كي تحط لدواع طارئة. وهذا ما يوضح كونها هبطت بدون أن تصاب بأية أضرار.

ونعود إلى تصريح الثعلب الداهية العجوز زبيغنيو بريجينسكي، الذي يعتبر أحد أكبر مهندسي استراتيجية الهيمنة الدولية للقطب الأميركي الأوحد.
زبيغنيو بريجينسكي، البولوني الأصل، ذو المعرفة الواسعة والعميقة بروسيا، يعرف تماما أن هناك الكثير مما ينبغي أن تخشاه أميركا وأن ترتعد له فرائصها.

إن إهباط طائرة RQ-170 Sentinel يدل على أن أميركا فقدت أحد أهم أشكال السيطرة الجوية في إيران، بل إن السحر انقلب على الساحر وأصبح بالإمكان محاربتها هي وحلفاءها الاستراتيجيين بسلاحها ذاته.

وهذه العملية المتطورة هي كرأس جبل الجليد، وهي تدل، فيما تدل، على القدرات غير المحدودة لإيران وعلى مدى عمق واتساع وارتفاع مستوى التعاون العسكري ـ التكنولوجي بين إيران وروسيا، مما تتوفر له كل الشروط الموضوعية والمصلحة المتبادلة لتطوير أكثر فأكثر، وفي مختلف المجالات، بما في ذلك مجال التسلح الصاروخي والنووي.

ومع أخذنا بالاعتبار الاختلافات القومية والدينية والسياسية والايديولوجية بين روسيا وإيران، يمكننا القول إن هذا التعاون ليس شواذاً وليس خروجاً على القاعدة، بل هو من طبيعة المنطق التاريخي للأشياء. فالاتحاد السوفياتي السابق سبق أن تأسس ونشأ وانطلق على قاعدة التآخي بين الشعب الروسي ـ السلافي ـ المسيحي الشرقي وبين الشعوب الإسلامية في آسيا الوسطى. وحينما اهتزت هذه القاعدة بعد الاحتلال البريجنيفي لافغانستان، اهتز وسقط الاتحاد السوفياتي، وتنطحت الامبريالية الأميركية بدعم تام من الصهيونية العالمية لفرض هيمنتها الآحادية على جميع شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية.

وإذا استثنينا نموذج الدولة العثمانية الجربانة، ووريثتها الدولة التركية الحديثة العثمانية الجديدة الأكثر جرباً، التي سارت وتسير مغرِّبة بعكس المجرى التاريخي للشرق، فإن روسيا، بجبروتها وحضارتها العريقة الروسو ـ سلافية والمسيحية الشرقية، هي الأس الأساس للشرق العظيم وقاعدة البنيان المرصوص للتآخي الاسلامي ـ المسيحي لشعوب الشرق، الذي تعمل على بنائه القوى الشرقية الواعية والثورية الاسلامية والقومية والتقدمية، بمواجهة استراتيجية الهيمنة الدولية للامبريالية الاميركية والغربية والصهيونية العالمية.

ــــــ
*كاتب لبناني مستقل

2011-12-22