ارشيف من :آراء وتحليلات

غوبلز أميركا: إعلام التدخل السريع

غوبلز أميركا: إعلام التدخل السريع
بثينة علّيق

على الرغم من مؤشّرات التراجع السياسي والعسكري والأمني للحراك المناهض لمحور المقاومة في المنطقة، تبقى الحملة الإعلامية أو الإعتداء الإعلامي أو الحرب الإعلامية مستمرّة.

حربٌ قائمة على عدّة جبهات عربيّة وأوروبيّة وأميركيّة. اللافت هو حجم الإنخراط الإعلامي الأميركي في هذه الحرب حيث تقوم وسائل إعلام الولايات المتحدة بعمليات تضليلٍ وتشويهٍ وكذبٍ مكشوف على أكثر من مستوى.

ما جرى خلال مقابلة الرئيس الأسد نموذج يظهر إستعداد الإعلام الأميركي ليسفر عن وجهه فيحرّف كلام رئيس دولة ويخرجه من سياقه ويقوّله ما لم يقله من خلال عملية مونتاج عالية التقنية والحرفية. والهدف هو إحداث شرخ بين رئيس الدولة "الأسد" ومؤسسة الجيش، وإحداث أزمة بينه وبين الأمم المتحدة إضافةً إلى تشويه صورته.

قبل مقابلة الأسد بفترةٍ غير قصيرة، قرأنا وشاهدنا في وسائل الإعلام الأميركية تبنٍّ كامل لروايةٍ ضعيفة وركيكة وغير متماسكة حول دورٍ إيرانيّ في محاولة إغتيال السفير السعودي في واشنطن. ليس في الأمر مفاجأة ففي الولايات المتحدة الأميركية مدرسة إعلامية سائدة ومبدؤها: "حجب الحقيقة عن عامّة الناس". صاحب هذا المبدأ ومروّجه هو فيلسوف المحافظين الجدد "ليو ستراس". وستراس هذا يتبنّى من خلال هذه المقولة شعارات وأفكار كيسنجر الذي أسّس في واشنطن منذ خمسينيات القرن الماضي إعلاماً أطلق عليه إسم "صحافة التدخّل السريع".

ومن خلالها مارس كيسنجر أسلوب الخداع والكذب كإيديولوجيا فكرية. إعتبر كسنجر أن إحدى مشاكل حرب فيتنام هي أن التلفزيون أدخل الحرب إلى كلّ بيتٍ أميركي وبهدف المواجهة أنشأ فريق عملٍ يضمّ صحافيين تحوّلوا إلى نجوم الإعلام الأميركي الذين يروّجون لسياسات كسنجر وتيّاره. صحفيّو التدخل السريع لا يكتبون معلوماتهم وتحليلاتهم إلا بناءً على مكالماتٍ هاتفية يتلقّونها من السياسيين. مع ظهور البرامج التلفزيونية صار نجوم التلفزيون يستضيفون شخصياتٍ يقترحها البيت الأبيض. يقوم الضيوف بالتواطؤ مع المحاور بتلميع السياسة الأميركية وشيطنة كلّ من يكنّ العداء للولايات المتحدة. ومن خلال عمليةٍ ممنهجة ومدروسة أصبح الإعلام في الولايات المتحدة لا ينقل الحقيقة بل يقوم بدور تضليل المواطن بشكلٍ دائم.

ويروي الباحث العربي مصطفى النقيب أنه في ثمانينيات القرن الماضي قامت الصحافة الأميركية بأكبر عملية تضليل في تاريخ البلاد. كان الإتحاد السوفياتي على فراش الموت، أما صحف أميركا فتؤكّد للمواطن بأن الإتحاد السوفياتي يتقدّم ويهدّد الأمن القومي الأميركي لتبرير زيادة الموازنات العسكرية.
في بداية القرن الواحد العشرين، تبنّى هذه الإعلام دون نقاش كذب الإدارة الأميركية حول سلاح الدمار الشامل في العراق، وطبّل وزمّر للغزو الأميركي. أما تجربة الإعلام مع الكيان الصهيوني فتظلّ الأكثر تعبيراً. مع إسرائيل إندمج الصحفيون بالإدارة الأميركية وبمراكز الضغط. وحصلت عملية ترويج بأن قضية إسرائيل هي مقطع من التاريخ الأميركي وتكرّرت مقولة أن إسرائيل تمثّل الإستثناء الديموقراطي في المنطقة.

إذاً ما نشهده اليوم هو إمتداد وإستمرار لنهج وأسلوب صحافة التدخل السريع والذي يميّز هذه المرحلة أننا شهدنا فروعاً في العالم العربي تكاد تتفوّق على النسخة الأصلية في أميركا وما تشهده على الساحة السورية تطبيقٌ عمليّ لمبدأ الخداع والتضليل.

إلا أن منطقتنا تختلف عن غيرها وتتجسّد فيها المعادلة التالية: صحيحٌ أن الإعلام سلطة كفيلة بتكوين الإنطباعات إلا أن المعطيات التاريخية والجغرافية والميدانية تبقى الأقوى. وقد ثبت في المراحل السابقة أن تجربة الغرب في منطقتنا لها حدود وأن كلّ إمكانياته المالية والعسكرية والإقتصادية والإعلامية تؤثر مرحلياً ولكن لا تغيّر الحقائق.
2011-12-23