ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا والعراق: المُخطِّط واحد والمخطًّط واحد

سوريا والعراق: المُخطِّط واحد والمخطًّط واحد

مصطفى الحاج علي

لم يكد يغادر الاحتلال الاميركي العراق حتى أخذ يهتز سياسياً وأمنياً، وذلك وفق التسلسل التالي:

أولاً: ارتفاع الأصوات المطالبة بتحويل محافظة ديالى الى إقليم يحظى بما يشبه الإدارة الذاتية، هذه المحافظة التي يبلغ عدد سكانها حوالى ثمانية ملايين نسمة، أي ما يعادل ثلث عدد سكان العراق تقريباً، وهي أيضاً عبارة عن خليط سكاني، وإن بأرجحية سنية، وأما الواقفون وراء هذه الدعوة فكلهم ينتمون الى القائمة العراقية برئاسة اياد علاوي.
واذا كان في الدستور العراقي ما يبرر مطالبة كهذه، إلا أن توقيتها مريب جداً حيث جاءت في مناخ استعداد الاحتلال الاميركي لمغادرة العراق، وفي مناخ السعي لإحداث تغيير على صعيد رئاسة الحكومة، بما يشبه التحضير لانقلاب.

ثانياً: كشف خطة لتفجير مجلس النواب العراقي أثناء حضور المالكي إحدى جلساته، هذه الخطة التي كشفت في الحقيقة عن مخطط انقلابي للاطاحة بكل مكونات المسار السياسي الحالي في العراق، واعادة الأمور الى الوراء، أي انتاج فراغ سياسي في السلطة يجري ملئه بأحداث أمنية وصولاً الى انتاج واقع سياسي مختلف، وقد جرى توجيه أصابع الاتهام الى أطراف محسوبة على القائمة العراقية ومنها من يشغل مواقع كبيرة في السلطة، وفق أدلة محسوسة، وكان واضحاً أن وراءها أيضاً أصابع خارجية وتحديداً النظام السعودي.

ثالثاً: اعلان اياد علاوي عشية الانسحاب الاميركي من العراق تعليق مشاركته في جلسات المجلس النيابي، هذا الاعلان الذي لا يمكن تفسيره في توقيته إلا أنه محاولة لضرب العملية السياسية في العراق أو هزها بقوة وصولاً الى الرهان على أن تؤدي الى اسقاط رئيس الحكومة نوري المالكي.

رابعاً: مسارعة رئيس الحكومة المالكي الى الكشف عن المخطط الأمني لاستهدافه، واستهداف المجلس النيابي العراقي، والهادفة أيضاً الى اطلاق مسلسل من التفجيرات الأمنية لخلط الأوراق والتوازنات واعادة انتاج معادلة سياسية عامة، وعلى صعيد تركيبة السلطة بشكل مختلف.

خامساً: مسارعة القائمة العراقية الى تعليق مشاركتها في الحكومة العراقية، بالتزامن مع فرار رموزها الرئيسيين المطلوبين لدى القضاء العراقي، طارق الهاشمي الذي فرّ الى منطقة أربيل، وصالح المطلك الذي فرّ الى الأردن.

سادساً: تسجيل سلسلة من الانفجارات الأمنية الواضحة باستهدافاتها، والمشيرة بوضوح أيضاً الى من يقف وراءها.

هذا المسار السياسي ـ الأمني الشديد الاضطراب كيف يمكن تفسير دوافعه وأهدافه وتداعياته المحتملة؟

أولاً: ان الاميركي الذي ترك العراق غصباً عنه، لا يريد أن يرى خصومه هم الأقدر على ملء هذا الفراغ، وبالتالي احداث تحول نوعي في الموقع والدور الخاص بالعراق، ولذا من مصلحته اغراق العراق في حرب استنزاف سياسية وأمنية تعطل دور العراق، وتحيّد موقعه، وبدلاً من أن يشكل عامل تعزيز واسناد لمحور المواجهة مع المشروع الاميركي وأدواته في المنطقة يصبح عامل ارباك ونزف لهذا المحور.

ثانياً: من نافل القول، إن دول الخليج عموماً والمملكة السعودية تحديداً لم تنظر يوماً بعين الرضا الى واقع التوازنات الحالية التي تحكم العراق، كما لم تنظر بعين الرضا الى واقع الانسحاب الاميركي الذي رأت فيه تداعيات لغير مصلحتها، بل لمصلحة خصومها، وهي، بالتالي، حرصت طيلة الفترة الماضية على اطالة عمر الاحتلال، وعلى اطلاق هجمات أمنية، فهذا الاتجاه لم يصب النجاح المطلوب.

ثالثاً: ان التحالف الغربي ـ الاميركي ـ الخليجي يتعاطى مع سوريا والعراق كمعطى جيو ـ سياسي وجيو استرايتجي واحد، أي أن واحداً من المستهدفين الرئيسيين في سوريا هو العراق، حيث المطلوب احداث تحول في موقع سوريا ودورها لمصلحة هذا المحور، بما من شأنه أن يشكل اسنادا استراتيجيا لإعادة خلط الأوراق والمعادلات والتوازنات في العراق، والعكس صحيح أيضاً، إذ إن احداث تغيير في المعادلة الحالية التي تحكم العراق من شأنه ان يعزز من الهجوم الضاغط لإحداث تغيير مماثل سوريا.

رابعاً: لا شك، في ان عدم استقرار التركيبة السياسية الدقيقة التوازن في العراق، يشكل عاملا مشجعا لأعداء العراق للاندفاع نحو هزها والعمل على فرطها بما يوقع العراق في حال من انعدام الوزن السياسي والأمن أطول فترة ممكنة.

خامساً: لا شك أيضاً، في ان الاحتلال الاميركي وأدواته في المنطقة زرعوا افخاخاً كبيرة داخل العراق، هي عبارة عن شكوك وهواجس متبادلة، مستفيدين من التوترات المذهبية والإتنية التي عملت على اشاعتها الاتجاهات التكفيرية، والأعمال الانتحارية المستهدفة للمدنيين على نحو رئيسي.

استناداً الى ما تقدم، يمكن القول إن هناك محاولات حثيثة من الاميركي وأدواته في المنطقة لتعميم المؤامرة المستهدفة لسوريا لتشمل العراق، وربما غيره أيضاً، بهدف خلخلة محور المقاومة والممانعة في المنطقة وصولاً الى اسقاط حلفائه المركزيين، أو على الأقل تعطيلها وتحويلها الى مناطق استنزاف لهذا المحور.

2011-12-23