ارشيف من :آراء وتحليلات

الثورات المصطنعة... عندما يكون اتكالها على العدو الخارجي!

الثورات المصطنعة... عندما يكون اتكالها على العدو الخارجي!

عقيل الشيخ حسين

التدخل العسكري الأجنبي في لبنان سابق على إعلان قيام هذا البلد الذي تعرض لأعداد معتبرة من التدخلات التي انبرت فيها دول غربية لحماية هذه أو تلك من الطوائف اللبنانية، خصوصاً خلال القرن التاسع عشر. وقد حصل تدخل أميركي بطلب رسمي لبناني في العام 1958. وتلت ذلك تدخلات عديدة خلال الحرب الأهلية، منها ما كان بغطاء دولي ومنها ما كان بغير مثل هذا الغطاء. والمعروف أن الكيان الصهيوني شن، بالتعاون مع قوى محلية، اجتياحات للبنان كان أبرزها اجتياح العام 1982 الذي انتهى بانسحاب الاحتلال إلى منطقة الشريط الحدودي قبل أن ينسحب من معظم الشريط في العام 2000.

ويمكن القول إن العراكات السياسية التي أعقبت الحرب الأهلية قد رافقتها دعوات مباشرة أو غير مباشرة للتدخل الإسرائيلي بهدف الاستقواء على قوى محلية مناوئة أو على الوجود السوري الذي دخل لبنان في بداية الحرب بهدف الحيلولة دون خرق الخطوط الحمراء التي تشكل تهديداً للكيان اللبناني.

كما يمكن القول، إن العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006 قد تم وفق دينامية حكمها اليأس من قدرة أو إقدام قوى 14 آذار على التحرش بحزب الله بالشكل المناسب لتغليب منطق التدخل العسكري الإسرائيلي.

كما يمكن القول أيضاً إن الكثير من الإثارات المتواصلة التي تشهدها الساحة اللبنانية، وفي مقدمتها أعمال الاغتيال التي راح ضحيتها الرئيس رفيق الحريري وعدد من السياسيين اللبنانيين، تندرج في الإطار نفسه، على أساس أن تشكيل المحكمة الدولية قد تم وفقاً للبند السابع، وأن الكثير من الملابسات المتعلقة بقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان إنما تهدف إلى رفع مستوى مهامها من البند السادس إلى البند السابع، ما يعني تحويلها إلى قوة تدخل عسكري دولي بهدف ضرب المقاومة.

ودون الغوص بعيداً في تاريخ البلدان العربية الأخرى، كانت الثورة الليبية على نظام العقيد القذافي مجرد خطوة ابتدائية مهدت لتدخل الناتو وشركائه العرب.

ولعل ما يسمى بالثورة السورية قد بز الجميع في إطلاق نداءات الاستغاثة طلباً للتدخل الخارجي. أما نظام علي عبد الله صالح، فمن غير المهم أن نعرف ما إذا كان القصف الأميركي لمواقع في الأراضي اليمنية قبل وأثناء الثورة قد تم بطلب منه أم لا. فالمهم هو أن سلاح الجو الأميركي قد قام، وربما يواصل القيام، بمهام قتالية فوق الأراضي اليمنية بحجة ملاحقة إرهابيي القاعدة.

وهنالك التدخل العسكري في البحرين من قبل السعودية وبلدان التعاون الخليجي.

وبخصوص القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة والبلدان الأطلسية الأخرى، والمنتشرة في بلدان الخليج، فإنها توجد وتمارس مهامها بناءً على تخريجات بصورة طلبات موجهة من البلدان المعنية.

وكل ذلك بالاقتصار على الأنشطة ذات الصلة بالعمليات العسكرية المباشرة. فلو انتقلنا إلى الأنشطة ذات الصلة بالعمليات غير المباشرة، أي بالحرب المسماة "ناعمة" والتي تضطلع بمهامها بشكل رئيس أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية والمرتبطة بها، إضافة إلى ما يسمى بالشركات الأمنية وتنظيمات المرتزقة... فإنها موجودة بدعوات وبغير دعوات، وبأشكال ظاهرة وخفية... ووجودها لا يمكن تصنيفه على أنه يتم لأغراض سياحية أو إنسانية.

وفي الوقت الذي يعترف فيه الأميركيون جهاراً بأنهم يقومون بأعمال تفجير واغتيالات سرية ويهتمون بإثارة البلبلة السياسية، يطالب العديد من زعمائهم البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون بالتركيز على تنفيذ مثل هذه الأعمال. لذا، من البديهي أن يكون قسم من هذه العمليات التي نفذت على نطاق واسع في العراق ولبنان، وبشكل جزئي في سوريا وإيران، من صنع تلك الأجهزة بما فيها جهاز الموساد الإسرائيلي.

وفي غمار كل ذلك، يبدو أن طلب التدخل الأجنبي (أميركي، أطلسي، تركي، ردعي عربي) قد أصبح عماد الجهات العربية المهتزة والمترنحة في ظروف فشلها الراهن والحتمي. والمثير للدهشة هو تجاسر أولئك "المعارضين" الذين يزعمون، في سوريا مثلاً، بأن "الشعب يريد إسقاط النظام" على طلب النجدة الخارجية، مع كل ما في ذلك من امتهان لكرامة ذلك الشعب الذي يستجيب له القدر (والقدر كما هو معروف أقوى من القوى الغربية الكبرى يوم كانت في عز قوتها).

أليس استنجاد هؤلاء بالأجنبي عدو بلدهم، دليلاً على أن الشعب ليس معهم. وحتى بدون هذا الدليل، لم يترك الشعب السوري فرصة إلا وخرج بشيبه وشبانه في مظاهرات مليونية تعلن تأييدها للإصلاحات وللرئيس الأسد وشجبها للمؤامرة الدولية ـ الإقليمية على سوريا.

وهنالك ما هو أكثر إثارة للسخرية: بعض العراقيين ممن ارتهنوا للأمريكي ساءهم أن ينهزم الأميركيون في العراق. وها هم الآن يطالبون الأميركيين بالتدخل لإجبار المالكي على احترام اتفاقيات مزعومة مع الأميركيين!

هل وصل الأمر بهؤلاء إلى السقوط في وهدة الخبل؟ ألا يدركون أن مثل هذا الطلب لا يمكن وصفه بغير السخف عندما يوجه إلى جيش مهزوم يخرج من الأتون العراقي لا هم له غير الذهاب بعيداً لمداواة جراحه الجسدية والنفسية والمعنوية؟

ألا يدركون أن الشعب العراقي الذي قدّم ما قدّم من تضحيات جلّى من أجل طرد الغزاة لا يمكنه أن يتسامح مع من يدعو الغزاة إلى العودة إلى العراق؟

2011-12-29