ارشيف من :آراء وتحليلات
سياسة شد الأحزمة هل ستنقذ أوروبا؟
صوفيا ـ جورج حداد*
شدوا الأحزمة بقوة! سنة 2012 ستكون محملة بالتوتر لأوروبا. هذا ما تتوقعه وكالة الصحافة الألمانية. والموضوع الأول سيكون العمل لإنقاذ الاتحاد العُمْلتي. ولكن يوجد أيضاً الكثير من المسائل الخلافية التي يمكن أن تتحول الى أزمات. وقد بدأت السنة الجديدة في القارة من حيث انتهت السنة الماضية، أي باجتماع القمة الخاص بالأزمة الذي عقد في 30 كانون الثاني 2011 في بروكسل. وستعقد مثل هذه الاجتماعات شهرياً حتى إيجاد حل لأزمة المديونية. وبقيادة انجيلا ميركيل ونيكولا ساركوزي ينبغي أن يوضع نص اتفاق حول الاتحاد المالي لـ26 دولة أوروبية بدون بريطانيا.
والاتفاق العتيد، ينبغي أن يدخل في التطبيق قبل نهاية سنة 2012. وخلال الأشهر الأولى من السنة فإن الدول الواقعة في أزمة ينبغي لها أن تعيد تمويل ديون بقيمة 300 مليار يورو. والسؤال الحاسم هو: هل ستستطيع هذه الدول أن تتوصل لفعل ذلك بفوائد محمولة؟ إن صندوق الإنقاذ في منطقة اليورو والذي يبلغ حجمه 500 مليار يورو، يمكن أن يكون غير كاف. ولم تنجح إلى الآن المحاولات الجارية لتكوين صندوق جديد تقوم من خلاله البنوك المركزية الأوروبية برصد مبالغ إضافية لصندوق النقد الدولي بصفة قروض. وفوق جميع المبادرات للسيطرة على الأزمة في منطقة اليورو يرتفع كسيف ديموقليطس تهديد وكالات السمعة التصنيفية بأن تقوم بالتحقق من قدرة الدفع للدول الأوروبية وأن تخفض تصنيفها الاقراضي. فاذا حدث ذلك في الربيع، فإن فوائد سندات الدولة، بما في ذلك الألمانية، سوف ترتفع. في حين أن فوائد سندات الدولة الأميركية بقيت مستقرة بالرغم من تخفيض تصنيفها في صيف 2011. وقد قام ساركوزي بدرجة أكبر أو أصغر برهن مستقبله السياسي بورقة الإبقاء على تصنيف فرنسا في مرتبة السمعة AAA. فإذا فقدت فرنسا سمعتها الإقراضية العالية ووقعت هي أيضا في دوامة أزمة المديونية، فإن سياستها المالية والأوروبية سوف تتعرض للفشل.
إن البنك المركزي الأوروبي هو المؤسسة فوق الدولية الوحيدة التي يمكنها أن تستجيب بسرعة وبمرونة للتطورات الجارية في الأسواق المالية. وفي الوقت الراهن يحاول البنك المركزي الأوروبي تأمين الاستقرار في النظام البنكي في الاتحاد الأوروبي. والبنوك الواقعة في أزمة يمكنها أن تحصل من البنك المركزي الأوروبي على قروض غير محددة ولمدة ثلاث سنوات بفوائد مخفضة جداً. وبهذه الطريقة قدم البنك المركزي الأوروبي حتى الآن قروضاً بمبلغ 489 مليار يورو. ولكن المؤسسات المالية التي حصلت على هذه القروض لم تُمِرَّها بدورها إلى الآن بشكل اعتمادات في سلسلة المؤسسات والدول الواقعة في أزمة. وحتى 30 حزيران/يونيو 2012 ينبغي للبنوك أن ترفع بشكل ملحوظ رساميلها الخاصة، كي تكون مستعدة لأن تعوض الدفعات الحكومية غير الواصلة لتاريخه. والبنوك المهمة تحتاج إلى حوالى 100 مليار يورو، ينبغي أن تجمع من مالكي تلك البنوك أو من أسواق الرساميل. والبنك المركزي الأوروبي لا يزال مستمراً في رفض "تمويل الدولة العُمْلتي" أي طباعة العملة، لأن خطر التضخم يمكن أن يكبر بشكل غير متوقع، وأن تتخلى الحكومات فوراً عن إجراءات التقشف. ويعمل البنك المركزي على وضع مخططات طوارئ في حال عمدت وكالات السمعة التصنيفية إلى تنفيذ تهديداتها.
ويقف الاتحاد الاوروبي أمام تحدٍّ كبير هو المحادثات التي ستجري حول وضع ميزانية مشتركة للاتحاد للفترة 2014 ـ 2020. فالتفاهمات ينبغي أن تتم قبل نهاية 2012. والدول الثماني التي تدفع في خزينة الاتحاد أكثر مما تأخذ، قد رفضت المسوّدة الأولى لمشروع الميزانية.
ودبلوماسيو الاتحاد الاوروبي يتوقعون حدوث أصعب محادثات في تاريخ الاتحاد، وأكثر من ذلك سيجري الحديث عما يسمى "التخفيض البريطاني". فبعد أن أعلنت بريطانيا عدم رغبتها في المشاركة في الاتحاد المالي الجديد، فإن عدة بلدان أعضاء تعارض إلغاء التخفيض الخاص لرسوم اشتراك لندن.
إن رئيس الوزراء البريطاني المحافظ دايفيد كاميرون سوف يدافع بشدة عن أولويات بلاده. ومن المواضيع الخاضعة للنقاش، التوزيع الجديد للإعانات الزراعية، حيث كانت فرنسا حتى الآن تحصل على الأفضلية.
وخلال رئاسة الدانمارك في النصف الأول من السنة، ينبغي اتخاذ قرارات حول التوسيع اللاحق للاتحاد الأوروبي. كما توجد تحديات جديّة أخرى في السياسة الخارجية للاتحاد، إذ إن جميع الدول تلح على أن يقوم الأوروبيون بمجهودات أكبر من أجل منع الأزمة الأوروبية من الانعكاس على الاقتصاد العالمي برمته، في حين أن تلك الدول غير مستعدة لمد يد المساعدة.
هذا ويواجه الاتحاد الأوروبي مسألة مالية "داخلية" هي مسألة فهرسة رواتب الموظفين في مؤسسات الاتحاد. وقد أذاعت وكالة "بلغا" البلجيكية أنه سيتم عرض هذه المسألة على المحكمة الأوروبية، استناداً إلى قرار صادر عن مجلس الاتحاد الاوروبي. إذ إن المفوضية الأوروبية والدول الأعضاء المتمثلة في مجلس الاتحاد، لم تتوصل إلى الاتفاق حول هذه المسألة، كون المفوضية الأوروبية تؤيد فهرسة الرواتب بزيادة 1،7%، في حين أن الدول الأعضاء في الاتحاد هي مع الرأي القائل بأن الأزمة تقتضي تخفيض وليس زيادة نفقات الميزانية. ومن أصل 27 دولة أيدت 20 منها طرح المسألة أمام المحكمة الأوروبية. وحسب رأي وكالة الأنباء البلجيكية، فإن امكانية أن يكون قرار المحكمة لمصلحة الموظفين هي كبيرة، ويبلغ تعداد موظفي مؤسسات الاتحاد 44000 موظف، وتحتسب رواتبهم على اساس زيادة تكلفة المعيشة في بروكسل، وبلجيكا، وفي بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا ولوكسمبورغ وهولندا. ويعمل في بروكسل حالياً 17000 موظف في الاتحاد الأوروبي.
ـــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل