ارشيف من :آراء وتحليلات

أميركا وأصدقاؤها الجدد... عجائبية التغيرات!

أميركا وأصدقاؤها الجدد... عجائبية التغيرات!
عقيل الشيخ حسين

لو أن أحداً قال قبل عقد من الزمن، أو حتى قبل شهرين، بأن "حركة طالبان ليست عدواً للولايات المتحدة"، لقتل، معنوياً أو مادياً، شر قتلة عقاباً له على مثل هذا الافتئات على الحقيقة المقدسة. فطالبان، وهذا ما كان يدور عليه الإجماع الدولي شبه الكامل، هي مضرب المثل في الظلامية والجهل والإرهاب الأعمى والقرون الوسطى واضطهاد المرأة وتجارة المخدرات والجريمة المنكرة بحق تماثيل بوذا.

ولهذا، ولأن الولايات المتحدة الأميركية هي، وفق ما تروجه الوسائل المتخصصة بالتسميم الإعلامي، زعيمة العالم الحر والمنافحة عن حقوق الإنسان والعاملة من أجل التقدم والشغوفة بالعمل من أجل مكافحة الظلم وإغاثة الملهوف، فقد كان من الطبيعي أن تنبري، في العام 2001، لشن حربها العالمية الشهيرة على الإرهاب بدءاً بأفغانستان وطالبان، على وجه التحديد.

وبالطبع، ومن دون حساب ما لحق بالشعب الأفغاني المستضعف من قتل وتشريد وآلام، لم تكن الولايات المتحدة والحلف الدولي الذي شكلته حولها من أكثر من ثلاثين بلداً في العالم، لتتردد في تحمل خسائر في جملتها عودة آلاف الجنود إلى بلادهم داخل التوابيت وعشرات الآلاف تحملهم المقاعد المخصصة للمعاقين أو يحملون عاهات نفسية أشد وطأة من العاهات البدنية... من أجل تخليص العالم من آثام طالبان!

ومع هذا، وبعد عشر سنوات طويلة من الحرب الأميركية ـ الدولية ضد طالبان، ينقلب المشهد فجأة، ومن دون مقدمات من النوع الذي لا يفقهه غير الملهمين في العلم الاستراتيجي، ليحاط العالم علماً، وعلى لسان جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي بأن "حركة طالبان ليست عدواً للولايات المتحدة"!

هذا التصريح المذهل قابل لأن يفهم بسهولة على ضوء الأخبار التي تتناقل منذ حوالي سنتين عن مفاوضات تجري برعاية قطرية تارة بين طالبان، كلها أو بعضها، وبين الرئيس الأفغاني، وتارة بينها وبين الولايات المتحدة، والتي توجت مؤخراً بموافقة طالبان على فتح مكتب لها في قطر.

ومنذ إطلاق هذا التصريح الذي أدلى به بايدن لمجلة "نيوزويك" في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، طرأت عليه تعديلات رسمية أفادت بأن العملية العسكرية الأميركية في أفغانستان لا تستهدف طالبان بل تنظيم القاعدة، في إطار مساعدة أفغانستان على تحقيق الاستقرار.

والواضح أن هذه التعديلات هي من قبيل المراوغة واللعب على الألفاظ، في ظل الغموض الذي يحيط بتنظيم القاعدة، بنية ووظائف، وفي ظل ما يثيره وما يثار حوله من شكوك خصوصاً بعد الاعترافات التي لا ندري تحت تأثير أية ظروف اعترفت بها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، في 27 كانون الأول/ الماضي، عندما قالت بأن الولايات المتحدة هي التي صنعت تنظيم القاعدة قبل عشرين عاماً لمواجهة السوفيات في أفغانستان.

وسواء تعلق الأمر بأطراف من القاعدة أو من طالبان، فإن هذه التصريحات والاعترافات الصادرة عن مسؤولين أميركيين كبار تندرج، إضافة إلى ما قد تقتضيه السياسات الأميركية في أفغانستان وباكستان من انقلابات في المواقف تفرضها ظروف الهزيمة، في إطار التقارب الذي ترعاه أوساط في طليعتها جهات دينية قطرية، والذي ازداد وضوحاً في الفترة الأخيرة، بين الولايات المتحدة وبعض الإسلاميين العرب.

هذا التقارب الأخير لا يقل عنصر المفاجأة فيه عن ذاك الذي يجري على مستوى أطراف من طالبان والقاعدة: بمجرد ظهور تنبؤات عن إمكانية فوز الإسلاميين في الانتخابات في تونس ومصر، انبرت الصحافة الغربية وما يلحق بها من صحافات عربية إلى المناداة بالويل والثبور خوفاً من تحول ما يسمى بالربيع العربي المزهر إلى شتاء قارس.

وكان هذا الموقف منسجماً كامل الانسجام مع الحملة الكبرى التي شنها الغرب على الإسلام، خلال السنوات الأربعين الماضية بوصفه حاضن الإرهاب والعنف والتطرف والتزمت والظلامية والكراهية... كما كان منسجماً، في ظل الانقلاب على فوز حماس في فلسطين، وقبلها جبهة الخلاص في الجزائر، مع مقولة عدم تمكين الإسلاميين من الاستفادة من ثمار الديموقراطية حتى ولو وصلوا إلى السلطة بالطرق الديموقراطية.

ثم فجأة، فوجئنا بأميركا وسائر الغرب وهو يفتح صدره رحباً لفوز الإسلاميين في تونس ومصر، إضافة إلى ترحيبه بهم في قمة السلطة في ليبيا وسعيه إلى رفعهم إليها في سوريا. كما فوجئنا برد الجميل من قبلهم: استعداد للتعامل مع الغرب والكيان الصهيوني بلغة الحكمة والعقل والدعوة بالحسنى. استبعاد مبدئي للسلاح وتمسك مبدئي باسترجاع الجولان عن طريق المفاوضات... تيمناً ربما بالنتائج الظافرة التي حققتها المفاوضات على المستوى الفلسطيني. وتمسك باتفاقيات السلام المبرمة مع "إسرائيل"، بما في ذلك مواصلة تزويدها بالغاز المصري.

هل يعني ذلك أن أميركا قد تغيرت، وأن الذين كانوا حتى الأمس القريب يرون في الوجود الغربي في بلاد المسلمين استمراراً للغزو الصليبي كانوا مخطئين؟ الجواب الأكيد، فيما يتجاوز الصواب والخطأ، أن هنالك إصراراً من البعض على قيادة الأمة نحو جحر الأفعى الذي لدغت منه ألف مرة ومرة.

والأكيد أن هذا المسعى بالذات قد بدأ يجبر الأمة على فتح عينيها وعلى تصحيح المسار التاريخي الخاطئ الذي جرّها إليه الموغلون في سَنن الغي والبغي.

2012-01-04