ارشيف من :آراء وتحليلات

الكراهية الغربية لفلاديمير بوتين

الكراهية الغربية لفلاديمير بوتين
صوفيا ـ  جورج حداد*

منذ وقت طويل اكتسب فلاديمير بوتين الكثير من الأعداء السياسيين داخل روسيا وخارجها، ولا سيما لدى اوساط النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الاميركية. وسائل الاعلام والمنظمات المدنية، التي تتلقى الدعم المالي من واشنطن تشن باسم المجتمع المدني الروسي، حملة على رئيس الوزراء الروسي. ولا يمنعها من ذلك كونها لا تتمتع بأكثر من 3 ـ 5% من النفوذ الاجتماعي. ولكنها في المقابل تقف خلفها دوائر أوليغارشية قوية، بالاضافة إلى المؤسسات الأميركية. وقد بلغ الهجوم على فلاديمير بوتين ذروته بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات النيابية الروسية الأخيرة، أخذا بالاعتبار الانتخابات الرئاسية المفصلية التي ستجري في شهر اذار/مارس 2012. وهكذا فإن من يسمون ليبيراليين وجميع شراذم المستائين اصيبوا بالهستيريا، حينما علموا ان بوتين سيترشح للرئاسة ويصبح من جديد الشخصية الأولى في حزب "روسيا الموحدة"، في حين ان الرئيس الحالي دميتري ميدفيدييف سيشغل منصب رئيس الوزراء.

ويتهمون بوتين بكل اشكال الاتهامات: التسامح مع الفساد، خدمة قسم من الاوليغارشيين المميزين من قبله، العجز عن تحقيق التحول في الاقتصاد: من اقتصاد قائم على تصدير الخامات الى اقتصاد قائم على التكنولوجيات الجديدة بما فيها المعلوماتية.

ويتهمونه بأنه يخنق حرية وسائل الاعلام ويحد من الدمقراطية، ويحرم الشعب من حرية التعبير. وكبرهان على ذلك يشيرون إلى الانتخابات النيابية الأخيرة التي يزعمون انها أمنت النصر لحزب "روسيا الموحدة" بواسطة التزوير والتسلط على وسائل الاعلام. اليس من المثير أن هيلاري كلينتون ذاتها (وهذا يعني باراك أوباما أيضا) قد وصفت الانتخابات النيابية بأنها مزيفة، وأن البرلمان الأوروبي طلع ببيان يدعو فيه الى إعادة العملية الانتخابية؟.

ومما بث الشجاعة في صفوف خصوم بوتين مظاهرة الليبيراليين في موسكو، والتي كانت منظمة بشكل جيد جداً، وكانت موجهة بشكل خاص ضد فلاديمير بوتين بصفتيه الشخصية والسياسية.

الكراهية الغربية لفلاديمير بوتين

وحسب تعليقات بعض المحللين المحايدين، فإن الانتقادات التي توجهها المعارضة، بمختلف فصائلها، ليست كلها بدون أساس. فالفساد في روسيا، ومنذ العهد القيصري، يكاد يظهر بوصفه "ظاهرة أبدية". واقتصاد الدولة لا يزال يستند بشكل كبير إلى تصدير خامات الطاقة ولا سيما النفط والغاز. كما أن وسائل الاعلام تعكس بشكل مبالغ فيه وجهة نظر السلطة التنفيذية، هذا بالرغم من وجود عدد كبير من الصحف والمجلات والتلفزيونات المدعومة من قبل الأوليغارشيين المعادين لبوتين. وتشكل هذه الادوات الإعلامية جبهة كاملة توجه كل يوم وكل ساعة قنابلها الإيديولوجية والسياسية ضد الرجل الأكثر نفوذا وشعبية في الفيديرالية الروسية.

كما ان حزب "روسيا الموحدة" بذل جهوداً كبيرة في السنوات العشر الأخيرة لإنشاء وضع احتكاري له، مما يتناقض إلى درجة معينة مع أطروحة بوتين حول "الدمقراطية السيادية" الخاصة بمجتمع متعدد القوميات.

ولكن ليس كل ذلك ما يشغل بال أصحاب النزعة الغربية المتطرفة، والنزعة الغربية لمعاداة الروس، والنخبة الغربية التي لا تستطيع أن تتصور تآكل، وبالاخص تدمير هيمنة القطبية  الوحيدة للدولة الأميركية الأعظم.

من أين ينبع هذا القلق، ومنه كل هذا الحقد على بوتين؟

أولا: يقض مضاجعهم أن فلاديمير بوتين يعلن بصراحة أنه سوف يواصل سياسة عدم الإعتراف بالسلطة العليا للولايات المتحدة الأميركية. وهو يتمسك بشدة بالسياسة القائمة على أن يكون للفيديرالية الروسية كلمتها الحاسمة في القضايا الدولية، كما تعمل على تقوية الاقتصاد والقدرة الدفاعية لروسيا.

ولا تريد أميركا أن تصدق أو أن تتقبل واقع أن روسيا تسمح لنفسها بتجديد نظام تسلحها ومعداتها الدفاعية، وأن في مقدورها أن ترد بفعالية على نظام الدرع الصاروخية الأميركية، الموجهة ضد أراضي الفيديرالية الروسية إلى جانب غيرها من الأهداف الأميركية. ويغرز كشوكة في حلق النخب الغربية نفوذ بوتين في الشرق الأدنى، وموقف الروس من المخططات الأميركية للغزو العسكري لسوريا وإيران. ومن المعروف أن فلاديمير بوتين إعترض على قرار مجلس الأمن، الذي شارك المندوب الروسي في التصويت عليه، والذي مكن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الأوروبيين من المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا. ووصف بوتين ذلك حرفيا بأنه "حملة صليبية جديدة"، معلنا أنه لا ينبغي التضحية بالسيادة الوطنية، من أجل اهداف تتمحورحول مصالح الأقوياء في العالم أجمع.  

وقد تحولت الانتقادات الموجهة الى بوتين الى حقد. وتتهمه الدوائر الغربية بأنه يرفض أن يعطي الأولوية لعلاقة روسيا مع أميركا. وأنه يضاعف الجهود من أاجل إنشاء علاقات اقتصادية وسياسية جديدة مع الدول السوفياتية السابقة، وأنه في هذا الصدد يسعى لبعث الإتحاد السوفياتي، وأنه يسعى لوضع أسس الاتحاد الأوروآسيوي. وأنه يشدد على تحسين العلاقات بين روسيا والإتحاد الأوروبي وخصوصا ألمانيا. وأنه يعمل على تمتين العلاقات مع الصين والهند.

ثانيا: إن الدوائر المعادية لروسيا لا تتقبل فكرة بوتين حول التدعيم المتواصل لوحدة الفيديرالية الروسية. وبالنظر إلى التطور الراهن والمستقبلي للأزمة الإقتصادية العالمية، فإن وحدة الدولة الروسية تقف سداً منيعا بوجه النزعة الغربية للتمكن، سلماً أو حربا، خلال العقود القادمة، من فرض سيطرة الاحتكارات المالية والاقتصادية العالمية على ثروات الخامات الروسية في سيبيريا والشرق الأقصى. فهذه النزعة تصطدم بالعقبات الكأداء بفضل السياسة الأقليمية المعلنة من قبل بوتين، مما يؤدي الى فشل المناورة الغربية لمهاجمة روسيا من جهة القوقاز، مع الاستفادة من الإحتياط الذي يمثله التطرف الإسلامي المزيف. فبدون مشاركة بوتين في الحياة السياسية سيكون من الأسهل تحقيق المخطط الغربي لإشعال الحرب بين اذربيجان وأرمينيا، من أجل السيطرة على الثروات الطبيعية لتركمانستان وقيرغيزيا، وانتهاج سياسة معادية لروسيا في طاجيكستان وأوزبكستان. وأخيراً لا آخر إفشال السياسة الروسية الجديدة للتقارب مع كازاخستان، بيلوروسيا وأوكرانيا.

ثالثا: إن تركيب مجلس الدوما (البرلمان) الروسي الجديد ليس ملائماًً للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها المقربين في أوروبا. فالأحزاب التي يتألف منها البرلمان هي: "روسيا الموحدة"، الحزب الشيوعي، "روسيا العادلة"، و"الحزب الليبيرالي الدمقراطي الروسي" بزعامة جيرينوفسكي. صحيح أن حزب "روسيا الموحدة" خسر 15% من الأصوات بالمقارنة مع الانتخابات النيابية السابقة. ولكن من الذي ربح هذه النسبة؟ ربحتها الأحزاب ذات التوجه اليساري، والتي تتمسك بالقيم الخاصة للدولة الإجتماعية، والتي ليست لديها اختلافات جذرية مع المفاهيم البوتينية حول المصالح القومية لروسيا، والسياسة الخارجية الروسية. بل وأكثر من ذلك، فالمفارقة القائمة هي أن حزب "روسيا الموحدة"، بالمقارنة مع كل تلك الأحزاب، هو الحزب "الأكثر انفتاحا" على الحوار والتعاون مع النخبة الأميركية. في حين أن الاحزاب الأخرى هي أكثر انتقاداً وتشدداً ضد الدور التسلطي لأميركا، وهي تدعو إلى توطيد أكثر فعالية للدولة الروسية ودورها في السياسة الدولية.

وبالتالي فإن أميركا، ومن أجل تحطيم الكتلة الشعبية الأكبر التي تشكل البرلمان الحالي، تراهن على "ثورة ملونة" تقوم بها أقلية تافهة من أصل 140 مليون نسمة في روسيا. إن السيناتورات الأميركيين يتنبأون بأن مصير بوتين سيكون مشابهاً لمصير معمر القذافي. وربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعت زعيم الشيوعيين الروس غينادي زيوغانوف للتصريح بأن حزبه سينتقد حزب السلطة، ولكنه لن يسمح بقيام "ثورة ملونة" في الفيديرالية الروسية.

ومما لا يعجب الأعداء الالداء لروسيا، أن فلاديمير بوتين يتخذ موقفاً واقعياً من الأخطاء والنواقص ونقاط الضعف في النظام الروسي. وهو يقترح أن يتم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، من أوساط حزب "روسيا الموحدة"، على أن يكون أكثر قبولا لدى أحزاب المعارضة. ويقترح أن يترأس حوالى نصف اللجان البرلمانية ممثلون عن المعارضة. ووعد بأن تجري بشكل دائم مباحثات ومشاورات مع المعارضة، للمشاركة في إتخاذ القرارات على مستوى الدولة. وخلال فترة ولايته لن يسمح بالإساءات الى الإنجازات التي حققتها المرحلة السوفياتية.

ومن المعبر جداً التصريح الذي أدلى به مؤخراً "صديق" الغرب ميخائيل غورباتشوف الذي قال إن "الدمقراطية" التي حلم بها، لن تجد طريقها الى التحقق طالما يوجد على رأس الدولة اشخاص مثل فلاديمير بوتين ودميتري ميدفيدييف.

وهذان الزعيمان الروسيان يبرهنان انهما لن ينحنيا أمام التحديات والضغوطات الغربية، وأن مصير روسيا بالنسبة لهما هو أمانة كبرى وقضية لا هوادة فيها.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب لبناني مستقل
2012-01-05