ارشيف من :آراء وتحليلات
أوغلو في طهران... هل هي نهاية التأرجحات؟
عقيل الشيخ حسين
منذ بداية الأزمة في سوريا وفي ظل التهديدات بالتدخل العسكري الخارجي، وهي التهديدات التي قام المسؤولون الأتراك بدور بارز فيها (وهذا من دون الحديث عن أشكال التدخل العملي المباشر)، كان الموقف الرسمي السوري واضحاً في التأكيد على أن هذا النهج سيكون بمثابة زلزال يضرب المنطقة بأسرها.
والواضح أن المسؤولين الأتراك قد أضاعوا وقتاً طويلاً وباهظ التكلفة على الشعب السوري، وعلى مصداقية سياساتهم، بشكل خاص قبل أن يدركوا صحة وواقعية التحذير السوري. لكن التسليم مطلوب الآن بأن التأخر في إنجاز عمل ما يظل افضل من عدم إنجازه بالمطلق.
فالمهم الآن أن وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، قد صرح بوضوح لا لبس فيه، خلال زيارته الأخيرة لطهران، بأن تركيا مصممة على منع نشوب حرب باردة إقليمية، وأن التوترات الإقليمية ستكون انتحاراً للمنطقة بأسرها. وبالمعنى نفسه، تراجع أوغلو عن المساعي لإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية المحاذية لتركيا، معتبراً أن ذلك هو مطلب ما أسماه المعارضة السورية وليس مطلباً تركياً.
ويبدو أن كلامه عن مجرد حرب "باردة" إقليمية يستبطن محاولة للتخفيف من الجرم المتمثل برفع مستوى الهجمة الدولية والإقليمية على سوريا إلى مستوى الحرب البالغة السخونة، عبر جملة مواقف وإجراءات عدوانية أسهمت فيها تركيا بدور بارز، أقله من خلال استضافة ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر".
ويبدو أيضاً أن رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، قد أشار إلى هذا الدور التركي عندما دعا تركيا إلى تغيير موقفها من الأزمة السورية.
وإذا كان من الممكن اعتبار هذا الموقف التركي الجديد تعبيراً عن تغير هام في سياسة تركيا إزاء الأزمة في سوريا، فإن زيارة أوغلو لإيران، بالذات وسط الظروف البالغة الحساسية في المنطقة، هي تعبير آخر وبالغ الأهمية عن تغير في سياستها تجاه إيران.
فقد جاءت الزيارة في أجواء تصاعد وتيرة التوتر بين إيران والغرب بعد الإعلان عن عقوبات جديدة أميركية وأوروبية استهدفت الصادرات النفطية الإيرانية، وفي الوقت الذي أكدت فيه إيران، في أجواء مناورات "الولاية 90" الضخمة، قدرتها على إغلاق مضيق هرمز، وعزمها على إخلاء منطقة الخليج من الوجود العسكري الأجنبي.
ولا شك بأن الاتفاق الذي أعلن عنه أوغلو برفع حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا من 15 إلى 30 مليار دولار سنوياً يشكل تحدياً لقرار العقوبات ويعكس تململاً تركياً إزاء ما تتعرض له تركيا أيضاً من ضغوط غربية رغم عضويتها في الناتو وانتهاجها سياسات غالباً ما تكون رضوخاً للإملاءات الغربية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الصفعة المؤلمة التي تلقتها تركيا من ساركوزي والجمعية العمومية الفرنسية التي صوتت على قانون يقضي بإدانة المجازر المرتكبة بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى الرفض الفرنسي القاطع للطموح التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما تنبغي الإشارة، بغض النظر عن المواقف الرسمية الإسرائيلية، إلى الحملات الإعلامية الشرسة التي تشنها الأوساط الصهيونية في أميركا وأوروبا على تركيا رغم ميوعة مواقفها التي أعقبت الغضب التركي في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية ومقتل عشرة ناشطين أتراك في ذلك الهجوم.
وفي هذا المجال، تصر تلك الأوساط على تسمية أردوغان بـ "هير دوغان" تشبيهاً له بعتاة النازيين المتهمين باضطهاد اليهود قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
يبقى، وهذا ما تفرضه تجربة التأرجحات السريعة والمفاجئة لسياسات تركيا في الفترة الراهنة، وخصوصاً عودتها إلى تبني سياسات متطرفة في خدمة المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة، أن من اللائق بدولة تسعى إلى الاضطلاع بدور ريادي في المنطقة والعالم الإسلامي، أن تكون أكثر توازناً واتزاناً، وخصوصاً أكثر التزاماً بخدمة تطلعات شعوب المنطقة ومصالحها، وفي مقدمتها مصلحة بلدان المنطقة في استئصال الغدة السرطانية المتمثلة بالكيان الصهيوني، وتأمين شروط استقرارها وأمنها وسيادتها بعيداً عن تدخلات الغرب التي لا يمكن لعاقل أن يصدّق بأنه قد أصبح صديقاً للشعوب ومناصراً لثورات التحرر.
وما يقال عن السياسات التركية يقال أيضاً عن سياسات من يتحالفون أو يهرولون الآن إلى التحالف مع الغرب لغايات هي في نهاية المطاف وَهْمُهُم بأنّ من شأن ذلك أن يحمي عروشهم. فتجارب الأمس (خذلان الثورة العربية الكبرى)، واليوم (التخلي عن أمثال الشاه وحسني مبارك وزين العابدين بن علي، وتوجيه الطعنات إلى أمثال صدام حسين والقذافي)... كل ذلك لا يحتاج إلى البرهنة على أن "براغماتية" أميركا هي براغماتية ميكيافيلية لا تتردد عن الغدر بالأصدقاء والمتاجرة بهم عند أول مفترق تفرضه الواقعية السياسية والاختلالات في موازين القوى هنا أو هناك.
منذ بداية الأزمة في سوريا وفي ظل التهديدات بالتدخل العسكري الخارجي، وهي التهديدات التي قام المسؤولون الأتراك بدور بارز فيها (وهذا من دون الحديث عن أشكال التدخل العملي المباشر)، كان الموقف الرسمي السوري واضحاً في التأكيد على أن هذا النهج سيكون بمثابة زلزال يضرب المنطقة بأسرها.
والواضح أن المسؤولين الأتراك قد أضاعوا وقتاً طويلاً وباهظ التكلفة على الشعب السوري، وعلى مصداقية سياساتهم، بشكل خاص قبل أن يدركوا صحة وواقعية التحذير السوري. لكن التسليم مطلوب الآن بأن التأخر في إنجاز عمل ما يظل افضل من عدم إنجازه بالمطلق.
فالمهم الآن أن وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، قد صرح بوضوح لا لبس فيه، خلال زيارته الأخيرة لطهران، بأن تركيا مصممة على منع نشوب حرب باردة إقليمية، وأن التوترات الإقليمية ستكون انتحاراً للمنطقة بأسرها. وبالمعنى نفسه، تراجع أوغلو عن المساعي لإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية المحاذية لتركيا، معتبراً أن ذلك هو مطلب ما أسماه المعارضة السورية وليس مطلباً تركياً.
ويبدو أن كلامه عن مجرد حرب "باردة" إقليمية يستبطن محاولة للتخفيف من الجرم المتمثل برفع مستوى الهجمة الدولية والإقليمية على سوريا إلى مستوى الحرب البالغة السخونة، عبر جملة مواقف وإجراءات عدوانية أسهمت فيها تركيا بدور بارز، أقله من خلال استضافة ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر".
ويبدو أيضاً أن رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، قد أشار إلى هذا الدور التركي عندما دعا تركيا إلى تغيير موقفها من الأزمة السورية.
وإذا كان من الممكن اعتبار هذا الموقف التركي الجديد تعبيراً عن تغير هام في سياسة تركيا إزاء الأزمة في سوريا، فإن زيارة أوغلو لإيران، بالذات وسط الظروف البالغة الحساسية في المنطقة، هي تعبير آخر وبالغ الأهمية عن تغير في سياستها تجاه إيران.
فقد جاءت الزيارة في أجواء تصاعد وتيرة التوتر بين إيران والغرب بعد الإعلان عن عقوبات جديدة أميركية وأوروبية استهدفت الصادرات النفطية الإيرانية، وفي الوقت الذي أكدت فيه إيران، في أجواء مناورات "الولاية 90" الضخمة، قدرتها على إغلاق مضيق هرمز، وعزمها على إخلاء منطقة الخليج من الوجود العسكري الأجنبي.
ولا شك بأن الاتفاق الذي أعلن عنه أوغلو برفع حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا من 15 إلى 30 مليار دولار سنوياً يشكل تحدياً لقرار العقوبات ويعكس تململاً تركياً إزاء ما تتعرض له تركيا أيضاً من ضغوط غربية رغم عضويتها في الناتو وانتهاجها سياسات غالباً ما تكون رضوخاً للإملاءات الغربية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الصفعة المؤلمة التي تلقتها تركيا من ساركوزي والجمعية العمومية الفرنسية التي صوتت على قانون يقضي بإدانة المجازر المرتكبة بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى الرفض الفرنسي القاطع للطموح التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما تنبغي الإشارة، بغض النظر عن المواقف الرسمية الإسرائيلية، إلى الحملات الإعلامية الشرسة التي تشنها الأوساط الصهيونية في أميركا وأوروبا على تركيا رغم ميوعة مواقفها التي أعقبت الغضب التركي في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية ومقتل عشرة ناشطين أتراك في ذلك الهجوم.
وفي هذا المجال، تصر تلك الأوساط على تسمية أردوغان بـ "هير دوغان" تشبيهاً له بعتاة النازيين المتهمين باضطهاد اليهود قبيل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
يبقى، وهذا ما تفرضه تجربة التأرجحات السريعة والمفاجئة لسياسات تركيا في الفترة الراهنة، وخصوصاً عودتها إلى تبني سياسات متطرفة في خدمة المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة، أن من اللائق بدولة تسعى إلى الاضطلاع بدور ريادي في المنطقة والعالم الإسلامي، أن تكون أكثر توازناً واتزاناً، وخصوصاً أكثر التزاماً بخدمة تطلعات شعوب المنطقة ومصالحها، وفي مقدمتها مصلحة بلدان المنطقة في استئصال الغدة السرطانية المتمثلة بالكيان الصهيوني، وتأمين شروط استقرارها وأمنها وسيادتها بعيداً عن تدخلات الغرب التي لا يمكن لعاقل أن يصدّق بأنه قد أصبح صديقاً للشعوب ومناصراً لثورات التحرر.
وما يقال عن السياسات التركية يقال أيضاً عن سياسات من يتحالفون أو يهرولون الآن إلى التحالف مع الغرب لغايات هي في نهاية المطاف وَهْمُهُم بأنّ من شأن ذلك أن يحمي عروشهم. فتجارب الأمس (خذلان الثورة العربية الكبرى)، واليوم (التخلي عن أمثال الشاه وحسني مبارك وزين العابدين بن علي، وتوجيه الطعنات إلى أمثال صدام حسين والقذافي)... كل ذلك لا يحتاج إلى البرهنة على أن "براغماتية" أميركا هي براغماتية ميكيافيلية لا تتردد عن الغدر بالأصدقاء والمتاجرة بهم عند أول مفترق تفرضه الواقعية السياسية والاختلالات في موازين القوى هنا أو هناك.