ارشيف من :آراء وتحليلات

بائعو الاسلحة ومشتروها وصانعوها: من الاقوى؟

بائعو الاسلحة ومشتروها وصانعوها: من الاقوى؟
عبد الحسين شبيب

قررت ايران عن سابق تصور وتصميم اختبار قوة الولايات المتحدة في الخليج فأنذرتها بعدم إعادة حاملة طائراتها الى مياه الخليج. كانت تلك الخلاصة الميدانية التي أنهت بها طهران مناورات "الولاية 90" الأضخم في مضيق هرمز. الانذار الايراني اتخذ شكلين: علني صارم على لسان قائد الجيش الإيراني الجنرال عطالله صالحي، وآخر اكثر صرامة ـ بحسب تأكيد اكثر من مصدر صحافي مطلع ـ عاد به وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو من زيارته الأخيرة الى طهران بأنه "ممنوع منعاً باتاً أن تعود أي فرقاطة أو بارجة أو أي سفينة حربية أميركية إلى الخليج، لأن النتيجة ستكون غير سارة للأميركيين"، واكثر من ذلك طلب الايرانيون من زائرهم ابلاغ واشنطن بأن عليها المباشرة "بخطوات عملية للانسحاب من الخليج، على غرار ما فعلت في العراق".

ولم يصدر عن واشنطن بعد ما يفيد عن عزمها على تحدي ايران. الصورة باتت مقلوبة، ايران تهدد والولايات المتحدة تلوذ بالصمت والهرب، وأكثر شيء ستفعله ـ بحسب ما هو معلن حتى الان ـ انها ستجري مناورات مشتركة مع جيش الاحتلال الاسرائيلي رداً على المناورات الايرانية الاخيرة.

بائعو الاسلحة ومشتروها وصانعوها: من الاقوى؟

هذه الخلفية المثقلة بالوقائع القلقة للاميركيين هي لمحاولة تفسير طريقة تفكير بعض الدول العربية في مقاربتها للمشهد الاقليمي المستجد الذي بدت فيه واشنطن اكثر من مهزومة في العراق وعلى يد الايرانيين، كما هي تقول، واكثر من منبطحة في افغانستان حيث تجاهر اليوم باستجدائها مفاوضات مع حركة طالبان باستضافة قطرية حتى لا تباغتها طهران من حدودها الشرقية، كما باغتتها من حدودها الغربية (العراق)، وفوق كل ذلك تعلن واشنطن رسمياً اليوم انها ذاهبة الى التنين الصيني لمواجهة مخاطره المحتملة على الامن القومي الاميركي، وهذا يعني ابتعادها عن الشرق الاوسط واوروبا لأنها في طريقها الى تقليص عديد جيشها وميزانيتها الحربية بعدما اقتنعت انه لم يعد بامكانها خوض حربين معاً واكتشفت ان هذه النظرية في ادارة الازمات مهلكة وليست فقط غير مربحة.

رغم هذا التراجع الاميركي فإن واشنطن استطاعت ان تقنع السعودية بتوقيع عقد معها لبيعها 84 طائرة حربية من طراز أف 15، وتحديث سبعين طائرة مقاتلة أخرى في إطار صفقة ضخمة بقيمة تسعة وعشرين مليار وأربعمئة مليون دولار. و"الرسالة القوية" التي أرادت الإدارة الأميركية إيصالها من خلال هذه الصفقة هي إظهار تمسكها بالأمن في الخليج بحسب ما أعلن المسؤول في الخارجية الاميركية اندرو شابيرو، معتبراً ان هذه الصفقة ستحسن قدرات الردع والدفاع السعودية ضد أخطار خارجية تهدد سيادتها..

الصفقة الثانية بعد بضعة أيام فقط، أبرمتها الولايات المتحدة مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة ثلاثة مليارات وأربعمئة وثمانين مليون دولار تشمل نظامين متطورين لبطاريات الصواريخ، فضلاً عن 96 صاروخاً وجهازي رادار وقطع غيار وتدريب في إطار ما اسمته "جهداً أوسع لتعزيز الدفاعات الصاروخية لحلفائها في الخليج في مواجهة ايران" بحسب تصريح المسؤول الاعلامي في وزارة الحرب الاميركية جورج ليتل.

الملاحظة البارزة في الصفقتين انه في الاولى، مع السعودية، تولت الاعلان عنها الخارجية الاميركية ولم تأت على ذكر ايران واكتفت بالحديث عن مخاطر تتهدد "السيادة السعودية"، اما في الثانية، مع الامارات، فتولى اذاعة الخبر "البنتاغون" وحددت ايران بالاسم كطرف مستهدف من الصواريخ المباعة.

لا يجادل أحد في المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها الولايات المتحدة من هكذا مبيعات، وفي الخسار الاقتصادية للدولتين العربيتين. اما الجدال فيتعلق بالمكاسب العربية العسكرية من صفقات لطائرات ربما يصح اعتبارها من الجيل المتأخر من الصناعات الحربية الأميركية، او لصواريخ لا تساوي تلك الموجودة في مخزن أسلحة ايراني في قرية ايرانية نائية ربما نسيها المسؤولون عنها.

بائعو الاسلحة ومشتروها وصانعوها: من الاقوى؟

المفارقة ان عملية البيع ـ ذات الوظائف الاستراتيجية!! ـ هذه تزامنت مع متابعة جميع وسائل الاعلام العالمية لتلك الصواريخ الشديدة التطور التي صنعتها الخبرات والأدمغة العسكرية الايرانية وظهرت في مناورات هرمز وحملت أسماء "نور" و"نصر" و"قادر" و"محراب"، وطبعاً قبلها عشرات الأنواع من الصواريخ والوسائل القتالية الجوية والبحرية والبرية والالكترونية التي انتجتها المصانع الإيرانية ورفعت الجمهورية الاسلامية الى مصاف الدول الصناعية المكتفية ذاتياً في المجال العسكري وغيره.

المفارقة الأخرى أن واشنطن التي تهرب من الشرق الأوسط وتقر بالهزيمة أمام إيران بعد أن كالت لها ما كالت من التهديدات بالحرب على خلفية برنامجها النووي دون أن تجرؤ على القيام بخطوة الى الإمام، واطلاق رصاصة واحدة ضد إيران، تحاول ان تورط أطرافاً عربية في اشتباك مع الجمهورية الاسلامية، رغم أن هذه الأطراف لا تملك ربع ما تملك القوة الأميركية المنتشرة في الخليج، ومع ذلك لم تغامر هذه الأخيرة في مواجهة التحدي الإيراني المتكئ على حق لا شبهة فيه. ومع ان "اسرائيل" تعتبر أنها في حالة مواجهة "وجودية" مع الخطر الإيراني فإنها لا تزال تكبح جماح جنونها في المغامرة مع القوة الايرانية، وهي ـ تل ابيب ـ تدأب على التصريح والتلميح بأنها لا تعرف اذا ما "جنت" عواقب اليوم التالي على الاعتداء على ايران. ويكفي قراءة ملخص يومي لترجمات الصحف الاسرائيلية وما تزخر به من مقالات لمعرفة كيف ان "اسرائيل" التي هي احدى ابرز مصنعي السلاح في العالم والتي تشتري السلاح الأميركي الأكثر تطوراً بكامل مواصفاته وميزاته ـ لا كما تبيعه واشنطن للدول العربية بمواصفات وشروط متدنية تضعها اسرائيل نفسها ـ تقف اليوم عاجزة عن ترجمة أي من تهديداتها العسكرية الى أفعال ميدانية، في حين أن واشنطن تحاول أن تضع جدول أعمال حربياً لبعض الدول الخليجية عسى أن تورطها في مواجهة مع جارها الايراني الحريص عليها أكثر من نفسها، كما تؤكد تصريحات المسؤولين الايرانيين دائماً.

لعل وزير الخارجية التركي يعرف أكثر من غيره كيف تتوجس واشنطن خيفة من طهران، وقادر ـ اذا اراد ـ على تفسير الدجل الاميركي الذي يخترع للآخرين اعداءا لكي يبيعهم سلاحاً لا يضاهي بعض ما لدى هذا "العدو الافتراضي" من امكانيات، وهو يعرف تماما ما طلب الأميركيون منه رسمياً ايصاله الى الإيرانيين من كلام يستجدي التهدئة في الخليج، وما اسمعه الايرانيون من كلام طيب بحق جيرانهم الخليجيين، وكلام طالما كرروه من أنهم ليسوا طلاب حرب، وأن رغبتهم وطموحهم وحرصهم وقدرتهم هي لضمان أمن الخليج بالتعاون والتنسيق مع الدول المشاطئة له واقامة منظمة من أهل المنطقة تحفظ هذا الأمن، لذا كان قرارهم بمنع عودة القوات البحرية الأميركية الى هذه المياه التي لا يستطيع سوى أهلها الحفاظ على دفئها وتدفق نفطها وتدفئة الغرب من العواصف الثلجية في شتائه القارس غالباً.

2012-01-13