ارشيف من :آراء وتحليلات
خطاب الأسد الأخير: خيبة أميركية كبرى... وتفاؤل حقيقي بالخروج من الأزمة
استرعى خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الانتباه، كما استدعى ردود فعل مختلفة عليه لأكثر من اعتبار تتصل في غالبيتها بظروف الخطاب، والمواقف التي تضمّنها، والرسائل المباشرة أو المضمرة التي حملها، والمؤشرات التي بعث بها في ما يتصل بالمرحلة المقبلة من مسار ووجهة وآفاق الأزمة التي تمر بها سوريا اليوم.
لا شك، في أن الخطاب عكس في مجمله توازنات القوة ومعادلات التغيير، التي باتت تحكم الأزمة السورية اليوم، وهو ـ في هذا الإطار ـ جاء مرتكزاً ومستنداً الى عوامل القوة التالية:
أولاً: ثبات الموقف الدولي الداعم للنظام والذي يعبر عنه بقوة كل من روسيا والصين، وما يعرف بدول مجموعة البريكس، وليس وجود قطع من الأسطول الروسي الحربي في طرطوس إلا أحد أبلغ الرسائل الروسية بهذا الاتجاه، وقيمة هذا الموقف الدولي تتمثل في قطعه الطريق على كل المحاولات الغربية والخليجية لتدويل الأزمة السورية من خلال اصدار قرارٍ في مجلس الأمن يؤدي الى تدحرج مجموعة من الاجراءات التي من شأنها أن تفتح الطريق الى اسقاط النظام بالقوة الخارجية.
والوجه الآخر لهذا الدعم الدولي هو حصره للخيارات الغربية ـ الخليجية بالمعالجات العربية عبر الجامعة العربية، أو البحث عن سبل بديلة تستند الى تعاون دول اقليمية (تركيا أساساً) وخليجية (سعودية وقطرية على نحوٍ رئيسي)، وهي سبل لن يكون من السهل اتخاذها طابع الهجوم المباشر لما ستحمله من رفع لمستوى التوتر في المنطقة الى شفير مواجهة مفتوحة وشاملة، ما يجعل خيار المحافظة على توفير كل الدعم اللوجستي (امدادات السلاح) والاعلامي والسياسي هي الخيار المتاح، وهو خيار يعاني من صعوبات كبيرة، ولا يتوقع له ـ على الأقل ـ تحقيق نتائج سريعة تتناسب وحاجة التحالف الاميركي ـ الصهيوني ـ الخليجي في هذه المرحلة، والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بفكفكة محور المقاومة في سياق التمهيد الاستراتيجي لمحاصرة ايران والتوسل الى إحداث تغيير في بنية النظام، بما يكفل إعادته الى قلب معادلة الأنظمة الحليفة لاميركا في المنطقة، ربما يكفل إعادة الإمساك بمعادلة التغيير في المنطقة أيضاً، واحتواء الجهود الروسية والصينية وغيرها، الى اغتنام الفرصة الحالية للوضع باتجاه استيلاد نظام دولي متعدد الأقطاب، فسوريا اليوم تقع في صلب معادلة جيو ـ سياسية واستراتيجية اقليمية ودولية، ما يعطيها مدى عميقاً في معركتها ضد التحالف الآنف.
ثانياً: مؤشرات التمايز في الموقف العربي ـ الرسمي داخل الجامعة العربية، فبعد أن نجحت منظومة دول الخليج بالقاطرة القطرية مستفيدة من ترؤسها للجامعة في هذه المرحلة، في أخذ المناخ العربي إجمالاً الى حيث تريد، سواء بالترغيب أو التهديد، فإن حسابات مختلفة، ولأسباب متنوعة، أخذت تشق طريقها الى الجامعة ، فارضة مناخات مختلفة.
ثالثاً: تفهم دمشق تماماً مغزى الدلالات البعيدة للانسحاب الاميركي من العراق الذي يشكل العمق الاستراتيجي المباشر لسوريا في مواجهتها المختلفة، خصوصاً صراعها مع الكيان الاسرائيلي، فكيف واليوم يتخذ العراق وضعية مختلفة تضعه في صلب محور المقاومة والممانعة في المنطقة، انطلاقاً من وظيفته كعقدة وصل استراتيجية بين ملفات هذا المحور. بكلمة واحدة، لقد بات العراق يشكل اليوم ذخراً ورصيداً استراتيجياً عربياً لدمشق في المنطقة في مواجهة التهديدات التي تعصف بها، وهذا ما يفسر أحد الأسباب الرئيسية للمحاولات السعودية والاميركية الهادفة الى قلب المعادلات والتوازنات داخل العراق لمصلحتها.
رابعاً: تقرأ د مشق جيداً ردود الفعل الايرانية في الخليج، ومناورات طهران العسكرية في مضيق هرمز، وعلى الحدود مع أفغانستان، وهي ردود فعل تعلن بقوة الانتقال من وضعية الدفاع الى وضعية الهجوم، ولو اقتضى الأمر السير على حافة الحرب في منطقة بالغة الحيوية اقتصادياً على الصعيد العالمي.
خامساً: تدرك دمشق مرتكزات قوتها المستهدفة، والتي فشلت كل المحاولات لإضعافها أو النيل منها: فلا صلابة النظام تراخت، ولا تماسك المؤسسة العسكرية اهتز، ولا البنية الاقتصادية تحولت الى الخاصرة الرخوة، حيث سرعان ما أحبطت محاولات النيل منها ومن حمولتها الطبقية ممثلة برجال الأعمال، والمدينية ممثلة بدمشق وحلب، الأمر الذي حصر المعارضة في الهوامش الريفية ليس إلا.
سادساً: ان مجيء المراقبين العرب شكل بالنسبة الى دمشق مناسبة اختبار لأكثر من عنوان ومسألة، أبرزها:
أ ـ حجم الاحتضان الشعبي للمعارضة، حيث لم يتحقق الهدف الاميركي ـ الخليجي المعلن من ارسال المراقبين، والهادف الى ايجاد الظروف الملائمة لاطلاق موجات بشرية من المتظاهرين، حيث لم يتجاوز العدد في عموم سوريا حسب المراقبين والمتابعين أكثر من ستين ألفاً في بلدٍ يناهز عدد سكانه الـ 15 مليون نسمة.
ب ـ اعادة فحص الموقف العربي ووضعه في دائرة الاختبار العملي بفتح الطريق الى اعادة تركيبته على أرضية متوازنة ولو نسبياً.
سابعاً: الثبات في خط الاصلاح من خلال الاعلان عن خطوات بالغة الدلالة: صياغة دستور جديد وطرحه على الاستفتاء الشعبي، اظهار الاستعداد العملي لتشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم مختلف أطياف المشهد السياسي السوري من موالاة ومعارضة ووسطيين، تأكيد الحرص على التعددية السياسية، وتظهيرها من خلال الانتخابات.
هذه الخطوات لا تؤكد جدية النظام فحسب، وانما تفتح باباً واسعاً للجميع للخروج من الأزمة الحالية نحو وضع سياسي مختلف، يحفظ لسوريا موقعها ودورها في المنطقة، وهو بذلك أيضاً يسحب البساط من تحت أيدي الذين لا يريدون إلا شراً بسوريا.
ثامناً: عجز كل المساعي الاميركية والقطرية لجمع المعارضة السورية تحت برنامج واحد، وبما يمهد الطريق لمقارعة النظام من موقع النقيض وليس من موقع المصالحة.
تاسعاً: فشل كل المحاولات الهادفة الى إيجاد بيئات أمنية حاضنة خصوصاً للمسلحين، التي من شأنها أن تؤسس مراكز جذب تشجع على قضم حلقات القوة المركزية في النظام، وتوفر أرضية لتدخل خارجي على غرار ما حصل في ليبيا.
عاشراً: ارتفاع منسوب الوعي لدى الشعب السوري لحساسية المسار الذي تدفع اليه بعض قوى المعارضة أمنياً، وبالتالي إدراكها لأولوية معالجة هذا العنوان كمدخل طبيعي لإعادة الاستقرار، وفتح المعالجات أمام الحلول السياسية الاصلاحية في مناخات ايجابية.
كل هذه العوامل، هي التي أسهمت في أن يكون خطاب الرئيس الأسد مزيجاً من القوة، والشعور المتزايد بالثقة، والأمل بسلوك سبل الخروج من الأزمة نحو الانتصار، في إعلان تحدٍّ، يضع سوريا في مرحلة جديدة تحيط أعداءها، وطبيعي أن لا يعجب الخطاب أعداء الشعب السوري ونظامه، لأنه خطاب الخيبة الكبرى بالنسبة إليهم، بقدر ما هو خطاب الأمل لهذا الشعب المضحّي.
لا شك، في أن الخطاب عكس في مجمله توازنات القوة ومعادلات التغيير، التي باتت تحكم الأزمة السورية اليوم، وهو ـ في هذا الإطار ـ جاء مرتكزاً ومستنداً الى عوامل القوة التالية:
أولاً: ثبات الموقف الدولي الداعم للنظام والذي يعبر عنه بقوة كل من روسيا والصين، وما يعرف بدول مجموعة البريكس، وليس وجود قطع من الأسطول الروسي الحربي في طرطوس إلا أحد أبلغ الرسائل الروسية بهذا الاتجاه، وقيمة هذا الموقف الدولي تتمثل في قطعه الطريق على كل المحاولات الغربية والخليجية لتدويل الأزمة السورية من خلال اصدار قرارٍ في مجلس الأمن يؤدي الى تدحرج مجموعة من الاجراءات التي من شأنها أن تفتح الطريق الى اسقاط النظام بالقوة الخارجية.
والوجه الآخر لهذا الدعم الدولي هو حصره للخيارات الغربية ـ الخليجية بالمعالجات العربية عبر الجامعة العربية، أو البحث عن سبل بديلة تستند الى تعاون دول اقليمية (تركيا أساساً) وخليجية (سعودية وقطرية على نحوٍ رئيسي)، وهي سبل لن يكون من السهل اتخاذها طابع الهجوم المباشر لما ستحمله من رفع لمستوى التوتر في المنطقة الى شفير مواجهة مفتوحة وشاملة، ما يجعل خيار المحافظة على توفير كل الدعم اللوجستي (امدادات السلاح) والاعلامي والسياسي هي الخيار المتاح، وهو خيار يعاني من صعوبات كبيرة، ولا يتوقع له ـ على الأقل ـ تحقيق نتائج سريعة تتناسب وحاجة التحالف الاميركي ـ الصهيوني ـ الخليجي في هذه المرحلة، والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بفكفكة محور المقاومة في سياق التمهيد الاستراتيجي لمحاصرة ايران والتوسل الى إحداث تغيير في بنية النظام، بما يكفل إعادته الى قلب معادلة الأنظمة الحليفة لاميركا في المنطقة، ربما يكفل إعادة الإمساك بمعادلة التغيير في المنطقة أيضاً، واحتواء الجهود الروسية والصينية وغيرها، الى اغتنام الفرصة الحالية للوضع باتجاه استيلاد نظام دولي متعدد الأقطاب، فسوريا اليوم تقع في صلب معادلة جيو ـ سياسية واستراتيجية اقليمية ودولية، ما يعطيها مدى عميقاً في معركتها ضد التحالف الآنف.
ثانياً: مؤشرات التمايز في الموقف العربي ـ الرسمي داخل الجامعة العربية، فبعد أن نجحت منظومة دول الخليج بالقاطرة القطرية مستفيدة من ترؤسها للجامعة في هذه المرحلة، في أخذ المناخ العربي إجمالاً الى حيث تريد، سواء بالترغيب أو التهديد، فإن حسابات مختلفة، ولأسباب متنوعة، أخذت تشق طريقها الى الجامعة ، فارضة مناخات مختلفة.
ثالثاً: تفهم دمشق تماماً مغزى الدلالات البعيدة للانسحاب الاميركي من العراق الذي يشكل العمق الاستراتيجي المباشر لسوريا في مواجهتها المختلفة، خصوصاً صراعها مع الكيان الاسرائيلي، فكيف واليوم يتخذ العراق وضعية مختلفة تضعه في صلب محور المقاومة والممانعة في المنطقة، انطلاقاً من وظيفته كعقدة وصل استراتيجية بين ملفات هذا المحور. بكلمة واحدة، لقد بات العراق يشكل اليوم ذخراً ورصيداً استراتيجياً عربياً لدمشق في المنطقة في مواجهة التهديدات التي تعصف بها، وهذا ما يفسر أحد الأسباب الرئيسية للمحاولات السعودية والاميركية الهادفة الى قلب المعادلات والتوازنات داخل العراق لمصلحتها.
رابعاً: تقرأ د مشق جيداً ردود الفعل الايرانية في الخليج، ومناورات طهران العسكرية في مضيق هرمز، وعلى الحدود مع أفغانستان، وهي ردود فعل تعلن بقوة الانتقال من وضعية الدفاع الى وضعية الهجوم، ولو اقتضى الأمر السير على حافة الحرب في منطقة بالغة الحيوية اقتصادياً على الصعيد العالمي.
لا صلابة النظام تراخت، ولا تماسك المؤسسة العسكرية اهتز، ولا البنية الاقتصادية تحولت الى الخاصرة الرخوة |
سادساً: ان مجيء المراقبين العرب شكل بالنسبة الى دمشق مناسبة اختبار لأكثر من عنوان ومسألة، أبرزها:
أ ـ حجم الاحتضان الشعبي للمعارضة، حيث لم يتحقق الهدف الاميركي ـ الخليجي المعلن من ارسال المراقبين، والهادف الى ايجاد الظروف الملائمة لاطلاق موجات بشرية من المتظاهرين، حيث لم يتجاوز العدد في عموم سوريا حسب المراقبين والمتابعين أكثر من ستين ألفاً في بلدٍ يناهز عدد سكانه الـ 15 مليون نسمة.
ب ـ اعادة فحص الموقف العربي ووضعه في دائرة الاختبار العملي بفتح الطريق الى اعادة تركيبته على أرضية متوازنة ولو نسبياً.
سابعاً: الثبات في خط الاصلاح من خلال الاعلان عن خطوات بالغة الدلالة: صياغة دستور جديد وطرحه على الاستفتاء الشعبي، اظهار الاستعداد العملي لتشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم مختلف أطياف المشهد السياسي السوري من موالاة ومعارضة ووسطيين، تأكيد الحرص على التعددية السياسية، وتظهيرها من خلال الانتخابات.
هذه الخطوات لا تؤكد جدية النظام فحسب، وانما تفتح باباً واسعاً للجميع للخروج من الأزمة الحالية نحو وضع سياسي مختلف، يحفظ لسوريا موقعها ودورها في المنطقة، وهو بذلك أيضاً يسحب البساط من تحت أيدي الذين لا يريدون إلا شراً بسوريا.
ثامناً: عجز كل المساعي الاميركية والقطرية لجمع المعارضة السورية تحت برنامج واحد، وبما يمهد الطريق لمقارعة النظام من موقع النقيض وليس من موقع المصالحة.
تاسعاً: فشل كل المحاولات الهادفة الى إيجاد بيئات أمنية حاضنة خصوصاً للمسلحين، التي من شأنها أن تؤسس مراكز جذب تشجع على قضم حلقات القوة المركزية في النظام، وتوفر أرضية لتدخل خارجي على غرار ما حصل في ليبيا.
عاشراً: ارتفاع منسوب الوعي لدى الشعب السوري لحساسية المسار الذي تدفع اليه بعض قوى المعارضة أمنياً، وبالتالي إدراكها لأولوية معالجة هذا العنوان كمدخل طبيعي لإعادة الاستقرار، وفتح المعالجات أمام الحلول السياسية الاصلاحية في مناخات ايجابية.
كل هذه العوامل، هي التي أسهمت في أن يكون خطاب الرئيس الأسد مزيجاً من القوة، والشعور المتزايد بالثقة، والأمل بسلوك سبل الخروج من الأزمة نحو الانتصار، في إعلان تحدٍّ، يضع سوريا في مرحلة جديدة تحيط أعداءها، وطبيعي أن لا يعجب الخطاب أعداء الشعب السوري ونظامه، لأنه خطاب الخيبة الكبرى بالنسبة إليهم، بقدر ما هو خطاب الأمل لهذا الشعب المضحّي.