ارشيف من :خاص

المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة

المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة
هل يبطل مجلس شورى الدولة مراسيم سحب الجنسية اذا ما طعن بها؟
علي عوباني

جرت العادة أن تعود مشكلة المجنسين الى الواجهة عند كل استحقاق انتخابي، نظرا لدورهم المؤثر على النتائج الانتخابية في بعض الدوائر لمصلحة هذا الفريق السياسي أو ذاك، علما ان جذور المشكلة في الأساس تعود لتاريخ 20/6/1994، حينما أعلن رئيس الحكومة رفيق الحريري آنذاك في إحدى الجلسات النيابية المخصصة لمناقشة الحكومة أنه وقع مع رئيس الجمهورية حينها الياس الهراوي ووزير الداخلية بشارة مرهج مرسوم التجنيس (رقم 5274) لكل المستحقين. إلا أن المرسوم أتى خاليا من أعداد الذين نالوا الجنسية، كما أن ملفات بعضهم كانت خالية من أية وثائق تثبت حقهم باكتساب الجنسية اللبنانية، ما انطوى على إشكاليات كثيرة، دفعت البعض الى وصف المرسوم بأنه أسوأ عملية تغيير ديمغرافي واجتماعي على الاطلاق، فيما اعتبر مؤيدوه انه رفع الظلم عن آلاف اللبنانيين الاقحاح ومنح الجنسية لآلاف المستحقين ممن لحق بهم ظلم كبير وحرموا من هوياتهم بسبب الإهمال أو الجهل أو الخطأ الإداري أو الكيد السياسي والحسابات الطائفية.

*تضارب في أرقام المجنسين:

وحتى اليوم لم يستطع أحد أن يجزم كم هو عدد المجنسين في لبنان فعليا فتراوح الحديث بين قائل بأنه وصل الى حدود الاربعمائة ألف والثمانمئة ألف، لكن واقع الأمر يشير الى أن هذه الارقام مبالغ بها الى حد كبير، وان الرقم الفعلي لا يتجاوز في أحسن الاحوال المئتي الف (وإن كان العدد ربما يكون قد إرتفع ليزيد عن المئتي ألف منذ صدور مرسوم التجنيس حتى اليوم). هذا مع العلم انه إذا ما أخذنا الأرقام الرسمية من المديرية العامة للأحوال الشخصية سنجد أن الذين نفذوا المرسوم ونالوا الجنسية بلغ عددهم ما يقارب 153452.
المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة
وزير الداخلية آنذاك بشارة مرهج الذي يعد كتابا جديدا حول مرسوم التجنيس من المرتقب أن يصدره خلال الاشهر المقبلة، قدر في حديث لموقع "الانتقاد" الالكتروني العدد الفعلي للمجنسين في مرسوم الـ94 بحوالي 152000 بين راشد وقاصر، وذلك بناءً على الطلبات المقدمة من أصحاب الشأن لغاية سنة 1993.

بدوره، العميد المتقاعد في قوى الامن الداخلي الدكتور فضل ضاهر والذي تكلف بالاشراف على تنفيذ جميع مراحل مرسوم التجنيس عقب صدوره (1994 )، كشف لـ"الانتقاد" ان عدد الملفات التي شملها مرسوم التجنيس عام 1994 بلغ حوالي 53000 ملف (كل ملف يحوي عائلة يتراوح افرادها بين شخص واحد واثني عشر شخصا)، لافتا الى انه اذا ما جرى ضرب هذا العدد بمعدل وسطي لعدد أفراد العائلات المشمولة بالملفات وهو 4,5 فإن النتيجة ستكون ان عدد المجنسين يقدر بـ 238500.

*الاسباب الموجبة لاصدار مرسوم التجنيس

ولدى سؤال الوزير بشارة مرهج حول الأسباب التي أوجبت صدور مرسوم التجنيس آنذاك، أشار الى أنه "كان هناك أسباب موجبة إعترف بها القاصي والداني حينها"، موضحا أن "هناك أشخاصا وفئات وعائلات حرمت من الجنسية لأسباب غير قانونية، وذلك جراء تراكمات تتالت منذ الثلاثينيات، ما أفضى إلى إلحاق الظلم ببعض الناس عن جهل واستبعادهم عن الجنسية". ولفت مرهج في الوقت ذاته الى أنه حينما صدر مرسوم التجنيس سنة 1994 كان هنالك إجماع حول ضرورة تجنيس هؤلاء ومنهم:المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة

- مجموعة وادي خالد وأبناء القرى السبع التي إستولت عليها "اسرائيل" لكن قيود أبنائها كانت لا تزال موجودة في صور والنبطية، وهؤلاء حقهم قاطع لا ريب فيه.
- مجموعة من هم قيد الدرس ويبلغ عددهم حوالي 32 ألف شخص حيث كان يجري التوقيع على بطاقاتهم من قبل الاجهزة الامنية المعنية بشكل سنوي، رغم ان هؤلاء أقاموا في لبنان على مدى أكثر من خمس سنوات واستوفوا الشروط القانونية لاكتساب الجنسية لكنهم بقوا من دونها.
- اللبنانيون الذين تمسكوا بعروبتهم ورفضوا الدخول في كيان الدولة اللبنانية فبقي أبناؤهم دون الجنسية بناء على قرار سياسي أخذه الجد الأكبر بالبقاء عربي سوري، فبقي الابن وابن الابن دون جنسية، فلماذا نظلم هؤلاء بناءً على موقف إتخذه أجدادهم؟!
- مجموعة مكتومي القيد ممن أولادهم بدون هويات، وكذلك هنالك جهل ببعض القرى ومشاكل عائلية أدت لعدم حصول بعض العائلات على الجنسية اللبنانية".

* ثغرات، رُشىً واستغلال مرسوم التجنيس

وحول إمكانية وجود بعض الاخطاء في مرسوم التجنيس، قال مرهج "أثناء تقديم الطلبات من قبل المستحقين، أوضحنا أن اللاجئين الفلسطينيين لا يحق لهم بالتجنس، لكنْ هناك أشخاص قاموا بتزوير أوراق وانفضحت بعض الطلبات التي تضمنت بيانات خاطئة، فتم سحب الجنسية منهم"، لكن مرهج شدد على ضرورة أن يقترن حجب الجنسية عن هؤلاء مع منحهم الحق بالتقدم بمراجعة قضائية أمام الهيئات القضائية المختصة"، سائلا انه "إذا اقدم الأب على التزوير ما إقتضى سحب الجنسية منه، فما هو ذنب الاولاد، خصوصا انهم حققوا شروط إكتساب الجنسية عبر العيش أكثر من خمس سنوات في لبنان، ومشيرا الى ان هذه المسألة بحاجة إلى مراجعة حتى لا يدفع الأبناء ثمن أخطاء الآباء.المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة

من جهته، أشار العميد فضل ضاهر الى انه جرى تنفيذ مرسوم التجنيس رغم كل العلل الموجودة فيه، وقال في حديث لـ"الانتقاد" "لقد جرى انشاء منظومة التنفيذ رغم ما مر أمامنا من حالات شاذة كان يجب ان لا تكون ضمن المرسوم، وملاحظات لجهة التحقيقات التي أجريت"، أضاف "حاولنا أن نعطي أصحاب الحقوق حقوقهم دون وسيط، وأن نسهل عليهم الامور، واضطررنا لأن نتدخل لأنه عندما بوشر بتنفيذ المرسوم جرى استغلال المجنسين وكان يطلب منهم دفع رشى ومبالغ كبيرة حتى يتم منحهم الجنسية، فأتينا ومنعنا كل ما لم يكن فيه نص قانوني صريح ووضعنا حدا لكل هذا الاستغلال وأمّنا التسهيلات اللازمة للمجنسين على غرار ما يجري في تنفيذ مراسيم التجنيس بدول العالم، ونفذنا المرسوم بسرعة قياسية وبطريقة تضمن عدم الفساد وتسهل على اصحاب الحقوق نيل حقوقهم.

*مرسوم التجنيس والخلل بالتوازن الطائفي

وفي سياق آخر، أقر وزير الداخلية آنذاك بشارة مرهج بواقع أن أغلب المجنسين هم من المسلمين، لكنه أشار الى ان العهود المتتالية تهربت تهربا كبيرا من البت بقضيتهم، رغم أن قضيتهم هي قضية حق وقضية واقعية انسانية قانونية، مشيرا الى أنه جرى تسييسها لأن عدد المسلمين أكبر من المسيحيين مع أنه في ذاك الوقت فتحنا المجال لتقديم طلبات الحصول على الجنسية ستة أشهر وكان بالامكان حينها تجنيس المغتربين الموارنة لو أنهم تقدموا بطلباتهم لكنهم لم يتقدموا لنيل الجنسية، وعندما حصل التجنيس وأتت الأغلبية من المسلمين قامت القيامة علينا ولم تقعد من قبل بعض المتطرفين الذين أخطأوا بحق مرسوم التجنيس والعمل النبيل الذي قصدناه".المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة

ومما تقدم يتضح ان مرسوم التجنيس طرح إشكالية أخرى تمثلت بكونه طال شريحة واسعة من المسلمين وبأضعاف مضاعفة عن المسيحيين ما أحدث خللا في التوازن الطائفي دفع البعض للسعي لإلغاء المرسوم والمطالبة بتجنيس المغتربين لاستعادة هذا التوازن، وهو ما رد عليه مؤيدو المرسوم بالتأكيد بأن المرسوم صدر بالأساس في سياق حل مشكلة إنسانية معقدة وتصحيح وضع شاذ مخالف لشرعة حقوق الإنسان توارثها الحكم اللبناني عهدا بعد عهد من دون البت بها أو حسمها، رغم علم الجميع بأحقية المجنسين قانونا باكتساب هذا الحق.

وبما أن البعض رأى ان مرسوم التجنيس، خلّف نتائج خطيرة على المستوى الديمقراطي، وبالتالي السياسي والإجتماعي والإقتصادي، فقد جرت مراجعة مجلس شورى الدولة لإبطال هذا المرسوم بحجة عدم توافر الشروط لدى بعض من منحوا هذه الجنسية، فصدر عن مجلس شورى الدولة بتاريخ 7/5/2003 القرار رقم 484/202/203 الذي أحال القضية على وزارة الداخلية لإعادة درس الملفات الإدارية لديها (أي ملفات الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية اللبنانية بموجب المرسوم المطعون فيه)، وذلك في سبيل الرجوع عن القرارات التي منحت لبعض الأشخاص الجنسية اللبنانية من دون وجه حق أو التي اكتسبها أصحابها عن طريق الغش والتزوير أو التي تعتبر مخالفة للدستور والقانون".

وبالفعل أعدت اللجان التي شكلتها وزارة الداخلية للدرس وإعادة النظر بالمرسوم لائحة بـ 1940 شخصاً راشدين وقاصرين إقترحت سحب الجنسية منهم. من بين هؤلاء 1634 مسلماً لم ينفذوا عملية التجنيس لأسباب مختلفة (سفر، موت، زواج، إهمال).

*مراسيم سحب الجنسية وامكانية ابطالها

الى ذلك، بقيت الأمور على حالها على هذا المنوال منذ ذاك التاريخ الى أن صدر مؤخرا المرسوم 6690 الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 -11 -2011 وتضمن أسماء الذين سحبت منهم الجنسية والذين يفوق عددهم عن المئة من دون عائلاتهم. ففيما نص المرسوم 6690 على سحب الجنسية من سبعة وثلاثين لاجئا فلسطينيا بعدما إكتسبوها تحت شعار مكتومي القيد، نص المرسوم 6691 على سحب الجنسية من أربعة وخمسين شخصا أصلهم سوري أو تركي أو إيراني ومن عشرة فلسطينيين ومن شخص مزور ومن اثنين تقدما بأسماء مستعارة.

وفور صدور مراسيم سحب الجنسية في الجريدة الرسمية فوجئ البعض (خمسة وعشرون شخصا من سريان مدينة زحلة من بينهم جليل مراد) بورود أسمائهم فيها، ولا سيما أن البعض منهم أقام لسنوات طويلة في لبنان واندمج في المجتمع اللبناني وشارك مرارا في الانتخابات البلدية والنيابية كما أدى ما يتوجب عليه قانونا كخدمة العلم في صفوف الجيش اللبناني، الى ان أتى القانون فأفقده وأفقد عياله حق الجنسية الذي أصبح من حقوقه المكتسبة مع مرور الزمن. وإزاء هذا الواقع، برزت مسألة أساسية وجوهرية تتمثل في مدى أحقية المشمولين بمرسوم سحب الجنسية بالإعتراض على المرسوم الذي نزع منهم حقوقا مكتسبة مارسوها على مدى سنوات طوال، ثم ضمن أي مهلة قانونية، وأمام أي مرجع قضائي يحق لهم المراجعة؟.

المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة
مصادر مجلس شورى الدولة أكدت لـ"الانتقاد" ان كل من يثبت انه ليس فلسطينيا او سوريا او ايرانيا يحق له الاحتفاظ بجنسيته، وما عليه سوى مراجعة المجلس وتقديم الادلة التي تثبت ذلك لابطال مرسوم سحب الجنسية منه الصادر عن رئيس الجمهورية، لكن المصادر توقفت عند اشكالية قانونية مطروحة في هذا الصدد وهي متى يبدأ سريان المهلة الزمانية (الشهرين) حيث تتقاطع الاراء بين رأي يقول انها تبدأ من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية وآخر يقول انها تبدأ من تاريخ تبليغ الشخص المعني بقرار سحب الجنسية منه، تمكينا له من ممارسة حقوقه عبر التقدم بدعوى ابطال للمرسوم.
المجنسون في لبنان بين مطرقة سحب الجنسية وسندان الحقوق المكتسبة
*سعد الله الخوري: مراسيم سحب الجنسية معيوبة قانونا وتتجاوز حد السلطة

وفي هذا السياق، رد رئيس مجلس شورى الدولة السابق على هذه الاشكالية، فأشار الى ان مرسوم سحب الجنسية هو مرسوم افرادي شخصي وبالتالي لا تسري مهلة الشهرين بشأنه الا من تاريخ ابلاغه للاشخاص المعنيين.

واعتبر الخوري ان حاملي الجنسية بهذا الشكل لهم حقوق مكتسبة، واصفا مراسيم استعادة الجنسية بأنها " معيوبة قانونا وتشكل تجاوزا لحد السلطة"، ومشيرا الى انه إذا طعن بها من قبل أصحاب العلاقة كل على حدة يجب ان تبطل من قبل مجلس شورى الدولة لانها تمس حقوقهم المكتسبة.

وذكر الخوري بأنه عندما طعن سابقا بمرسوم الجنسية من قبل الرابطة المارونية رد مجلس شورى الدولة الملف محيلا القضية الى الخصم اي وزارة الداخلية، من دون أن يتخذ قرارا قضائيا في سابقة غريبة من نوعها وغير مفهومة، بينما كان يجب أن يدرس الأمور بهدوء ويبطل المرسوم آنذاك، أما اليوم فقد أصبح هنالك حق فردي مكتسب للأفراد لا يجوز للادارة أن تتراجع فيه عن قراراتها إلا ضمن شرطين متلازمين، الاول ان يكون القرار الاداري مخالفا للقانون، والشرط الثاني أن يتم استرداده او استرجاعه ضمن مهلة شهرين مهلة المراجعة القضائية. وليس عشر سنوات لانه بحسب القانون أصبح لهؤلاء المجنسين حق مكتسب، واسترداد الحقوق المكتسبة مخالف لمبدأ اساسي ألا وهو عدم جواز المس بالحقوق الفردية المكتسبة والتي تنزل منزلة الدستور ولها قوة دستورية.
2012-01-14