ارشيف من :آراء وتحليلات
تركيا من سياسة "صفر مشاكل" الى "مشاكل بالجملة"
أنقرة ـ حسن الطهراوي
يبدو ان انقرة باتت مطالبة هذه الايام بإعادة النظر في مبادئ سياستها الخارجية التي تعتمد كما كان يقول المسؤولون الاتراك على مبدأ "تصفير المشاكل" مع دول الجوار، وإقامة افضل العلاقات معها، ولا سيما ان مواقف الحكومة التركية تجاه التطورات التي تشهدها المنطقة والطريقة التي تتعامل فيها مع الاحداث، تطرح العديد من التساؤلات حول هذه السياسة المتناغمة مع السياسة الامريكية والغربية، وعما اذا كانت بحق تهدف لمنع انزلاق المنطقة الى صراعات مذهبية وعرقية ام تأجيج هذه الصراعات.
فنظرة سريعة الى علاقات تركيا مع جيرانها كافية للقول ان سياسة "صفر مشاكل" لم تعد قائمة على ارض الواقع بعد ان وصلت علاقات تركيا مع دول الجوار الى ادنى مستوى لها في الاشهر الاخيرة، فعلاقات انقرة مع بغداد والتي كانت توصف حتى وقت قريب بالطبيعية دخلت الان في ازمة جدية بسبب التدخل المباشر للحكومة التركية في شؤون العراق الداخلية واعتماد سياسة داعمة لطرف ومذهب محدد بعد تفجر قضية طارق الهاشمى.
الصحف التركية تتحدث عن بوادر ازمة جدية مع بغداد ونقلت تحذيرات رئيس الوزراء العراقى "نور المالكي" لتركيا التي اتهمها بالعمل على تأجيج الصراع المذهبى وذكّرها بأنها ستكون من اكثر المتضررين في حال حدث ذلك لان تركيا فيها ايضا مذاهب واقليات مختلفة.
وقالت صحيفة "حريات" ان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان اجرى اتصالا مع الرئيس الاميركي باراك اوباما تركز حول الاوضاع في العراق واشتكى خلاله نوري المالكي للرئيس اوباما معتبرا بحسب الصحيفة ان الدعم الامريكي للمالكي هو مصدر قوته.
ويمكن القول ان العراق كان الحلقة المفقودة في سلسلة الازمات التي بدأت بين تركيا وجوارها، فالعلاقات مع دمشق التي كانت حتى وقت قصير توصف بالنموذجية والمثال الذي يجب ان يحتذى به في علاقات الدول سرعان ما تهاوت وتأزمت بعد اندلاع الاحداث في سوريا، فالكثيرون توقعوا في البداية ان تكون مواقف حكومة رجب طيب اردوغان متميزة او حيادية على الاقل، وان توظف علاقاتها الجيدة مع دمشق لحل الازمة لكنها على العكس سارعت الى فتح ابوابها للمعارضين السوريين وأقامت مخيمات اللجوء والتدريب للنازحين والمنشقين عن الجيش السوري.
الموقف التركي من الازمة السورية عكر صفو العلاقات القائمة مع ايران، وجاءت بعدها موافقة انقرة على نصب نظام الدرع الصاروخية في مدينة "مالاطيا" لتزيد الامور تعقيداً، ولا يُخفي المسؤولون الايرانيون وجود خلافات جدية مع تركيا حول هذين الملفين، ويطالبونها باعادة النظر في سياساتها التي لا تخدم مصالح الدول الاسلامية.
ولا يبدو الحال افضل في علاقات تركيا مع جوارها الاوروبي، فالازمة مع اليونان تاريخية وتتجدد مع كل تطور يحدث في جزيرة قبرص المقسمة والمتنازع عليها بين القبارصة اليونان والقبارصة الاتراك، او مع كل موقف يصدر من اثينا يعارض انضمام انقرة الى الاتحاد الاوروبي.
ولا يختلف الحال في علاقات تركيا مع ارمينيا حيث الحدود بين البلدين مغلقة منذ 1993 والمذابح التي تعرّض لها الارمن فترة الدولة العثمانية تبقى عنواناً للأزمة.