ارشيف من :آراء وتحليلات
الأنهار البشرية التي تصب في كربلاء !
عقيل الشيخ حسين
الاحتفاليات وإحياء المناسبات أمور قديمة قدم الزمان، والناس يشاركون فيها بهدف إبراز قيم أو مثل أو أحداث معينة. فهي تقام لتمجيد وتخليد أحداث كالاستقلالات والثورات والولادات والوفيات على صعيد الأفراد، وخصوصاً على صعيد شخصيات مرموقة كالأنبياء والقديسين والأبطال.
والكثير من هذه الظواهر يأخذ شكل الأعياد التي يطلق فيها العنان للملذات وأشكال الاستمتاع والتخفف من المشاكل. ومنها ما يميل نحو الحزن والعزاء.
وبين هذا الصنف الأخير الذي يرجع ـ تبعاً للظروف والملابسات ـ إلى أحداث تاريخية كبرى، ويقدم نفسه كحامل لوعود بالأمل في المستقبل، تتميز الاحتفاليات العاشورائية التي تقام كل عام بقوة وزخم متزايدين.
يأتون من مختلف المناطق في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان والهند وتركيا وسوريا ولبنان والخليج وغيرها من مناطق في ستين بلداً في العالم. نحو عشرين مليوناً من "الزوار" ـ حشد بشري لا يعادله حشد في التاريخ البشري، وهذا ذو دلالة عميقة ـ يحثون الخطى نحو كربلاء في العراق لإحياء ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) ومعظم أبنائه وإخوته وبني عمومته وأصحابه في عام 61 للهجرة (680 من التقويم الغريغوري).
وللوصول إلى مقام الإمام الحسين (ع)، فإن هؤلاء الزوار رجالاً ونساءً من جميع الأعمار والجنسيات يجتازون عشرات وحتى مئات الكيلومترات، والآلاف في بعض الحالات، وكثيرون منهم ( وهذا أمر ثانٍ ذو دلالة عميقة) يأتون سيراً على الأقدام، وحفاة في الكثير من الحالات. وهم في كل ذلك يعرفون أن عين "الحرب السرية" ترصدهم وتصطادهم بالقصف والعمليات الانتحارية والأغذية المسمومة... فلا ينكلون. أليس أنهم قد اختاروا السير طوعاً على طريق الحسين (ع)؟
وسائل الإعلام الغربية وغيرها من وسائل الإعلام المقزَّمة عنها متخصصة في الألاعيب وفنون التضليل والتسميمين الإعلامي والعلمي. لذا، فإنها لا تحيط الناس في البلدان الأميركية والأوروبية وغيرها علماً بهذا الحدث المميز جداً في استثنائيته. لا تبث صوراً عن تلك المواكب المهيبة التي تنبع بالزوار القادمين من جميع الآفاق لتسير على الطرقات المفضية إلى كربلاء، تلك المدينة التي بنيت في الموضع الذي شهد على ذلك المشهد الذي شكلت كل أحداثه وفصوله دروساً بالغة في بلاغتها لكل من يهمه معرفة المأساة التي تركت بالغ الأثر على مجمل التاريخ البشري، بما هي واحدة من أكابر محركات هذا التاريخ.
إن للفلاسفة وعلماء الاجتماع والاستراتيجيين والمؤرخين والأدباء والفنانين والناس العاديين ما يشتغلون به ولا ينتهون، إذا ما كلفوا أنفسهم عناء النظر إلى هذه الظاهرة الاجتماعية والتاريخية الفريدة.
لماذا هذا الاحتشاد المهيب على الطرقات المفضية إلى كربلاء والذي تصاحبه احتشادات مشابهة هامة تجري سنوياً في العالم الشيعي أو السائر في طريق التشيع ؟
من غير الممكن، في إطار مقالة كهذه، تقديم عرض شامل لهذا الحدث الذي تبدأ بداياته مع، بل حتى، قبل ظهور الإسلام، والذي تواصل امتداداته عبور الزمن مروراً بيومنا هذا باتجاه آخر الزمان، مع ظهور المهدي (ع) الذي سيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
فـ "كل يوم عاشوراء، وكل مكان كربلاء" هي كذلك بهذا المعنى بالذات. يكفي القول ـ خلافاً للآراء التبسيطية والمشبوهة التي تقلص هذه الاحتفاليات إلى مجرد تعبير عن الندم والارتياع من قبل أولئك الذين خذلوا الحسين (ع) وأسلموه لأعدائه بعدما استصرخوه لنجدتهم ـ إن هذه الاحتفاليات تهدف، على الأقل، بنظر الشيعة، إلى تصويب مسار تاريخ الإسلام والإنسانية بدءاً بالنقطة التي بدأ فيها الانحراف الذي بلغ ذروته تحديداً مع مصرع الممثل الحقيقي للإسلام وتلك الثلة الصغيرة من اهل بيته وأنصاره.
عملية الاستئصال هذه هي ردة حقيقية بمقدار ما كان النظام الأموي الذي رعاها سليل أولئك الذين كادوا كل كيدهم وسعوا كل سعيهم في محاربة رسول الله (ص) والدين الذي جاء به. كان ذلك ثأراً لآبائهم وأجدادهم المشركين الذين اصطلمهم سيف علي بن أبي طالب (ع)، والد الإمام الحسين (ع). وبكلمة، كان ذلك محاولة لقتل الإسلام الحقيقي نفسه.
محاولة عقيمة. إذ بعد أربعة عشر قرناً من حكم امبراطوريات "إسلامية" أقيمت على صورة الإمبراطورية الأموية، لجهة عدائها للإسلام الأصيل، ولدت روح الإسلام من جديد بعدما أضاء مشعلها في كربلاء، وحفظت جذوتها بأمانة وبشكل سري في أحيان كثيرة من قبل الممثلين الحقيقيين للإسلام، وحصحصت مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ثم مع أول انتصار حققه، في خضم الهزائم العربية المشهودة، الحسينيون من أبناء حزب الله، على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ثم مع هزيمة الاحتلال الأميركي المدعوم عربياً في العراق، ثم مع هذه الأنهار البشرية التي تزور كربلاء للتزود من العزم للمعارك القادمة. معارك عادلة على مثال معركة الإمام الحسين، وهذا ما تثبته المفارقات والعجائب التي نراها حالياً في هذه التحالفات التي تعقد بين أدعياء من ورثة العقدة الأموية يزعمون الانتساب للإسلام وبين حلف الناتو والكيان الصهيوني !
الاحتفاليات وإحياء المناسبات أمور قديمة قدم الزمان، والناس يشاركون فيها بهدف إبراز قيم أو مثل أو أحداث معينة. فهي تقام لتمجيد وتخليد أحداث كالاستقلالات والثورات والولادات والوفيات على صعيد الأفراد، وخصوصاً على صعيد شخصيات مرموقة كالأنبياء والقديسين والأبطال.
والكثير من هذه الظواهر يأخذ شكل الأعياد التي يطلق فيها العنان للملذات وأشكال الاستمتاع والتخفف من المشاكل. ومنها ما يميل نحو الحزن والعزاء.
وبين هذا الصنف الأخير الذي يرجع ـ تبعاً للظروف والملابسات ـ إلى أحداث تاريخية كبرى، ويقدم نفسه كحامل لوعود بالأمل في المستقبل، تتميز الاحتفاليات العاشورائية التي تقام كل عام بقوة وزخم متزايدين.
يأتون من مختلف المناطق في العراق وإيران وأفغانستان وباكستان والهند وتركيا وسوريا ولبنان والخليج وغيرها من مناطق في ستين بلداً في العالم. نحو عشرين مليوناً من "الزوار" ـ حشد بشري لا يعادله حشد في التاريخ البشري، وهذا ذو دلالة عميقة ـ يحثون الخطى نحو كربلاء في العراق لإحياء ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين بن علي (ع) ومعظم أبنائه وإخوته وبني عمومته وأصحابه في عام 61 للهجرة (680 من التقويم الغريغوري).
وللوصول إلى مقام الإمام الحسين (ع)، فإن هؤلاء الزوار رجالاً ونساءً من جميع الأعمار والجنسيات يجتازون عشرات وحتى مئات الكيلومترات، والآلاف في بعض الحالات، وكثيرون منهم ( وهذا أمر ثانٍ ذو دلالة عميقة) يأتون سيراً على الأقدام، وحفاة في الكثير من الحالات. وهم في كل ذلك يعرفون أن عين "الحرب السرية" ترصدهم وتصطادهم بالقصف والعمليات الانتحارية والأغذية المسمومة... فلا ينكلون. أليس أنهم قد اختاروا السير طوعاً على طريق الحسين (ع)؟
وسائل الإعلام الغربية وغيرها من وسائل الإعلام المقزَّمة عنها متخصصة في الألاعيب وفنون التضليل والتسميمين الإعلامي والعلمي. لذا، فإنها لا تحيط الناس في البلدان الأميركية والأوروبية وغيرها علماً بهذا الحدث المميز جداً في استثنائيته. لا تبث صوراً عن تلك المواكب المهيبة التي تنبع بالزوار القادمين من جميع الآفاق لتسير على الطرقات المفضية إلى كربلاء، تلك المدينة التي بنيت في الموضع الذي شهد على ذلك المشهد الذي شكلت كل أحداثه وفصوله دروساً بالغة في بلاغتها لكل من يهمه معرفة المأساة التي تركت بالغ الأثر على مجمل التاريخ البشري، بما هي واحدة من أكابر محركات هذا التاريخ.
إن للفلاسفة وعلماء الاجتماع والاستراتيجيين والمؤرخين والأدباء والفنانين والناس العاديين ما يشتغلون به ولا ينتهون، إذا ما كلفوا أنفسهم عناء النظر إلى هذه الظاهرة الاجتماعية والتاريخية الفريدة.
لماذا هذا الاحتشاد المهيب على الطرقات المفضية إلى كربلاء والذي تصاحبه احتشادات مشابهة هامة تجري سنوياً في العالم الشيعي أو السائر في طريق التشيع ؟
من غير الممكن، في إطار مقالة كهذه، تقديم عرض شامل لهذا الحدث الذي تبدأ بداياته مع، بل حتى، قبل ظهور الإسلام، والذي تواصل امتداداته عبور الزمن مروراً بيومنا هذا باتجاه آخر الزمان، مع ظهور المهدي (ع) الذي سيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
فـ "كل يوم عاشوراء، وكل مكان كربلاء" هي كذلك بهذا المعنى بالذات. يكفي القول ـ خلافاً للآراء التبسيطية والمشبوهة التي تقلص هذه الاحتفاليات إلى مجرد تعبير عن الندم والارتياع من قبل أولئك الذين خذلوا الحسين (ع) وأسلموه لأعدائه بعدما استصرخوه لنجدتهم ـ إن هذه الاحتفاليات تهدف، على الأقل، بنظر الشيعة، إلى تصويب مسار تاريخ الإسلام والإنسانية بدءاً بالنقطة التي بدأ فيها الانحراف الذي بلغ ذروته تحديداً مع مصرع الممثل الحقيقي للإسلام وتلك الثلة الصغيرة من اهل بيته وأنصاره.
عملية الاستئصال هذه هي ردة حقيقية بمقدار ما كان النظام الأموي الذي رعاها سليل أولئك الذين كادوا كل كيدهم وسعوا كل سعيهم في محاربة رسول الله (ص) والدين الذي جاء به. كان ذلك ثأراً لآبائهم وأجدادهم المشركين الذين اصطلمهم سيف علي بن أبي طالب (ع)، والد الإمام الحسين (ع). وبكلمة، كان ذلك محاولة لقتل الإسلام الحقيقي نفسه.
محاولة عقيمة. إذ بعد أربعة عشر قرناً من حكم امبراطوريات "إسلامية" أقيمت على صورة الإمبراطورية الأموية، لجهة عدائها للإسلام الأصيل، ولدت روح الإسلام من جديد بعدما أضاء مشعلها في كربلاء، وحفظت جذوتها بأمانة وبشكل سري في أحيان كثيرة من قبل الممثلين الحقيقيين للإسلام، وحصحصت مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ثم مع أول انتصار حققه، في خضم الهزائم العربية المشهودة، الحسينيون من أبناء حزب الله، على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، ثم مع هزيمة الاحتلال الأميركي المدعوم عربياً في العراق، ثم مع هذه الأنهار البشرية التي تزور كربلاء للتزود من العزم للمعارك القادمة. معارك عادلة على مثال معركة الإمام الحسين، وهذا ما تثبته المفارقات والعجائب التي نراها حالياً في هذه التحالفات التي تعقد بين أدعياء من ورثة العقدة الأموية يزعمون الانتساب للإسلام وبين حلف الناتو والكيان الصهيوني !