ارشيف من :آراء وتحليلات

بين 2003 و 2011.. أرقام أميركية لها دلالات

 بين 2003 و 2011.. أرقام أميركية لها دلالات
بغداد ـ عادل الجبوري

من الطبيعي أن تشهد مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق إماطة اللثام عن أرقام وحقائق مهمة لدراسة وتقييم الكثير من القرارات والتوجهات والسياسات والاجراءات. وقد لا تتكشف كل الحقائق والأرقام دفعة واحدة وخلال وقت قصير، إنما لا بد من فترة زمنية طويلة حتى تكتمل وتتكامل وتتضح كافة معالم الصورة بأبعادها المختلفة. ولعل الحقائق والأرقام تكون أكثر مصداقية وواقعية حينما تكون صادرة عن جهات إما رسمية أو محايدة أو في أسوأ الأحوال غير معادية.

ورغم أن عدداً غير قليل من مراكز الدراسات والأبحاث الأميركية، فضلاً عن سياسيين في الكونغرس وفي مؤسسات حكومية ومنظمات المجتمع المدني، تحدثوا في أوقات سابقة عن الآثار والتبعات الباهظة للتدخل الأميركي في العراق، إلا أنه على ما يبدو ستتسع مساحة الاهتمام والتركيز على هذا الجانب بعد انسحاب القوات الأميركية من هذا البلد، بصرف النظر عما إذا كانت واشنطن ما زالت تمتلك القدرة على التأثير في سياساته وتوجهاته أم لا.

وللوهلة الأولى تعكس الأرقام المتداولة حتى الآن اخطاء كبرى في حسابات وتقديرات صناع القرار في واشنطن، وهو الشيء الذي لا يتردد البعض في الاعتراف والإقرار به، بينما هناك فريق آخر يحاول باستمرار تلميع الصورة وإخفاء مساوئها.

وتحت عنوان "تكاليف الحروب" يتناول معهد واطسون للدراسات الدولية التابع لجامعة براون الأميركية ما أنفقته الولايات المتحدة في حروبها خلال العشرة أعوام الماضية.

 بين 2003 و 2011.. أرقام أميركية لها دلالات

ويشير المعهد في تقريره إلى أن كلفة الحروب في أفغانستان والعراق بالدرجة الأساس يمكن أن تصل الى 4,4 ترليون دولار، وهذ الرقم قابل للارتفاع إذا أخذت في الحسبان جوانب أخرى ربما لا يتم الالتفات إليها، مثل الالتزامات على المدى الطويل تجاه جرحى الحروب وعمليات التأهيل المختلفة على الصعيد المادي والمعنوي، وإصلاح ما دمرته وتسببت به تلك الحروب.
ويتضمن التقرير عبارة لها دلالات عميقة وهي "ان الترليونات التي أنفقت على حروب العشرة أعوام الأخيرة كانت عبارة عن استثمار غير مجدٍ".
ويقدر باحثان اميركيان من جامعتي هارفرد وكولومبيا، هما جوزيف أوجين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وليندا بيلمز، في دراسة مشتركة الكلف الميدانية ـ العسكرية (فقط) للاحتلال الأميركي للعراق بـ(2267)مليار دولار.
بيد أن كتاباً تحت عنوان "الكلفة الحقيقية للحرب:3 ترليون دولار" يشير الى ما يلي:
ـ النفقات المصروفة: 336 مليار دولار
ـ التعويضات والمرتبات التقاعدية: 127 مليار دولار
ـ نفقات العمليات: 389 مليار دولار
ـ النقص في الانتاج جراء الوفيات والاعاقات ومراحل الاستشفاء: 355 مليار دولار
ـ تعويضات النقل والضمانات الاخرى: 160 مليار دولار
ـ اثمان الوقود للقوات العاملة وعمليات الشحن: 300 مليار دولار
ـ فواتير النقص في المشاريع الانتاجية بسبب الانفاق على الحرب: 450 مليار دولار
ـ فواتير تباطوء الدورة الاقتصادية الداخلية: 150 مليار دولار.

وما ينبغي التأكيد عليه أن هذه الأرقام تقتصر على الحرب في العراق. وهناك أرقام قد تزيد وقد تنقص بشأن الحرب في افغانستان، ناهيك عن حروب ومشاريع غير معلنة، أو غير منظورة، أو أن حربي العراق وأفغانستان سرقت الأضواء منها وشتتت الانتباه عنها.

وفي تقرير لمكتب الموازنة التابع للكونجرس الاميركي يتضح أن حجم الدين الأميركي يبلغ في الوقت الحاضر 9.13 ترليون دولار، ويؤكد التقرير أن معدل الدين الداخلي الأميركي مقارنة بالانتاج المحلي ارتفع من 35% في عام 1975 الى 65% في عام 2011، ويعتقد الخبير الاقتصادي الأميركي ديفيد ويس أن "المشكلة تمضي قدماً، وتقديراتنا ان الدين القومي سوف يصل الى 350% من إجمالي الانتاج المحلي في عام 2050 إذا بقيت الأمور تدار بهذه الطريقة، وظلت الاخطاء تتراكم وتتكرر".

 بين 2003 و 2011.. أرقام أميركية لها دلالات


وبينما يشير تقرير "تكاليف الحروب" الى ان سجلات القتلى والجرحى في صفوف الجيش الأميركي ما زالت مبهمة، إلا أن بعض الإحصاءات الأميركية تؤكد أن عدد الأجانب الذين سقطوا في العراق منذ عام 2003 وحتى آواخر عام 2011 يبلغ 4802 ، بينهم 4484 اميركياً، والباقون يحملون جنسيات مختلفة لدول ساهمت في حرب الإطاحة بنظام صدام وما ترتب عليها من أمور، الى جانب 36000 الف جريح أغلبهم من الاميركيين.

وترد بعض التفاصيل التي تشير إلى أنه في عام 2008 سقط أكبر عدد من القتلى في صفوف الجيش الأميركي، وهو 963، بينما شهد عام 2011 سقوط 54 عسكرياً أميركياً فقط، وهو الرقم الاقل.

وفي العام الاول للحرب ـ 2003 ـ سقط 508 قتلى في صفوف الجيش الأميركي، وارتفع العدد في عام 2004 الى 906، لينخفض قليلاً جداً في عام 2005 الى 897، وينخفض مرة أخرى في عام 2006 الى 872، ومن ثم يعود الى الارتفاع في عام 2007 ليصل إلى ذروته كما أشرنا آنفاً، اما في عام 2008 فقد بلغ 322، وفي عام 2009 وصل الى 150 قتيلاً، وفي عام 2010 كان العدد 60.

والى جانب هذه الارقام، فإن هناك بلا شك أرقاماً للقتلى من المدنيين وعناصر الأمن الذين يعملون مع الشركات الاستثمارية وبعض المؤسسات الأميركية المتخصصة في مجالات الإعمار والصحة والحمايات الأمنية وغيرها التي نشطت في العراق خلال الاعوام التسعة الماضية.

والملفت في الاطار العام أن أصواتاً كثيرة من خارج الولايات المتحدة راحت تتحدث بصراحة ووضوح عن الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في ادارتها وتعاطيها مع ملفات عالمية حساسة وخطيرة. فوزير الخارجية الدنماركي فيلي سونديل يقول "ان الحرب على العراق كانت مؤلمة وطويلة على الجانبين العراقي والأميركي، ولا أعتقد أن الكثير من الأهداف الأميركية المعلنة قد تحقق في النهاية، وإن صدام حسين كان يمثل نظاماً رهيباً ومفزعاً، لكن العراق لا يزال يواجه الكثير من المشاكل والتحديات الكبيرة، والإدارة الأمريكية الحالية التي ورثت الحرب من الإدارة السابقة تريد الخروج من الاستراتيجية التي كانت مؤلمة لجميع الأطراف من دون الوفاء بالتزاماتها المعلنة".

واذا كانت أرقام الخسائر المادية والبشرية الأميركية جراء الاحتلال مرعبة ومفزعة، فإن أرقام الخسائر المادية والبشرية والنفسية والمعنوية العراقية أشد رعباً وفزعاً وإيلاماً بكثير، وهذا ما يتطلب وقفة اخرى.
2012-01-16