ارشيف من :آراء وتحليلات

الحماية الخارجية قشة الغريق الأخيرة!

الحماية الخارجية قشة الغريق الأخيرة!
عقيل الشيخ حسين

ليست المعارضة السورية هي وحدها التي تدعو إلى تدخل عسكري تقوم به قوى أطلسية وعربية معروفة بحقدها على كل ما هو سوري وعربي، بهدف الاحتماء بهذا التدخل من العقاب العادل الذي استحقته عندما ارتضت لنفسها أن تلعب دور الدمية وأن تطعن شعبها المعروف بتمسكه الذي لا يتزعزع بقضية التحرر القومي العربي.

فالمستفيد شبه الوحيد من نجاح المؤامرة على سوريا، فيما لو نجحت، ودون نجاحها خرط القتاد، هو بالذات العدو الإسرائيلي الذي سيكون قد تخلص بذلك من النظام العربي الوحيد الذي اندحرت أمام أبوابه عملية الاستسلام التي هرولت إليها معظم الأنظمة العربية.

لكن هذا العدو الإسرائيلي نفسه يعاني من حالة اهتزاز وإحباط شبيهة بحالة المعارضة السورية، أو أيضاً بحالة المعارضة اللبنانية الشغوفة هي أيضاً بمحكمة دولية كل ما يهما من أمرها أنها تذهب باتجاه تدخل عسكري خارجي في الشؤون اللبنانية تحت الفصل السابع.

فهو (أي العدو الإسرائيلي) متفرغ منذ العام 2006، العام الذي شهد على هزيمة جيشه الذي كان لا يقهر على يد المقاومة في لبنان، ثم منذ العام 2008 الذي شهد على هزيمته في غزة... لإجراء المناورات، وحده داخل الأراضي المحتلة، ومؤخراً بمشاركة حلفائه الأطلسيين (صار الحلف الأطلسي اليوم شريكاً مشتركاً بين العديد من الأنظمة العربية والكيان الصهيوني)، أو بالمشاركة مع هؤلاء الحلفاء في مناورات خارج الأرض المحتلة، في بلدان كاليونان وبلغاريا ورومانيا وإيطاليا وربما في تركيا وبلدان أخرى.

لكنه رغم هذه السنوات من المناورات التي يفترض بها أن تعزز جاهزية الجيش الإسرائيلي للثأر لهزيمته المرة في لبنان وغزة، لا يبدو مالكاً لما يكفي من الجرأة على فتح حرب محدودة على لبنان أو شاملة على غزة.

لأنه يعلم أنه سيلقى حتفه فيما لو أقدم على مغامرة من هذه النوع. من هنا، وعلى كثرة الدائبين من العرب وغير العرب على خدمة مشروعه، يسعى إلى نقل المواجهة بعيداً عن حدود فلسطين المحتلة... نحو العدو المشترك بينه وبين جامعة بلدان الخليج القطرية، أي نحو إيران.

فهو يبرق ويرعد منذ سنوات ويطلق التهديدات بتوجيه ضربة عسكرية وشيكة إلى إيران على أمل أن يؤدي نجاح مثل هذه المغامرة إلى قطع الإمداد الإيراني عن حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ولكن اللافت أيضاً أنه لم يجسر حتى الآن على وضع تهديداته موضع التنفيذ.

والسبب في ذلك معروف: لم يعد من الممكن له أن يشن الحروب النزهات التي اعتاد على كسبها قبل اندلاعها وعلى الخروج منها بأكاليل الغار. لا بد إذاً من أن يجد جهة تشن حربه على إيران. والمعروف أن حربه هذه قد سبق وشنها نظام صدام منذ اللحظات الأولى بدعم عربي ودولي شبه مطلق. والمعروف أيضاً بعد فشل تلك الحرب في تحقيق أهدافها أن الجهات نفسها لم تتوقف لحظة واحدة عن مواصلة هذه الحرب بالأساليب المسماة ناعمة أو سرية.

لكن الإسرائيلي يبدو على عجلة من أمره لأن الكابوس الإيراني يقض مضجعه رغم كل النوم المريح والأحلام الوردية التي تؤمنها له سياسات الاستسلام العربية. يريد التخلص من إيران بأسرع وقت ممكن. والمشكلة أنه يخاف من الرد الذي لا تتحمل أعباءه ظروف الكثافة السكانية الإسرائيلية في الرقعة الجغرافية الضيقة التي تشكلها الأراضي المحتلة.

وهذا ما يدفعه إلى طلب الحماية لنفسه من الجهات نفسها التي يتوجه إليها المجلس الوطني السوري وأمثاله من الجهات السائرة على طريق طلب الحماية. لكنه لا يفعل ذلك بالطريقة نفسها: يريد أن يتشكل تحالف دولي عربي بقيادة أميركا بهدف تأمين هذه الحماية عن طريق ضرب إيران.

لكن أميركا، وهي الحريصة أكثر من الكيان الإسرائيلي على التخلص من إيران، لم تعد قادرة، بعد كل ما تكبدته في العراق من خسائر أسهمت في تفجير أزمتها الاقتصادية الحالية، أن تفتح حرباً مع إيران أدنى مخاطرها أن ينهار اقتصاد بلدان الغرب حتى لو تحول المحيط الأطلسي كله إلى نفط سعودي يقيها البرد ويدب الحياة في مفاصل حياتها الاقتصادية والاجتماعية.

من هنا يميل الأميركيون إلى التركيز على حرب العقوبات، وعلم الإسرائيليين بعدم جدوى تلك الحرب يدفعهم إلى محاولة توريط أميركا في حرب ساخنة لا ترغب فيها ولا تقدر عليها: ينتحلون صفة الاستخبارات الأميركية في تنفيذ عمليات تفجير واغتيالات في إيران.

سياسة التحريش الإسرائيلي هذه ليست خافية على الأميركيين والغربيين. الرئيس السابق للقيادة الأميركية الوسطى، جو هور، صرح مؤخراً بأن "إسرائيل تلعب بالنار وتجرنا معها في حربها السريّة سواء أردنا ذلك أم لم نرد". و"الغارديان" البريطانية كتبت بأن الوقت قد حان لكي تتحلى أميركا وأوروبا بضبط النفس تجاه إيران.

من هنا نفهم موافقتهم على العودة إلى المفاوضات حول الملف النووي الإيراني السلمي، وسعيهم إلى فتح خطوط اتصال حمراء وغير حمراء مع طهران.

كما نفهم أن شيئاً لن يرد السيل عن عبابه. والسيل هو ذاك الذي أخرج المنطقة من منطق الهزائم، منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي، وهزيمة أميركا في العراق، والثورات العربية التي سنتهي عاجلاً أو آجلاً إلى وضع الشعوب العربية على طريق تحرير المنطقة من الوجود الاستعماري.

أما طلاب الحماية الأجنبية، فإنهم لن يحظوا حتى بأوراق تسمح لهم بالإقامة في الدول التي تدفعهم الآن إلى خيانة قضايا شعوبهم. لأن تلك الدول بدأت بالوصول إلى أوضاع تجبرها على تحسين سلوكها والإصغاء إلى ما يقوله أولياء الأمر الحقيقيون.

2012-01-18