ارشيف من :آراء وتحليلات
المنطقة وسوريا في عيون أوغلو: أية رؤية؟
تستحق زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الأخيرة الى لبنان وقفة خاصة نظراً لما تضمنته من مواقف كاشفة ليس فقط عن موقع تركيا مما يجري حالياً في المنطقة عموماً وسوريا تحديداً، وإنما أيضاً عن المواجهات الأساسية للتحالف الدولي الاقليمي المنخرطة فيه تركيا اليوم الى أقصى الحدود بحثاً عن دور رئيسي تجد فيه تعويضاً عن فشلها التاريخي في ترسيخه في المدى الأوروبي، أو باتجاه آسيا الوسطى.
يمكن ايجاز القراءة التقديرية التركية للمشهد في المنطقة وسوريا بالعناوين الرئيسية التالية:
ـ يقسم أوغلو المنطقة الى ثلاثة قطاعات رئيسية، هي:
أ ـ شمال افريقيا، حيث يرى نجاحات للحراك الاسلامي ممثلاً على نحوٍ رئيسي بحركة الإخوان المسلمين، التي تعتبر اليوم رائدة ما يسميه أوغلو الصحوة الاسلامية السنية في المنطقة.
ب ـ منطقة الخليج التي يحيدها عن دائرة التغيير استناداً الى واقعها المفرط في الغنى المالي، والى واقع عدد سكانها القليل.
ج ـ المنطقة التي تشمل العراق وسوريا ولبنان، والتي يرى أوغلو أنه لا بد من شمولها بالتغيير:
التغيير في العراق شرطه ازاحة رئيس الحكومة الحالي نوري المالكي.
التغيير في سوريا شرطه اسقاط النظام خصوصاً رأسه الرئيس بشار الأسد، والتغيير في لبنان يعني عودة الحريري أو الحريرية السياسية الى رئاسة الحكومة.
ـ يضع أوغلو ما يسميه الصحوة الاسلامية السنية في مقابل ما يسميه الصحوة الشيعية التي قاعدتها ايران، ويرى أنها بدأت بالأفول لمصلحة الأولى.
لا يحتاج الواحد منا الى كثير تفكير، أو حدة ذكاء ليفهم المسكوت عنه في هذه القراءة، فما يهم تركيا هو شطب محور الممانعة والمقاومة في المنطقة، في ظل ممارسة تهويل مذهبي ونفسي على هذا المحور خلاصته تخيير دول هذا المحور بين خيارين: حرب مذهبية مع تحميل هذا المحور مسؤوليتها سلفاً بذريعة عدم استجابته لما يطلب منه، أو الاقرار بهذه الرؤية والانخراط في تسوية تلبي الشروط والمطالب في مقابل تجنيب هذه الحرب، والاحتفاظ ببعض المصالح.
التركي بعيد جداً عن أن يرى في الصحوة الاسلامية السنية في المنطقة فرصة أكيدة للتكامل مع الصحوة الاسلامية الشيعية في إطار جامع يخدم الأمة، ويؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، تستعيد فيها وزنها الاقليمي والدولي، وبما يشكل المدخل الاستراتيجي الكبير للتسريع في إزالة الكيان الاسرائيلي في المنطقة، وتحريرها من الاستعمار الغربي عموماً والاميركي تحديداً.
لو كان التركي ـ كما يصرح ـ حريصاً بالفعل على تجنيب المنطقة الصراعات المذهبية لسلك سلوكاً مغايراً ، سلوكاً يشجع على المصالحة والاصلاح معاً، سلوكاً يدفع الى التقارب والتكامل، ولا يكون شريكاً في حرب اعلامية وسياسية واقتصادية وأمنية معروفة العناوين والأهداف.
إن نظرة أوغلو الى سوريا ترتبط عضوياً بنظرته العامة تلك، وهي عبارة عن تكهنات وتبريرات، تفضي خلاصتها الى النتيجة نفسها.
يبرر أوغلو لتركيا مواقفها المستكبرة من سوريا ومن أزمتها بأنه وأردوغان عملا كثيراً مع الرئيس الأسد من أجل ايجاد حلول، وأنهما كان دائماً لا يجدان وفاء بالوعود.
ما لا يقوله أوغلو هو سبب الرفض السوري للمبادرة التركية، فهل من المنطقي أن يرفض الأسد حلولاً تجلب له الاستقرار من دون التفريط بقوة النظام، أو موقع سوريا ودورها في المنطقة؟
لقد بات معلوماً أن المرحلة الحالية من المؤامرة على سوريا جاءت بعيد فشل مؤامرة الاغراءات: لقد وُعد الأسد بموازنة لمدة ثلاث سنوات لسوريا، وبإمداد النظام بكل أسباب القوة والحماية، مقابل تخليه عن ايران وحزب الله وحماس.
ان الرد السوري السلبي على أوغلو ليس في الحقيقة إلا رفضاً لهذه الأثمان ، ولأثمان أخرى في المرحلة الثانية من المؤامرة على سوريا.
أما تكهنات أوغلو، فتستند الى التالي:
ـ إن النظام السوري ساقط حتماً، ولا إمكان لإعادة الأمور الى الوراء، لماذا؟ لأن الرئيس السوري لا رجاء فيه أو معه، ولا امكان لانجاز تسوية أو اصلاحات بوجوده، ويمكن ان تقبل بها المعارضة.
ـ لماذا أيضاً؟ لأن مكامن قوة النظام لن تدوم طويلاً.
أ ـ الموقف الروسي ليس ميؤوساً منه، وهو في نهاية المطاف لن يبقى يصوت سلباً في مجلس الأمن.
ب ـ الموقف الايراني سيرضى عاجلاً أم آجلاً بالتغيير، خصوصاً وان ايران تخوض اليوم مواجهات صعبة ومتعددة الجبهات، وهي عموماً ليست في وضع مريح يسمح لها بأن تشكل مرتكزاً صلباً وسنداً قوياً لسوريا.
ج ـ انتهاء المبادرة العربية سيفتح الطريق واسعاً أمام التدويل الذي سيكون الخيار الأخير.
د ـ هناك ضغط اقتصادي ومالي هائل على سوريا، وثمة خنق اقتصادي ومالي لها، الهدف منه انهيار الدولة اقتصادياً ومالياً، والتأسيس من المدخل الاقتصادي لحراك اجتماعي ـ سياسي يشمل المدن الرئيسية التي بقيت موالية للنظام حتى الآن خصوصاً حلب ودمشق.
هـ ـ ابقاء الجرح الأمني مفتوحاً لاستنزاف النظام.
و ـ العمل بقوة على مسألة الأقليات داخل سوريا ومن خارجها أيضاً (لبنان مثلاً) خصوصاً فيما يتعلق بالأقليتين المسيحية والدرزية.
من الواضح، أن كل تقديرات أوغلو لا تنهض على منطلقات جازمة، بقدر ما تنهض على توقعات هي أقرب الى التكهنات منها الى الحسابات الحقيقية، ذلك أن كل نقطة منها يمكن تفنيدها، اضافة إلى أنه من غير المضمون بالكامل احتمالات نجاحها.
إلا أن قراءة أو غلو هذه تؤكد أن لا نية لدى تركيا ولا من يقف وراءها ومعها، في السعي الجاد، أو التعاون الجاد لايجاد حلول سياسية فعلية سواء لأزمات المنطقة، أم للأزمة السورية، ما يعني بدوره أن المنطقة عموماً وسوريا على نحو خاص ستبقى خاضعة على الأقل من الآن وحتى آذار المقبل الى اشتباك متعدد الأطراف والأسلحة في محاولة من كل طرف تعديل وجهة الصراع وتوازناته لمصلحته، ويمكن القول إن الشهرين المقبلين سيكونان الأصعب ، نظراً لكون شهر آذار شهر العديد من الاستحقاقات ، أبرزها:
أ ـ انتقال رئاسة الجامعة العربية من قطر الى العراق.
ب ـ اجراء الانتخابات الروسية والتي من شأنها أن توصل بوتين الى سدة الرئاسة، بوتين الذي يعود اليه فضل التأسيس والهندسة للعلاقات الروسية ـ الايرانية ، والروسية ـ السورية، والذي يقف بقوة وراء المواقف الحالية لموسكو.
ج ـ غرق ساركوزي وفرنسا في الانتخابات الرئاسية، التي ستشهد بدورها تنافساً حاداً.
د ـ دخول الولايات المتحدة في مسارات ومدارات الانتخابات الاميركية الرئاسية.
هـ ـ دخول لبنان مرحلة الاستحقاق الخاص بالتجديد لبروتوكول المحكمة.
و ـ استحقاق اجراء الرئيس الأسد للاستفتاء على الدستور الجديد، الذي سيمهد الطريق لإجراء انتخابات نيابية، ومن ثم تأليف حكومة واسعة تضم كل مكوّنات الطيف السياسي السوري، وهذا الاستحقاق بالغ الأهمية لكونه سيحول الاصلاحات الرئيسية والمفصلية في سوريا الى واقع محسوس، بما من شانه أن يسحب من المتآمرين أوراقاً مهمة، ويضخ مزيداً من أجواء الثقة، ويشجع الناس على الصمود والالتفاف حول النظام أكثر.
باختصار ان الشهرين المقبلين سيكونان الأصعب ربما، وفي ضوء ما ستنجلي عليه التطورات من نتائج، ستتحدد أكثر توازنات المرحلة المقبلة، خصوصاً لجهة الشروع فعلياً في الأزمات (سوريا على نحو رئيسي) وتثبت نوعاً من الاستاتيكو من الآن وحتى اشعار آخر، ولبنان سيكون في خضم تطورات هذه المرحلة بكل مفاعيلها الايجابية والسلبية التي لا بد من أن تدخل في حسابات القوى السياسية لتحديد الخيارات المقبلة.