ارشيف من :آراء وتحليلات

قطر... عندما تقود العرب إلى هرتزيليا!

قطر... عندما تقود العرب إلى هرتزيليا!
عقيل الشيخ حسين

معارضة الاستمرار في تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، وتحرير كامل الأراضي الفلسطينية والمسجد الأقصى وأم الرشراش المصرية (إيلات المحتلة)، هو الكلام الذي يليق بمصر، أم الدنيا والعربة الكبرى في القطار العربي، خصوصاً بعد الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، خليفة السادات والمتابع الأمين لخطه الاستسلامي المسؤول عن حالة التدهور التي تعيشها القضية الفلسطينية منذ كامب دافيد.

وهو الكلام الذي ينبغي أن يطغى على كل كلام آخر في أول مجلس شعب مصري منبثق عن ثورة يفترض أن يكون العمل على إعادة مصر إلى موقعها الطبيعي في تصدر حركة التحرر العربية في رأس قائمة اهتماماتها. وإذا كان هذا الكلام قد ورد في أولى جلسات مجلس الشعب على لسان وكيله النائب محمد عبد العليم داوود، فإن محمد سعد الكتاتني الذي انتخب رئيساً لهذا المجلس ألقى خطاباً افتتاحياً تكلم فيه عن كل شيء إلا فلسطين، ولم يعرّج لا على الغاز المصري ولا على أم الرشراش.

الكرة الآن هي إذاً في ملعب الثورة المصرية والنائب محمد عبد العليم محمود وغيره من الإسلاميين الذين لا يمكن أن تقف حدود التزامهم بالقضية الفلسطينية عند التعويل على الضغط الأميركي، أو على مطالبتها باتخاذ مواقف أكثر توازناً وفق ما قاله محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، في لقاء جرى في 11 كانون الثاني/ يناير الجاري مع بيل بيرنز، نائب وزيرة الخارجية الأميركية.

وهي أيضاً في ملعب سائر الإسلاميين ممن وصلوا أو يستعدون للوصول إلى السلطة في زمن برلمانات الثورات العربية، تلك البرلمانات التي تنطلق الأصوات من فلسطين، وغزة تحديداً، لتطالبها بسلوك الطريق الصحيح تجاه قضايا الأمة وقضيتها المركزية في فلسطين.

وتأتي تلك الأصوات المنطلقة من فلسطين وغزة تحديداً أشبه بالاستغاثات وسط إجراءات الاستيطان والتهويد المتصاعدين، بما فيها تلك التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى، ووسط الغضب الإسرائيلي على جهود المصالحة الفلسطينية والعمل الحثيث على عرقلتها بسبل، في جملتها تكثيف عمليات الملاحقة والاعتقال بحق إسلاميين أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني. وكذلك وسط أعمال القتل اليومي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي بحق غزة المهددة أكثر من أي وقت مضى بعملية اجتياح إسرائيلية جديدة.

والواضح أن هذا التزامن بين تصاعد العبث الإسرائيلي بفلسطين وبين صعود الإسلاميين في أجواء الثورات العربية يضع الأحزاب الإسلامية أمام تحد خطير. هل يعتمدون النهج الإسلامي الصحيح الذي لا يمكنه أن يتعايش مع استمرار اغتصاب فلسطين وما يرافقه من إذلال وهدر للكرامة العربية والإسلامية، أم يرثون سياسات ما كان يسمى بالاعتدال المنحاز لسياسات الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية والمتعارض مع طموحات شعوب الأمة؟

وبالطبع، فإن هذا التساؤل يتذرع حتى اللحظة الأخيرة بحسن النية وسلامة الطوية، وذلك بغضّ النظر عن جدية ما صدر حتى الآن من تصريحات حول الالتزام باتفاقيات السلام واعتماد سياسات التعقل والحكمة والدعوة بالحسنى في التعامل مع أميركا والكيان الصهيوني اللذين لم ولن يدخرا للفلسطينيين والعرب والمسلمين إلا أقصى أشكال التعامل بما هو أسوأ.

ويغضّ النظر خصوصاً عن الصمت المطبق تجاه ما يصدر من تصريحات بخصوص الأجندة القطرية وما يسمى بـ " الإيديولوجيا القطرية" ونفوذها على الثورات في تونس وليبيا ومصر. فوفقاً لهذه الإيديولوجيا، وعلى ما يقوله سلمان الشيخ، المحلل في معهد بروكينغز بالدوحة، وأحد مساعدي الشيخة موزة المسند، والمسؤول السابق عن وحدة البحوث والسياسات في مكتبها، تجد قطر نفسها قادرة، بفضل الدور الأكبر الذي يلعبه المال القطري في تغيير الأنظمة العربية، على قيادة العرب في ظل مرور بلدان كمصر والسعودية في مرحلة انتقالية.

وإلى أين تريد قطر أن تقود العرب؟ إلى هرتزيليا. فسلمان الشيخ نفسه هو في طليعة من شاركوا سابقاً ومن سيشاركون في مؤتمر هرتزيليا الثاني عشر الذي سيعقد في "إسرائيل" نهاية كانون الثاني/ يناير الجاري.

وكان هذا المؤتمر قد تأسس في العام 2000 على يدي الجنرال عوزي أراد، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وهو يعقد اجتماعاته السنوية بمشاركة شخصيات وفعاليات فلسطينية وأردنية ومصرية وقطرية. وستشارك تلك الفعاليات في دورته الحالية إلى جانب وفد كبير من الكونغرس الأميركي بقيادة السيناتور جون ماكين.

أما عن أهداف المؤتمر فتتركز على البحث في السبل الضامنة لأمن "إسرائيل" وتطلعاتها المستقبلية. أما مهمة المندوب القطري فيه فهي، بتوجيه من أولياء أمره، وضع خبرات معهد الأبحاث الذي يرأسه في خدمة الأمن الإسرائيلي. وتحديداً في إطلاع الإسرائيليين على المسائل المتعلقة بصعود الإسلاميين في بلدان الثورات العربية.

والسؤال: هل يرتضي إسلاميو الثورات العربية أن يكون المال القطري هو مفجّر تلك الثورات. وهل يرتضون لأنفسهم أن تقودهم قطر إلى هرتزيليا؟

2012-01-25